عالم يتغير
هل هو افتراء؟
تاريخ النشر : الأحد ١ أبريل ٢٠١٢
فوزية رشيد
} لا شيء يعادل الوطن أو يعلو عليه .
كل شعوب العالم تفتخر بوطنها، وتترجم ذلك حبا لا نهائيا له، يدفعها حتى إلى التضحية بالنفس من أجل صونه والحفاظ عليه، وخاصة ان تعرض مثلا لارهاب داخلي أو لهجوم خارجي، أو لمحاولة احتلال أجنبي أيا كان نوعه عسكريا أو سياسيا أو ثقافيا أو اقتصاديا، وبما يهدد باختراق ومسح الهوية أو الانتماء أو أسس الحضارة الممتدة للوطن، أو اختراق عقدي يهدد بنسف الديانة الأم من داخلها، أو تعرض لما عدا ذلك من تهديدات استراتيجية وأمنية تهدد أمن الوطن القومي واستقراره وسلامة نسيجه الاجتماعي، حينها يعلو الصوت الوطني في كل بلدان العالم ليطغى على أي صوت عداه، وخاصة إذا كان الصوت الآخر يتصرف كأنه في خدمة كل تلك المهددات والمؤثرات، فيوصم حينها بالخيانة بل الخيانة العظمى للوطن، فلا صفة أخرى تعبر بدقة عن مدلولات سلوكه غير هذه الصفة.
} كل شعوب العالم وأفرادها ونخبها ومؤسساتها حتى معارضتها السياسية تهتم بصورة الوطن وسمعته، بل ان كل عملها حتى (وهي تعارض في الداخل) قائم على حماية صورة هذا الوطن، وتحسين صورته والسعي إلى كسب الريادة له في كل المجالات المتاحة، واثبات الجدارة، وحين يرتفع علم الوطن في أي محفل خارجي رياضيا كان أو ثقافيا أو سياسيا أو علميا أو اقتصاديا أو تنمويا أو غيره من المجالات، يشعر الشعب كله بزهو لا مثيل له، وبالتحام لا نشوز فيه، فالوطن هو الذي انتصر وهو الذي فاز واسمه هو الذي علا، وهذا لا يليق به الا ان تتوحد كل الضمائر والعقول والقلوب معه، وبمختلف أطيافها وعقائدها ومكوناتها، ليشعر الجميع في مثل تلك اللحظات بأنهم لحمة واحدة لا انفصام فيها ولا اختلاف ولا نشوز، لأن الوطن هو الجامع للفرديات المختلفة والاتجاهات حتى المتعاكسة، وهو بؤرة الصقل الجماعي والانصهار الجمعي، حبا له أو خوفا عليه، فالكل ينتمي إلى جغرافيته، وامتداده الحضاري والتاريخي، أو إلى ترابه وإلى سمائه وإلى ثقافته وإلى هويته وإلى محيطه الاستراتيجي، ولذلك فإن أي فئة أو أي أفراد يخرجون عن تلك الأواصر أو تلك اللحمة، أو يشوهون في صورة الوطن، أو يكذبون على حساب سمعته، او يعرقلون أيا من فعالياته لكسب أي نوع من المكاسب والمصالح، او يخربون فيه ويرهبون بقية مكونات شعبهم، أيا كان أيضا نوع ذلك الإرهاب، فإن لا صفة تنطبق عليهم غير صفة الخيانة بل الخيانة العظمى للوطن وللشعب بكلية مكوناته.
} فإذا حدث ان تعاقدت أي فئة، سياسية كانت أو غيرها، عقدا ظاهريا أو باطنيا، لكي تسود وحدها، أو تنقلب على أوضاع الوطن وعقده الاجتماعي ودستوره وتوافقه الشعبي، فإنها ومهما بررت أفعالها بعد ذلك فإن حصيلة سلوكها هي الانحياز إلى مصالحها (الفئوية) أو (الفردية) أو (الانقلابية) وخارج إطار التوافق الجمعي الشعبي، فلا صفة حينها تطلق عليها الا صفة الخيانة للوطن وللشعب بكلية مكوناته.
