القرآن.. دستور الإسلام
 تاريخ النشر : الأحد ١ أبريل ٢٠١٢
بقلم: عبدالرحمن علي البنفلاح
إذا كانت دساتير العالم التي يضعها البشر لأنفسهم لتنظيم العلاقة بين الشعوب والأنظمة الحاكمة هي آباء للقوانين كما يقولون، فإن القرآن الكريم الذي نزل من اللوح المحفوظ هو: أبو الدساتير جميعها لأن واضعه هو رب الناس جميعهم، أما تلك الدساتير فواضعوها هم البشر الذين فيهم النقص والضعف ما يجعلهم غير مؤهلين لوضع نظام أو دستور يعلو فوق المصالح الذاتية لواضعي هذه الدساتير، أو لمن وضعت له من الحكام والمحكومين.
وإذا كانت دساتير البشر قابلة للزيادة والنقصان، وللتعديل إثر التعديل، فإن دستور السماء، وهو القرآن الكريم محفوظ ومحصن من كل ذلك.
لقد وضع الحق تبارك وتعالى ضمانات عدة لحفظ هذا الدستور من أي عبث من البشر، ولم يوكل حفظ كتابه لبشر مهما كان مقامه ولا حتى الأنبياء الكرام (عليهم الصلاة والسلام) بل حتى الملائكة الكرام وفي مقدمتهم جبريل (عليه السلام) لم يوكل إليه حفظ هذا الكتاب المعجز، ولا يستطيع تحمل هذه المهمة الثقيلة التي تفوق قدراته وهو من هو بين الملائكة الكرام (عليهم السلام).
لقد تكفل الحق تبارك وتعالى بهذه المهمة الجليلة ولم يتركها لأحد من الملائكة، أو النبيين، أو البشر.
قال سبحانه:}إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون{ الحجر/.٩
ضمن الحق تبارك وتعالى بذلك حفظ القرآن جملة واحدة، فلا تغيير، ولا تبديل، ولا سلطة دنيوية تتدخل لتغير من أحكامه في الآيات المحكمات القطعية الدلالة، أما الآيات الظنية الدلالة فللمسلمين أن يجتهدوا في فهمها وفق المتغيرات في الزمان والمكان وأحوال العباد.
ومن الضمانات لحفظ هذا الكتاب المعجز من أي تحريف، أو تبديل، قوله سبحانه: }إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم وإنه لكتاب عزيز(٤١) لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد(٤٢) { فصلت.
وقال سبحانه ليؤكد ألوهية هذا الكتاب العظيم: }أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا{ النساء/.٨٢
العجيب في هذا الدستور العظيم هو أن المسلمين جميعهم يخضعون له لأنه دستور غير عادي لا يكتفي بتنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكوم كما هو شأن الدساتير البشرية، بل هو شامل جامع مانع ينظم العلاقة بين الخالق والمخلوق، وبين الإنسان وذاته، وبين الإنسان ومن حوله من بشر وشجر وحجر.
في هذا الدستور الإلهي أدق التفاصيل لرسم معالم الطريق للذين آمنوا به، وألزموا أنفسهم بطاعة أوامره ونواهيه.
إنه دستور غير عادي يضع الخطوط العريضة لشئون الناس، ولا يحتاج عند التطبيق إلى المراجعة والتعديل إثر التعديل، إنه دستور وضعه العليم الخبير، الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، ويعلم سبحانه ما سوف يكون قبل أن يكون، ويعلم ما هو كائن حتى يرث الله تعالى الأرض ومن عليها، ولم تزده التطبيقات العملية لهذا الكتاب العظيم في حياة المسلمين إلا رسوخاً على رسوخه، وتأكيداً على عظمة هذا الكتاب واستيعابه لحياة الإنسان في ماضيه وحاضره ومستقبله.
والحق سبحانه وتعالى عندما قال: }إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا{ الإسراء/٩، في هذا النص المبارك والمعجز لم يصادر الحق تبارك وتعالى حق البشر في الاجتهاد ووضع القوانين التي تنظم حياتهم، ولم يستبعد حاجتهم إلى الاجتهاد في النصوص الظنية الدلالة لاستخراج الأحكام لما استجد في حياتهم من متغيرات، ولكن ما يقدمه القرآن الكريم هو الأقوم وهو الأصلح، وهو الأولى بالاتباع، ذلك لأن الذي شرّع هو الحق تبارك وتعالى، الذي ليس له مصلحة فيما يشرّع، وليس بينه وبين أحد من خلقه نسب أو مصاهرة - تعالى الله على ذلك علوا كبيرا- وكل ما يربطه بمن يشرّع لهم هو علاقة العابد بالمعبود.
إذاً، فالدستور الذي وضعه الحق تبارك وتعالى لعباده المؤمنين خالٍ من كل شائبة تشوبه، وليس لكائن من كان أن يدس فيه شيئاً من أهوائه ورغباته إذ سرعان ما يفتضح أمره، وينكشف سره، ويؤول أمره إلى الخسران المبين.
لقد حاول الأقدمون المعاندون للقرآن ذلك في القديم، فانفضح أمرهم، ولايزال هنالك ممن يحاول ذلك كما فعلت الولايات المتحدة الأمريكية حين وضعت كتاباً باسم (الفرقان الحق) فانفضح أمرها، وصارت سخرية لكل من عنده قدر من الفهم والإدراك وما علمت أن أصغر طفل في العالم الإسلامي يحفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب، وأن المسلمين يتعبدون بحفظ القرآن الكريم وتجويده، وحفظ أحكامه ومعانيه، وتقام المسابقات في أنحاء العالم الإسلامي لحفظه وترصد الجوائز القيمة للفائزين.
إذاً، فكل من يحاول محاربة هذا الكتاب المعجز أو تلويثه، أو تحريفه، فإن الدائرة سوف تدور عليه، وانه سوف يعرض نفسه للسخرية والاستهزاء كما حدث لدولة كبرى في حجم الولايات المتحدة الأمريكية التي تتزعم العالم، وتزعم لنفسها من القوة والسيطرة ما يجعلها تجازف بأعمال لا قبل لها بها مثل محاولة محاكاة القرآن الكريم الذي عجزت الجن والإنس عن أن يأتوا بمثله، أو بعشر سور مثله مفتريات، أو حتى بسورة واحدة ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا، فما عجزت عنه الجن لن تستطيعه أمريكا بكل ما تملك من إمكانات، حتى لو كان الجن معها ظهيرا.
إن القرآن الكريم هو الدستور الوحيد بين دساتير العالم الذي يستمد أصوله من اللوح المحفوظ، وانه غير قابل للتغيير والتبديل مهما تغير الزمان والمكان والناس. إنه دستور كامل ينظم العلاقة بين الخالق عز وجل، والمخلوقين، وبين الناس فيما بينهم، وبين الإنسان وباقي المخلوقات من حيوان وشجر وحجر، وهو دستور لم يترك شاردة ولا واردة إلا قنن لها، ونظم طريقة التعامل معها.
دستور نظم للإنسان ما يأخذ وما يدع، وما يأكل وما يشرب، وما لا يجوز أكله وما لا يجوز شربه.
دستور نظم للإنسان حياته في حال القدرة، وفي حال العجز، وفي حال الصحة، وفي حال المرض، وفي حال الإقامة، وفي حال السفر، وجعل له مستويات مختلفة للفعل وللقول، وجعل حياته تدور بين حالات خمس وهي: الواجب، والمندوب، والمباح، والحرام، والمكروه.
دستور تطبيق مواده عبادة، والالتزام بأوامره ونواهيه قربة يتقرب بها العبد إلى مولاه عز وجل، والخضوع لأحكامه تقوى.
إنه دستور فريد لا مثيل له، ولا طاقة للبشر على إعداد مثله.
.