أخبار البحرين
ضمن الحملة الوطنية «وحدة وحده»
مشروع وطني لمساعدة الأطفال على التكيف مع الأزمات يستمر 12 أسبوعا
تاريخ النشر : الأحد ١ أبريل ٢٠١٢
إن الأطفال هم ابتسامة الحاضر وأمل المستقبل، والدول القوية هي التي تستثمر في أبنائها ليكونوا عماد الوطن وأساس الحضارة والتقدم والرقي، ولمرور العالم بالعديد من الأزمات الطاحنة التي أصبحت تهدد أمنه واستقراره كان ولابد من العمل على توجيه نفسية الأطفال وتنقية أرواحهم من الضغوط النفسية التي يمرون بها على مدار سنوات حياتهم.
وانطلاقا من حرص اللجنة الوطنية للطفولة ووزارة حقوق الإنسان والتنمية الاجتماعية ضمن حملة المصالحة الوطنية «وحِدة وحَدة» بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم ووزارة الصحة وجامعة البحرين وبعض مؤسسات المجتمع المدني على تنظيم برنامج إرشادي يستضيف فيه مجموعة من الاختصاصيين التربويين والنفسيين على مدار شهرين لتدريب مجموعة من المرشدين لنفسيين، والتربويين، والاجتماعيين لمساعدة الأطفال وأسرهم على التعامل مع الآثار النفسية للأزمات والذي بدأ فعالياته الاسبوع الماضي ويستمر مدة 12 أسبوعا في المركز الوطني لدعم المنظمات الاهلية.
وتناول أستاذ علم النفس الإرشادي في كلية البحرين للمعلمين بجامعة البحرين الأستاذ الدكتور عدنان الفرح مرحلة الطفولة التي تعتبر المرحلة الأولى من حياة الإنسان وهي من أهم مراحل النمو، لأنها تعتبر حجر الأساس في بناء وتكوين الشخصية، لان أطفال اليوم هم رأس المال الحقيقي للأمة وهم الشباب والرجال الذين ستقوم على أكتافهم نهضة المجتمع في المستقبل، وانطلاقاً من هذه الرؤية تبرز أهمية هذه المرحلة من حياة الإنسان وضرورة الاعتناء بها لأنه على قدر الاهتمام والاعتناء يأتي مستوى التشكيل والبناء الذي يعكس إيجاباً على الهدف الأبعد والأسمى، هدف النهوض الدائم بالمجتمع إلى الأحسن.
موضحا أن الأطفال حول العالم يتعرضون إلى مشكلات مختلفة تصل إلى مستوى العنف والصدمات التي يكون هؤلاء الأطفال ضحيتها، أو تترك آثارا تنعكس سلباً على الصحة النفسية والعقلية للأطفال، مشيرا إلى إن الصدمة تشير إلى حوادث شديدة أو عنيفة تعد قوية ومؤذية ومهددة للحياة، بحيث تحتاج هذه الحوادث إلى جهد غير عادي لمواجهتها والتغلب عليها، وتعرف الصدمة بأنها أي حادث يهاجم الإنسان ويخترق الجهاز الدفاعي لديه، مع إمكانية تمزيق حياة الفرد بشدة، وقد ينتج عن هذا الحادث تغيراتٍ في الشخصية أو مرضٍ عضوي إذا لم يتم التحكم فيه والتعامل معه بسرعة وفاعلية، وتؤدي الصدمة إلى نشأة الخوف العميق والعجز أو الرعب، وهي حدث خارجي فجائي وغير متوقع يتسم بالحدة، ويفجّر الكيان الإنساني ويهدد حياته، بحيث لا تستطيع وسائل الدفاع المختلفة أن تسعف الإنسان للتكيف معه.
