مقالات
الأمن المائي والغذائي الخليجي في خطر..!!
تاريخ النشر : السبت ٣١ مارس ٢٠١٢
من بين الملفات والقضايا الأكثر أهمية على جدول أعمال القمة العربية في بغداد ملف (الأمن المائي والغذائي).. وهذا الملف ولكن بتحديد خليجي، كان محوراً للمؤتمر الذي انعقد الاسبوع الماضي في دولة الامارات العربية المتحدة تحت عنوان «أمن الماء والغذاء في دول الخليج».. وهو كما نرى عنوان كبير، وقضية استراتيجية فائقة الأهمية، وتحظى بالكثير من الاهتمام، ليس على مستوى الأمانة العامة لمجلس التعاون والمؤسسات والحكومات والأجهزة التنفيذية فحسب، بل على مستوى القادة والملوك وعلى مستوى مؤتمرات القمة. وهناك تراث كامل من الدراسات والتوصيات والاقتراحات والمبادرات والقرارات التي تصب كلها في خدمة هذه القضية ومعالجة استحقاقاتها التي أصبحت أقرب الينا من حبل الوريد..
وبحسب احصائية سريعة، فقد بلغ عدد المؤتمرات والندوات وورش العمل الخليجية التي ناقشت مشكلة الأمن المائي أكثر من 86 مؤتمراً وندوة وأكثر من 260 دراسة علمية جادة، وذلك خلال عقد من الزمان..!! وبعد كل هذه المؤتمرات والدراسات، فقد برزت في المؤتمر الذي انعقد الاسبوع الماضي في دولة الامارات العربية المتحدة بعنوان «أمن الماء والغذاء في دول الخليج»، أرقام واحصائيات جديدة، من شأنها التشكيك في كل الجهود المبذولة لمعالجة هذه القضية ومعها كل التوصيات والاقتراحات التي لا تزال وللأسف الشديد حبراً على ورق.. رغم كثرة المؤتمرات والندوات التي كلفت ملايين الدولارات واستنفذت جهوداً ودراسات لا حصر لها..
فعلى الرغم من أن دول الخليج العربي تعتبر من الدول الأكثر شحاً في مصادر المياه، نقرأ مثلاً، أن استهلاك الفرد الخليجي للمياه في تزايد مستمر، وهو من أعلى المعدلات في العالم (350 لتراً يومياً)..!! ونقرأ أن ملوثات المياه الجوفية ومياه الشرب في المنطقة الخليجية في ازدياد وتصاعد..! ونقرأ أن دول مجلس التعاون تعاني وللأسف الشديد من أضعف الادارات المتكاملة للمياه على المستوى الاقليمي، وأقلها انجازاً..! وفوق كل ذلك، فهي تقع ليس فقط ضمن المناطق الأكثر جفافاً وفقراً في الموارد الطبيعية، بل ضمن الدول الأكثر استنزافاً وهدراً لهذه الموارد.. والأقل انتاجاً غذائياً وزراعياً..!! والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة هنا، هو: إذن ماذا حققت كل تلك الدراسات والندوات والمؤتمرات..؟! وهل كانت مجرد أصوات في البرية..؟! وأين مصير تلك القرارات التي تم اتخاذها على أعلى المستويات لمعالجة هذه المعضلة الشديدة الأهمية..
تقول الدراسات العالمية أن الطلب العالمي على الغذاء والمياه سيشهد ارتفاعاً كبيراً يتطلب زيادة في الإنتاج تتراوح بين 80% إلى 100%. والسؤال الآخر الذي يطرح نفسه هنا، هو: ما هي حصة دول مجلس التعاون الخليجي من هذه الزيادة..؟ وهل سنساهم في زيادة الانتاج الزراعي وزيادة التوافر المائي في المستقبل القريب، كما ساهمنا في استنزافها..؟!
وبصراحة.. فليس ثمة اجابة خليجية جاهزة وواضحة على هذا السؤال.. أي أننا بعد 86 مؤتمراً وندوة و260 دراسة محكمة عداك عن المقالات والتحقيقات الصحفية والمعالجات الاعلامية السريعة، ورغم كل ما يقال عن ثرواتنا المالية، وادورانا المحورية في السياسة العالمية والاقليمية، لا نزال عاجزين عن الاجابة عن السؤال الأهم المتعلق بحياتنا ووجودنا: ماذا نشرب وماذا نأكل ومن أين..؟!
إنها حقيقة مؤسفة للغاية وتدعو للكثير من الإحباط.. ورغم أننا من المدرسة التي تدعو دائماً إلى رؤية النصف المملوء من الكأس، فإن كأس مياهنا وغذائنا للأسف الشديد أقرب إلى أن تكون فارغة تماماً، ولن تملأها كل ثرواتنا المهدورة على الاستهلاك غير الحصيف، وأشكال الرفاه الفاخر والمفتعل..
إن دول مجلس التعاون الخليجي أمام تحديات عدّة على مستوى الأمن الغذائي والمائي، من أهمها محدودية الموارد المائية وندرة الأراضي الصالحة للزراعة، وثقافتنا الاستهلاكية غير المستنيرة، وانعدام توافر سياسات استراتيجية متماسكة ومطبقة عملياً لمواجهة الآتي الخطير.. وإن لم نبادر منذ الآن لتعليق الجرس وقرعه بجدية كاملة، وحزم على مستوى السياسات والإدارة المتكاملة وعلى المستوى الجمعي للمنطقة العربية الخليجية، فسوف نقف مكتوفي الأيدي وعاجزين تماماً في المستقبل القريب، ونعاني من اختراق كبير لأمننا القومي، بل استعمار جديد بكل ما للكلمة من معنى، هو استعمار المياه والغذاء..
في الشأن الوطني: تقارير ديوان الرقابة.. إلى متى تبقى حبراً على ورق..؟!
في كل سنة تصدر تقارير ديوان الرقابة المالية والادارية محملة بكم كبير من المخالفات التي ترتقي بعضها إلى حالات موصوفة من الفساد والتسبب بالهدر السافر للمال العام وسوء الادارة المالية، والتي تكبد المملكة ملايين الدنانير سنوياً وتعطل الكثير من المسارات التنموية والنهضوية فيها..! ورغم ما تتميز به هذه التقارير من الشفافية والشمولية، فإنها في النهاية تمر من دون أية اجراءات أو معالجات جادة.. والأدهى من ذلك أن أحداً من المسئولين المتسببين في هذه المخالفات والهدر المالي، لم يتعرض لأية مساءلة او حتى استجواب نيابي.. وكأننا نقول للعالم: لدينا الكثير من الفساد ولا يوجد لدينا فاسدون..!!