كما أرى
الكوادر الوطنية
تاريخ النشر : السبت ٣١ مارس ٢٠١٢
عبدالله المناعي
إذا أردنا أن نعرف مدى قوة أي دولة فإنه يجب أن ننظر إلى قوة كوادرها الوطنية الفكرية والاستراتيجية وإلى قوة شركاتها واستقرارها. والتجارب السابقة في دول مثل سنغافورة وبريطانيا واليابان تثبت أن تنمية الكوادر الوطنية من جانب فكري واستراتيجي ودعم الشركات في كل القطاعات الاستراتيجية مثل القطاعات الإعلامية والمعاهد الفكرية والاقتصادية هما ركيزة أساسية في التنمية وأن تراجع قوة هذه القوة الفكرية والاقتصادية لهؤلاء الأفراد والشركات هو تراجع لقوة الدولة. ولكن يبدو أننا لم نتعلم من دروس غيرنا وأن مقولتنا أننا نريد أن نصبح مثل سنغافورة هي من أحلام اليقظة إذ نحاول أن نصل إلى خط النهاية ونتبع بعض الخطوات التي اتخذوها من دون أن نتعب أنفسنا مع أجزاء أخرى من واقعهم.
نعتمد على الأجانب في كل شيء من دون الإيمان بأنفسنا أو تنمية الموارد الوطنية. نحاول أن نعزز الشركات الصغيرة والمتوسطة لأنها تحل جانبا من المشكلة التي تعانيها الدولة وتسكت الناس في آن واحد، ولكن لا نحاول أن نعزز الكوادر الاستراتيجية الوطنية التي تضع لنا السياسات العامة للبلد وتدير الشركات الكبرى. فشركة أجنبية وضعت سياستنا الاقتصادية وأخرى وضعت سياسة العلاقات العامة والاعلام الوطنية وأخرى تقوم بسياسة لمّ الشمل الوطنية ما بعد الأزمة، بالرغم من أن هذا ليس من اختصاصها.
ولكن حتى لو لم نؤمن بقدرات أهل البلد الاستراتيجية فإننا نضعف اقتصادنا عندما نعطي أعمالنا الحكومية وشبه الحكومية للشركات الاجنبية التي أثبتت خلال الازمة أنها تريد أن تحلب خيرات البلد خلال فترة الرفاه وأن تهرب بأسرع ما يمكن خلال الازمات. حتى الأجانب الذين استغلوا البلد بكسب ثروات كبيرة طيلة حياتهم، عندما ساء الوضع بشكل كبير خرجوا ولم يعيروا البلد أو أهله أي اهتمام. وليس من الخطأ أن تشجع الاستثمارات الأجنبية المباشرة إذا كنت تضخ كل أموالك في البحرين ولكن أن تقدم أموال الدولة بالملايين لشركات أجنبية لتضع سياسات فاشلة تنجح القليل منها على مدى القريب وتفشل معظمها على المدى البعيد، ومن ثم تعطي الأعمال الحكومية للشركات الأجنبية وأن نوظف الكوادر الأجنبية في المراكز القيادية فإننا نكون قد عطلنا العجلة الفكرية والاقتصادية الوطنية لصالح الأجانب الذين لا يريدون شيئا سوى استغلال البلاد. فما فائدة الاستثمارات الأجنبية اذا أعطيناها اكثر مما تعطينا وأخرجنا ثروتنا المتهالكة والصغيرة - باعتراف الدولة - إلى الخارج؟ وحتى لو احتجنا إلى الشركات الأجنبية التي سنحتاج اليها بطبيعة الحال، فإنها يجب أن تكون بقيادة بحرينية ويلتزمون بتدريب الكوادر البحرينية لكي يساهموا في بناء الوطن للأجيال القادمة. ولو أننا أنفقنا الأموال التي أنفقناها على الشركات والكوادر الأجنبية في الأعوام الفائتة التي فشلوا في أن يحققوا لنا خلالها الانجازات، على شركات وكوادر بحرينية لكان عندنا كوادر مدربة للقيام بهذه المهنة حتى لو فشلوا بنفس القدر الذي فشل به الأجانب، لأنه في النهاية لا يتعلم المرء إلا من فشله.