التركيز على الايجابيات
وخلال الورشة الثانية يناقش الدكتور محمود محمد جمعة مستشار نفسي وتربوي وخبير تدريب في التنمية الذاتية للشركات والأفراد في الوطن العربي كيفية إكساب المتدربين مهارات التركيز على مساحة الاشتراك والتوافق وتدريب الأطفال على قواعد العمل، والتي تشتمل على التقبل غير المشروط للبيئة، والاسترخاء الجسمي والذهني، ووصف الشعور والتحكم فيه، واستخراج الأفكار المرتبطة بالصورة والمشاعر المصاحبة، والتركيز على الإيجابيات في الداخل، وتغيير الصور الذهنية وتعديل الأفكار، والتركيز على ايجابيات الآخر في الذهن، تمرين تخيل الحياة في ظل الصراع مع الآخر وفي ظل الاتفاق معه، وإكساب الأطفال مهارة تقبل الرفض من الآخر بمرونة، وممارسة الرفض للآخر بطرق إيجابية تضمن الحفاظ على إنسانيتهم والألفة معهم ويتناول طبيعة الرفض كضرورة إنسانية، بالإضافة إلى تأثيره على مفهوم الذات والتواصل والحوار بين شركاء الوطن، وطرق تدريب الطفل على التعامل الإيجابي مع الرفض.
وعن طرق التواصل مع الأطفال لمساعدتهم على التعامل مع الأزمات يقول دكتور شمسان بن عبدالله المناعي أستاذ علم نفس الإبداع والتفوق العقلي المساعد ورئيس قسم علم النفس بجامعة البحرين إن مرحلة الطفولة هي مرحلة السعادة حيث يقضي فيها الطفل أوقاته في اللعب واللهو والمرح، لذا فإن الأطفال الذين يعيشون في فترة وأماكن الحوادث والأزمات يقع عليهم كثير من الأضرار النفسية والاجتماعية، ومن جانب آخر مرحلة الطفولة هي مرحلة نمو سريع في جميع جوانب شخصية الطفل وخاصة في الجانب النفسي، كالانفعالات والعواطف، لذا فهو يحتاج إلى بيئة أمنة ومطمئنة حتى تتم عملية النمو بالشكل السليم.
البيئة المستقرة الآمنة
وتتضمن الورشة الرابعة طرق مساعدة الطفل على التعامل مع الآثار السلبية، فيوضح الدكتور سعد المشوح أستاذ الصحة النفسية المشارك بقسم علم النفس كلية العلوم الاجتماعية، بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ووكيل كلية العلوم الاجتماعية أن سلوك التعلق عند الأطفال منذ الميلاد ويكون ملازما له ومستمرا خلال مراحل النمو المختلفة، وكلما كانت البيئة آمنة ومستقرة للطفل كان سياق التعلق وارتباط الذات لدى الطفل مترابطا، وتعتبر صدمة الطفولة بأنها النتيجة العقلية للصدمة المفاجئة أو سلسلة من الصدمات، والتي تؤدى بالطفل إلى عجز مؤقت وابتعاد عن ميكانزمات المواجهة العادية، وتعد الصدمات وخبرات التفكك الأسري من الخبرات التي تؤدي إلى خلل نفسي وانفعالي واجتماعي للتوافق والتكيف عند الأطفال، كما ترتبط صدمة الطفولة المبكرة بالسلوك التدميري للذات والانتحاري في الحياة لدى الأطفال.
أما ورشة تنمية الذكاء العاطفي للتعامل مع الأزمات فيتناول خلالها دكتور أحمد سعد جلال أستاذ علم النفس المشارك بقسم علم النفس ومدير وحدة الدراسات الاستراتيجية ودعم القرار بجامعة البحرين التعريف بالذكاء العاطفي وخواصه ومهاراته ونماذجه المختلفة، بالإضافة إلى كيفية تنمية الذكاء العاطفي لدى الأبناء، وتحسين قدرتهم على التكيف مع المواقف الصعبة، ومواجهة الضغوط النفسية التي قد يتعرضون لها، وتنمية مهارات التواصل والتعامل مع الآخرين وإدارة المشاعر، وتزويدهم بالوسائل الملائمة لحل المشكلات، وخاصة في ضوء الأحداث التي مرت بها مملكة البحرين خلال الفترة الماضية، وما تعرض له الأطفال خلال تلك الفترة.
وتأتي ورشة التسامح لاستشاري الطب النفسي الجنائي دكتور فاضل جاسم النشيط لتوضح مفهوم التسامح الحقيقي بأنه لا يعني نوعا من اللامبالاة بقدر ما يعني افتراض وجود قناعة واضحة وإيمان راسخ واختبار أخلاقي أكثر سموا لدينا، لأن التسامح الحقيقي يعلمنا أن أول ما نحتاج إليه للتعامل مع الآخرين هو قبولهم كما هم، مشيرا إلى أن التسامح متعلق بالأفكار وليس بالشتائم والأفعال الإجرامية، فهو الاعتراف بوجود حقيقة متناقضة لفكرتك، وهو احترام الحق في التعبير عن مقاصد قد تبدو دنيئة.
