الجريدة اليومية الأولى في البحرين


المال و الاقتصاد


العلاقات الاقتصادية بين الخليج العربي والعالم.. أثر الجغرافية والتاريخ

تاريخ النشر : الأحد ١ أبريل ٢٠١٢



كان الخليج العربي على مر العصور، وما زال، الجسر الذي يربط بين الشرق والغرب، لذلك حظيت المنطقة منذ القدم بأهمية استراتيجية بالغة، ولا سيما من الناحية التجارية، حيث برزت كمركز تجاري نموذجي يربط بين الشرق والغرب، وكطريق مهم أخذ يلعب دوره في نقل التجارة بين المحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسط.
ومن هذا المنطلق، تنظّم غرفة تجارة وصناعة الشارقة ملتقى الشارقة الثاني للأعمال 2012، تحت رعاية كريمة من سمو الشيخ سلطان بن محمد بن سلطان القاسمي ولي عهد ونائب حاكم الشارقة، وذلك خلال الفترة 25-26 من إبريل الجاري في مقر الغرفة.
وحول الملتقى قال مدير عام غرفة تجارة وصناعة الشارقة حسين المحمودي «تتمتع دول الخليج بمقومات جغرافية هائلة، نظراً إلى موقعها الاستراتيجي كمعبر تجاري عالمي بين الشرق والغرب، يوفر الضروريات كافة الضامنة لازدهار التبادل التجاري الدولي في منطقة حيوية من العالم، ما يجعل دول الخليج تمثل ركيزة اقتصادية ضمن منظومة الشرق الأوسط، وقد تطورت لتصبح واحدة من أهم المناطق في خريطة أعمال دول العالم ذات الثقل الاقتصادي، حيث تحظى أحداث هذه الدول في منطقة الخليج بالرعاية والدعم، ما يسفر عن تحقيق نتائج إيجابية مشجعة، فضلا عن ارتفاع حجم التبادل التجاري بين كل من دول مجلس التعاون الخليجي ودول العالم، بنسبة تجاوزت الضعف خلال العقد الأخير، ما يبرز قيمة منطقة الخليج كواحدة من أبرز وأهم الأسواق المصدرة للمنتجات العالمية، وهو ما يبرزه ملتقى الشارقة الثاني للأعمال ضمن محاوره، التي تركز على طبيعة العلاقات الاقتصادية بين الخليج العربي والعالم».
وفي هذا الإطار، أجرت غرفة تجارة وصناعة الشارقة مجموعة من الدراسات والتقارير التي تسلط الضوء على الاقتصاد الخليجي، ومنها التقرير التالي الذي يناقش أثر الجغرافية في العلاقات الاقتصادية الخليجية-العالمية.
الخليج قلب الشرق
منذ القدم كانت السفن والمراكب تنقل البضائع والثروات من الشرق الأقصى والهند، عن طريق بحر الصين في المحيط الهندي ثم بحر العرب، فالخليج العربي حتى رأسه الشمالي في جنوب العراق. ومن هناك كانت تنقل حمولتها براً عن طريق العراق إلى حلب وإلى البحر الأبيض المتوسط، ليتم نقلها إلى البندقية في إيطاليا وإلى بقية أوروبا.
وتتميز المنطقة من الناحية الجغرافية بكونها تتوسط العالم القديم، لذلك فإن خصوصية هذا الموقع جعلته بمثابة قلب الشرق جغرافياً، فعن طريقه وعبر نهر الفرات، يمكن الوصول إلى سوريا والبحر المتوسط، أو إلى تركيا فالبحر الأسود عن طريق نهر دجلة، أو إلى إيران، ومنها إلى روسيا عن طريق المعابر الطبيعية بين الجبال والهضاب الجنوبية والوسطى، أو إلى أفغانستان والهند والصين.
ومنذ القدم، وحتى يومنا هذا، ارتبط اسم الخليج العربي بالملاحة والتجارة، وكانت منطقتا جنوب وجنوب غرب آسيا والخليج العربي على وجه التحديد وعلى مرّ التاريخ من أغنى مناطق العالم في التجارة والملاحة.
ومع مجيء الإسلام في القرن السابع الميلادي، تغيرت ملامح الخليج العربي وكذلك المنطقة المجاورة بشكل كبير. وابتداء من هذه الحقبة أصبحت الدولة الإسلامية تسيطر على الطرق التجارية عبر الخليج والبحر الأحمر، وعلى الطرق البرية عبر الأناضول.
وفي منتصف القرن الثامن الميلادي اتسعت الدولة الإسلامية من جبال بيرنيه في شبه الجزيرة الأيبيرية وصولاً إلى نهر السند. وخلال سبعمائة سنة تلت، انتشر الإسلام غرباً وشرقاً وأصبح المحيط الهندي بحيرة إسلامية. وقد سيطر التجار العرب على التجارة وعلى البضائع القادمة من الشرق وخاصة التوابل، وبقي الوضع على ما هو عليه حتى القرن الخامس عشر الميلادي، حين أبحر الرحالة الإيطالي المعروف فاسكو ديجاما حول إفريقيا، فاتحاً بذلك طريقاً تجارية جديدة للممالك الأوروبية، ليدخل البحارة العرب في منافسة مع البحارة الأوروبيين.
وفي هذه الفترة التاريخية صدّر الشرق إلى الغرب عشرات السلع التجارية، كان من أهمها التوابل والعقاقير الطبية التي كانت أوروبا في أمس الحاجة إليهما، أضف إلى ذلك السلع التي تمثل المواد الأولية التي تقوم عليها الصناعات في أوروبا آنذاك، مثل الحرير والأصباغ والصمغ وغيرها من السلع.