ولكن ماذا لو تصرفت (فئة) معينة، نصبت نفسها قيادة لأتباعها، أو سمت نفسها معارضة سياسية، ماذا لو انتهزت فرصا خارجية متاحة جراء أطماع اقليمية أو دولية تعرف هي جيدا تفاصيلها كأطماع وكأجندات وحيثيات تهديدها للوطن، فاستعانت بها، أو قبلت دعمها، أو سعت إلى تمويلها أو نشطت تدريبا على أيدي خبرائها ومراكزها، فأي صفة تنطبق على تلك الفئة أو تلك القيادات، التي تدير حراكا مضادا للوطن وللكلية الشعبية باسم الدفاع عنهما، حين هي تكون على استعداد ان تكون تحت إدارة تلك الدول الاقليمية أو الدولية البعيدة، بل تعمل كفئة وبكل الوسائل (لجلب ضغوطها على وطنها) وتناشدها في ذلك؟ فأي صفة حينها تنطبق عليها غير صفة الخيانة بل الخيانة العظمى للوطن، ولا يهم في ذلك التبريرات او التأويلات او التفاسير، لأنه حينها يكون العذر أقبح من الذنب نفسه؟
} ولكن ماذا أيضا لو تبنت تلك الفئة داخليا العنف والتخريب والإرهاب ثم تذاكت لكي تصف كل ذلك بصفة السياسة او السلمية او الحراك المطلبي، فيما هو ممارسة لا مجال أيضا للتبرير فيها أو للتأويل، غير انها تتبنى الإرهاب في داخل وطنها وبمساعدة ودعم خارجيين؟ فهل هذا اصلاح للوطن وتطوير له، كما تتطلب لغة السياسة، أم انه تدمير للوطن ولاقتصاده ولسلمه الأهلي ولأمنه ولاستقراره، وبما لا يترك مجالا لأي صفة اخرى غير الخيانة بأن توصف بها تلك السلوكات؟
} ولكن ماذا لو كانت جميع تلك الأساليب والمنطلقات الموصوفة أيضا بالعدوانية موجودة لدينا في البحرين، وعلى أرض الواقع، بل تزيد الفئة او القيادات التخريبية، في هذا البلد الصغير على ان ارتباطها العقدي والسياسي هو ارتباط خارجي، يملي وظائفه ووصاياه على حياة شعبنا، ويصبح الولاء لدى «تيار الولي الفقيه» ولاء غير مشروط حتى بمصالح الوطن نفسه وأمنه، لان الارتباط العقدي هذا هو فوق الوطن، ولان شروط الاستجابة للبلد المصدر لثورته هو نفسه الطامع تاريخيا في البحرين، فماذا تسمى سلوكات تلك الفئة أو الجماعة بغير الخيانة للوطن؟
} وحين تستنكر تلك الفئة وصمها بالخيانة فهل هي تمتلك منطقا حقيقيا في استنكارها أم انها تعتمد البروبجندا الكلامية، والتأويلات الخاصة بها لمفهوم الوطنية ولمفهوم السياسة ولمفهوم المعارضة ولمفهوم الشعب.. الخ؟ أي انها تستنكر وفقا لفلسفة كلامية سفسطائية خاصة بها لا يقرها فيها احد غيرها، تخلط فيها المفاهيم والمعاني والأوراق، وتعتمد المبالغة والتضخيم والكذب والفبركة، لتمرر به (منطقا اعوج) لا يستقيم مع العقلاء أو المنطق الوطني او المنطق الطبيعي ومستوجبات الحفاظ على أمن الوطن واستقراره وصورته وهويته وانتمائه العربي.. وحين هي تخالف كل ذلك، بل تسعى بسلوكها الفوضوي إلى تدمير كل أسسه ومرتكزاته، فماذا يسمى ذلك غير خيانة الوطن؟ هل هو افتراء إذًا أم كراهية مجانية، أم انه وصف دقيق لما تقوم به تلك الفئة على أرض الواقع، بحيث لا يوجد وصف آخر يقوم مقامه ان أردنا الدقة القائمة على تمحيص دقيق بدوره (للأداء غير الوطني) لتلك الجماعات؟ تفضلوا وقولوا لنا انكم لم تقوموا بكل ما سبق سرده، وإذا كنتم قد فشلتم فيما قمتم به، رغم جسارته على الوطن، فذلك لا يبرر ما قمتم به.
تفضلوا وفسروا لنا تشويه صورة الوطن ومحاولة عرقلة فعالياته الصغيرة والكبيرة، بل وحدته الخليجية، وتسمون ذلك ضما ووصاية واحتلالا، فيما انتم غارقون حتى النخاع بالارتباط ببلد غير عربي، بل تستنجدون به، وهددتم مرة باستدعاء قواته، واذا كنتم خارج إطار الوطنية والارتباط الخليجي العربي كما تصرفتم.. فأليس بداهة انكم قد وضعتم أنفسكم خارج الوطن وخارج عروبة الخليج ووحدته؟ هل احد غيركم من وضع نفسه في مثل هذا الموقع، الذي ليس له صفة أخرى غير تلك التي يصمكم شرفاء هذا الوطن بها؟ فلماذا تستنكرون؟