التكيف مع فقدان الأشياء
ومن خلال ورشة استراتيجيات التكيف مع الفقد لدى الأطفال تقوم دكتورة أماني عبدالرحمن الشيراوي أستاذ علم النفس الإرشادي المساعد بجامعة البحرين بعمل أنشطة تدريبية مختلفة لمساعدة الطفل على التكيف مع الفقد وصنع مكان آمن، ومواجهة تغيرات الحياة وقدرتنا على التحكم فيها، والتعبير عن المشاعر من خلال قوس قزح، وكيف نقول وداعا للذكريات الجميلة، كما تستخدم الإرشاد القصصي وفنية الاسترخاء للتكيف مع الفقد بالنسبة للأطفال.
وعن أساليب حل الصراع بدلا من العنف واكتساب مهارات المناعة النفسية ضد الإحباط والاضطرابات النفسية تأتي ورشة أ. دكتور حمود فهد عبدالله القشعان الأستاذ بجامعة الكويت وعميد الشئون الأكاديمية والدراسات العليا المساعد بكلية العلوم الاجتماعية- جامعة الكويت ليناقش من خلالها كيفية إكساب المشاركين معلومات حديثة حول العلاقة بين الصحة النفسية والحياة اليومية، ومهارات تحقيق الصحة النفسية، وتدريبهم على مهارات التعامل مع مسببات الضغوط النفسية (حالات الاحتراق النفسي)، ومهارات تفادي الإحباطات، كما تتناول تدريب المشاركين على كيف يكونون قادرين على تشخيص درجة الضغوط النفسية التي تواجههم، والتعرف إلى أسباب انخفاض الصحة والمناعة النفسية أمام ضغوط الحياة، ثم كيفية التصرف إزاء المواقف الضاغطة والتدريب على إدارة الذات، كما يتناول الخصائص الرئيسية لفئة الطفولة والمراهقة في العصر الرقمي، وكذلك التعرف إلى الأساليب التربوية الخاطئة المستخدمة والمتوجهة نحو العقاب واللوم والتهديد، والمؤدية إلى اضطراب الأطفال سلوكياً، ثم يتم تعريف المشاركين نظريا وعمليا بالحاجات الخمس التي يحتاج إليها الأبناء من التربويين، وكيفية اكتساب مهارات الذكاء الاجتماعي في التعامل مع الأبناء، مع التركيز على تدريب المشاركين على كيفية اتباع الخطوات العملية لإدارة حوار مع الأطفال والمراهقين، واستخدام فن الحوار لحل الصراع بدلا من العنف.
وتشير الدكتورة صديقة حسين المير استشارية الطب النفسي لعلاج الأطفال والمراهقين والعلاج الأسري في مستشفى السلمانية والطب النفسي إلى تأثير الضغوط على كل فرد من أفراد الأسرة بدءا من الرضع، والأطفال، والمراهقين، والآباء، والأمهات، وكيف إن لم تعش الأسرة في سلام سوف ينعكس ذلك سلبا على السلام في العالم بأسره، كما أن الضغوط النفسية التي يمر بها احد أفراد الأسرة إن لم تتم معالجتها بشكل صحيح فسوف تهدد كيان الأسرة بأكملها، لذا كان من المهم مساعدة الأسر في اكتساب مهارة التعامل مع الضغوط وإدارتها لمساعدة محيطها، وبالتالي المجتمع ككل، وذلك عن طريق تقويتها وتمكينها، هذا بالإضافة إلى تدريب القائمين على الأطفال وأسرهم استخدام استراتيجيات التوافق النفسي للتعامل مع الأحداث الضاغطة في الحياة والأزمات النفسية لاستعادة الإحساس بالأمن النفسي، والسلام الداخلي، وسوف يتم تعريف الضغوط النفسية وأعراضها واستراتيجيات التوافق معها بالنسبة للأطفال الصغار من 1- 6 سنوات، والأطفال الأكبر من 7-11 سنة، ومناقشة المشكلات وقت الذهاب للنوم، وإعطاء إرشادات للوالدين عن طريق استخدام العاب تخفيض الضغوط، ومتى يطلبون المساعدة، كما سيتم تدريبهم عمليا على استخدام اللعب بالرمل لعلاج الأطفال المتعرضين للصدمات النفسية، وكيفية مساعدة الطفل وأسرته على مواجهة الأحداث الضاغطة.