وكانت أوروبا، بالمقابل، تصدر أهم ما تملكه، وهي المعادن المختلفة والعديد من السلع، مثل المنسوجات الصوفية والجلود والمرجان، ولكن كان ذلك لا يكفي لأن ميزان المبادلات التجارية كان لصالح الشرق، ولأجل ذلك كانت تُضطر إلى تصدير الذهب والفضة بكميات كبيرة حتى تعوض فارق العجز التجاري.
مركز ثقل عالمي
ومن الماضي إلى الحاضر، ما زالت دول مجلس التعاون تشكل نقطة اتصال بحري وبري وجوي بين دول العالم، ومما زاد في الأهمية الاستراتيجية لدول مجلس التعاون مواردها النفطية، وامتلاكها لأكبر احتياطي بترولي في العالم حيث تمتلك دول المجلس أكثر من 40% من احتياطي البترول في العالم، كما أنها تعتبر من أهم المراكز الرئيسة السياسية للوطن العربي والدول الإسلامية، نظراً إلى وجود الأماكن المقدسة لدى المسلمين في إحدى دولها، ولهذا تمثل مصدر الإشعاع الروحي للمسلمين في جميع أنحاء العالم.
وبرزت أهمية الخليج العربي سياسياً واقتصاديا في العلاقات الدولية خلال القرن المنصرم، بعد تبلور الصراع التاريخي الطويل بين الدول الاستعمارية الكبرى بهدف السيطرة على أجزائه لأغراض شتى، بعضها استراتيجي والآخر اقتصادي.
وإذا كانت الاستراتيجية قد تأكدت في محاولات الاستعمار المتكررة، الحديثة والمعاصرة لربط أقطار هذه المنطقة بسياسته، فإن الأغراض الاقتصادية المتعاظمة الأهمية قد برزت عقب اكتشاف منابع النفط الغزيرة التي أصبح العالم المتقدم بحاجة ماسة إليها، باعتبارها أهم مصادر الطاقة المتوافرة عالميا.
وظلت منطقة الخليج العربي محط أنظار الجميع، واللاعب الأكثر أهمية وتأثيراً في العديد من الملفات والقضايا التي شغلت المجتمعات الخليجية والعربية والدولية خلال العقود الأربعة الماضية. وما يعزز الدور القيادي والريادي لدول المجلس هو الحضور الذي تمثله في البعد الاستراتيجي والأمني وأمن الطاقة والأسواق التجارية والاستهلاكية والاستثمارات وأسواق السلاح والإنفاق العسكري. وستبقى منطقة الخليج العربي محط أنظار الجميع. واللاعب الأكثر أهمية وتأثيراً في العديد من القضايا التي شغلت العالم.
ويؤكد الخبراء أن دول الخليج تسعى للقيام بدور جديد في التجارة الدولية في ظلّ المتغيرات العالمية الراهنة، كما تسعى لتصبح مركزاً رئيساً للتجارة الدولية في المنطقة، وعلى وجه الخصوص في مجال التجارة بين شرق آسيا وأوروبا وأمريكا الشمالية، وأن الوضع الجغرافي المتميز للخليج يمنح هذه الدول فرصاً كبيرة لتحقيق ذلك.
وفي هذا الصدد توقعت مجلة إيكونوميست البريطانية أن تعتمد دول الخليج على النفط والغاز في السنوات العشر المقبلة اعتماداً كلياً، لكنها خلال تلك الفترة ستكون قد طورت عدداً أكبر من القطاعات الاقتصادية، وبالتالي لا تتأثر بشدة بتقلبات أسعار النفط المتغيرة، فعناصر القوة الأخرى في دول الخليج تشمل موقعها الاستراتيجي، فضلاً عن التجارة والنقل والسياحة.
أضافت المجلة أن دول الخليج كانت تعتمد على التجارة وصيد اللؤلؤ والسياحة الدينية. وقد تكون تلك الخبرة التاريخية مفيدة لتسترشد بها دول الخليج مستقبلاً بعد تراجع عائدات النفط، وخاصة في ظل التوسعات في المطارات الرئيسة في المنطقة، فمثلاً تتوسع شركة أبوظبي للمطارات في الطاقة الاستيعابية لمطار أبوظبي الدولي بحيث يستطيع استقبال 20 مليون مسافر سنوياً بحلول 2015، كما تعمل شركة البحرين للمطارات الدولية على تنفيذ برنامج لتوسيع طاقة مطارات البلاد من نحو 7 ملايين مسافر إلى 28 مليون مسافر بحلول 2030.
وفي وقت يشهد فيه العالم بروز أقطاب جديدة، تكسر احتكار القطبية الواحدة أو الثنائية، لخلق توازنات تضبط إيقاع العمليات الأمنية والسياسية والاقتصادية، ستظل الدول الخليجية مركز ثقل عالمي، بينما مجرى الأحداث في المنطقة العربية يشهد تبدلاً جذرياً، وكذلك العواصف التي أدت إلى اضطراب مالي عمّقا المشكلة للقوى الرئيسة في أوروبا وأمريكا، وقد تلحق الأضرار دولاً أخرى، إلا أنّ التكامل بين دول العالم مرتبط بالاستقرار في كل الجوانب، وهذا ما يجعل دول الخليج العربي في عمق الاستراتيجية العالمية.