هوامش
قمة بغداد «أختك مثلك»
تاريخ النشر : السبت ٣١ مارس ٢٠١٢
عبدالله الأيوبي
لم تكن قرارات القمة العربية في بغداد افضل حالا من قرارات القمم العربية التي سبقتها؛ فالقرارات الأخيرة لا تعدو ان تكون نسخة طبق الأصل تقريبا من القرارات التي سبقتها، باستثناء الملف السوري الذي دخل القمة العربية في بغداد نتيجة الأحداث التي تشهدها الدولة الشقيقة ونتيجة مواقف سياسية عربية رسمية من هذه الأحداث، فالمواقف العربية من أهم القضايا المصيرية لم تتغير، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية حيث لم تتجاوز الدول العربية مواقفها السابقة المتمثلة في مطالبة المجتمع الدولي «بالضغط» على «إسرائيل» لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية و«بأن الحل العادل للقضية الفلسطينية على أسس هذه القرارات كفيل بإنهاء حالة التوتر في المنطقة».
أكثر المواطنين العرب جهلا بوضع الأنظمة العربية لم يكن متفائلا بخروج قرارات عن قمة بغداد تتجاوز في تأثيرها، بل حتى مفرداتها، تلك القرارات التي صدرت عن القمم العربية السابقة، بل ان قمة بغداد تعقد والعلاقات العربية العربية تمر بأسوأ حالاتها، بل تجاوزت حد التلاسن الإعلامي الذي ساد العلاقات بين بعض الدول العربية في فترات مختلفة، إذ شهدنا مشاركة عربية مباشرة في جريمة تدمير ليبيا ووضعها على قائمة الدول المرشحة لدخول شعبها في حرب أهلية، ربما بدأت ملامحها في سبها حاليا.
فاجتماعات القمم العربية تحولت إلى حفلات يلتقي فيها قادة الدول العربية ليجددوا تواقيعهم وتواريخ القرارات التي سبق أن أصدروها في عاصمة عربية أخرى، لهذا فمثل هذه القمم تنعقد وتنتهي من دون أن تثير أي اهتمام لدى المواطن العربي، وبالقدر نفسه من اللامبالاة، تتلقى الأطراف الدولية قرارات القمم العربية من منطلق أن هذه الدول غير قادرة ولا تملك الإرادة السياسية لترجمة قراراتها إلى أفعال، سواء تعلق الأمر بالعلاقات بين الدول العربية نفسها أو بالقضايا القومية كقضية فلسطين.
فالعالم من حولنا لا يكترث بما تصدره الدول العربية من قرارات وما تتخذه من مواقف ما لم يلمس جدية حقيقية وعزيمة لترجمة هذه القرارات إلى أفعال من خلال استخدام القدرات العربية في ذلك، وإذا ما أخذنا القضية الفلسطينية مثالا على ذلك، فإننا سنجد أن هذه القضية هي أكثر ضحايا القرارات العربية، بحيث تحولت إلى بند ثابت على جدول الأعمال وفي حزمة القرارات التي تصدرها الاجتماعات العربية، من دون أن يترجم قرار واحد خاص بها إلى واقع، مع أن الدول العربية تصف هذه القضية بـ«قضية العرب الأولى».
فبدلا من أن يجتمع القادة العرب ويكرروا القرارات التي يصدرونها بين قمة وأخرى، بدلا من ذلك هم مطالبون بأن يخصصوا قممهم ليشخصوا حالتي الوهن والعجز اللتين تحولان دون قدرة هذه الدول على ترجمة قراراتها إلى أفعال، لأن الاستمرار في تقديم صورة تلو الأخرى من صور العجز العربي من شأنه أن يعمق من حالة اليأس التي تعيشها الشعوب العربية وفقدان الثقة بهذه الأنظمة، بل ان استمرار انعقاد القمم العربية من دون ترجمة القرارات إلى أفعال، جعل الأطراف الأخرى التي تخاطبها هذه القمم تتجاهل وتسخر من القرارات، بل من الدول التي أصدرتها.
والمتابع لشئون القمم العربية وقراراتها يتذكر كيف كان رد رئيس وزراء الكيان الصهيوني الأسبق ارييل شارون على المبادرة العربية للسلام التي أطلقتها قمة بيروت في 28 مارس 2002، حيث سخر المسئول «الإسرائيلي» من المبادرة ورفضها قبل أن يجف الحبر الذي كتبت به، لأنه يعرف أنه لا توجد إرادة عربية رسمية قادرة على ترجمتها إلى واقع وتسويقها بين المجموعات الدولية كي يلزم الكيان الصهيوني بقبولها، وخاصة أن تلك المبادرة تنسجم تماما مع قرارات الشرعية الدولية «المدعومة» من المجتمع الدولي.
والحقيقة أن الشعوب العربية سئمت مثل هذه القمم وجميع الاجتماعات الرسمية العربية، فهذه الشعوب تعتبر مثل هذه اللقاءات هدرا للطاقات وللأموال العربية، والأخطر من ذلك أنها ـ أي اللقاءات ـ تسهم في كشف المزيد من عناصر الضعف الذي يعتري الأنظمة العربية، وهذه نتائج لا تخدم العرب بشيء، أضف إلى ذلك كله، أن القادة العرب هم أنفسهم غير مقتنعين بجدوى مثل هذه اللقاءات والقمم، والدليل على ذلك عدم الاكتراث بحضورها، بغض النظر عن مكان انعقادها.