وتساعد دكتورة جيهان العمران أستاذ علم النفس التربوي المشارك نائبة رئيسة اللجنة الوطنية للطفولة ورئيسة المكتب التنفيذي الأطفال من خلال ورشتها «أساليب التعامل مع الغضب والعنف عن طريق التفكير الايجابي للانتقال من سجن الكراهية إلى فضاء المحبة، والتعريف بأنواع الغضب وأسبابه وحدوده، وأنه قرار شخصي ومعركة لا رابح فيها بل الكل فيها خاسر، وتتضمن الورشة استخدام بعض أساليب الإرشاد المعرفي، واستخدام خريطة دورة الغضب، وتطبيق اختبارات قياس الغضب، ونشاطات تمثيل أدوار على أساليب الرسالة اللوامة المؤدية للعنف والرسالة التوكيدية لتجنبه، وقصص إرشادية تساعد الأطفال على التعبير عن المشاعر السلبية بشكل آمن نفسيا، وتطبيق ألعاب تربوية ونشاطات إبداعية للتعامل مع بركان الغضب، مثل (نشاط الزحمة المروية للغضب، طرف جبل الجليد، كيف أتصرف عندما أغضب، تلوين المشاعر، مكعب الانفعالات، دائرة الانفعالات)، كما توضح أضرار العنف على الأطفال صحيا ونفسيا، والتسبب بأمراض الاكتئاب واضطرابات النوم والأكل، كما تهدف إلى تدريب الدارسين على الأساليب التي تساعد الأطفال على التعامل مع العنف والغضب باستخدام نموذج أ ب ج، وإعادة التأطير للأحداث باستخدام التفكير الايجابي، وأساليب توكيد الذات، والمرح، ومحاربة عادات التفكير الخاطئة، وتنمية ثقافة الاعتذار والتوبة للمسيء والصفح والغفران للضحية لتطهير النفس من شوائب العنف، وتحويل الطاقة السلبية إلى ايجابية لا تهدم صاحبها عن طريق التعرف على عاقبة الاستسلام لبركان الغضب، والمساعدة على النمو الشخصي في التحكم بانفعالات الغضب للوصول إلى بناء الشخصية الايجابية، للخروج من سجن الكراهية إلى فضاء المحبة.
تجربة فريدة
ويعرض كل من الاختصاصيي الإرشاد النفسي والاجتماعي منتدبان لمركز الصحة المدرسية الأستاذ محمود علي الشاخوري والأستاذة هدى خليفة دليم تجربة الإرشاد باللعب لعلاج الآثار النفسية والاجتماعية للأزمات، وتعتمد التجربة على طريقة الإرشاد باللعب بهدف معالجة بعض الآثار النفسية والاجتماعية التي حصلت للطلبة أثناء فترة الأزمة في البحرين، حيث تتألف من مجموعة الأنشطة والألعاب اللاصفية الذهنية والمعرفية والحركية والألعاب الشعبية والرياضية بمستواها الفردي والجماعي، بغرض مساعدة الأفراد على خفض وتقليل حالات الخوف والهلع والقلق، ومظاهر الرفض المدرسي، وأعراض ما بعد الصدمة والأزمات والتدريب على آليات التفريغ الانفعالي وكيفية توجيه نوبات الغضب وتدريبهم على طرق الاسترخاء وأساليب مواجهة الصراع وحل المشكلات وبناء العلاقات الاجتماعية وإعادة ترميمها مع غرس اللحمة الوطنية والوحدة بين أطياف المجتمع.
وذلك من خلال تجربة عملية ومميزة قاما بها خلال الأزمة الراهنة التي مرت بها البحرين، وأحبا أن يشاركا بها زملاءهما وزميلاتهما من المرشدين النفسيين والتربويين والاجتماعيين، واستهدفت التجربة الطلبة والمرشدين والاختصاصيين الاجتماعيين والنفسيين وأولياء الأمور ببعض مدارس المحافظة الشمالية في جميع المراحل التعليمية، وتم تطبيقها ضمن الحملة الوطنية لبرنامج «كلنا نحبك يا بحرين» التي نفذها مركز خدمات الصحة المدرسية التابع لوزارة الصحة بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم.