الجريدة اليومية الأولى في البحرين


يوميات سياسية


عن الثورة والتحرر والحرية

تاريخ النشر : الأحد ١ أبريل ٢٠١٢

السيد زهره



استاذنا المفكر الكبير السيد يسين كتب قبل ايام مقالا غاضبا حزينا في جريدة «الأهرام» عما آلت اليه احوال مصر بعد ثورة 25 يناير. وقد انهى المقال بالقول: «وتبقى الحكمة التقليدية صحيحة، وهي ان الثورة قد تؤدي الى التحرر، ولكنها قد لا تحقق الحرية».
وقد سبق للأستاذ السيد يسين في مقالات سابقة ان تحدث تفصيلا عن اهمية التفرقة بين التحرر والحرية، واستند في ذلك الى الفيلسوفة الالمانية الامريكية حنا ارندت في كتابها «رأي في الثورات». في كتابها هذا، ذكرت في معنى الثورة: «الثورة كما نعرفها في العصر الحديث، كانت تعني دائما بالتحرر والحرية معا. ولما كان التحرر الذي تعتبر ثماره، غياب القيود وامتلاك القدرة على التحرك، من شروط الحرية، اذ لا يمكن لأي انسان ان يصل الى المكان الذي تحكمه الحرية اذا لم يكن قادرا على الحركة من دون قيود، فلأن من الصعوبة بمكان كبير عادة ان نحدد متى تنتهي الرغبة المجردة في التحرر، أي الحرية من التعسف، ومتى تبدأ الرغبة في الحرية كطريقة سياسية في الحياة».
معنى ما ذكرته الفيلسوفة الالمانية الامريكية ان الثورة، أي ثورة، من الممكن ان تحقق التحرر، بمعنى ان تسقط مثلا حكم الاستبداد وتزيل القيود امام ممارسة الحرية، لكن هذا في حد ذاته ليس ضمانا لأن تقود الثورة الى الحرية فعلا. قد تتحقق الحرية بعد الثورة وقد لا تتحقق.
على ضوء هذا التمييز بين التحرر والحرية، يتحدث الاستاذ السيد يسين في مقاله الأخير عما يسميه «اليوم التالي لثورة 25 يناير في مصر»، أي عما حدث في مصر منذ الثورة وحتى اليوم.
يتوقف المفكر الكبير خصوصا عند ما انتهى اليه الامر في مصر من هيمنة الإخوان المسلمين والسلفيين، ومن اقصاء للتيارات الثورية والليبرالية واليسارية، ومن اصرار الاخوان على فرض هيمنتهم على الحياة السياسية كما اتضح مؤخرا مثلا في تشكيل اللجنة التأسيسية لاعداد الدستور والاصرار على الهيمنة عليها.
ويعتبر الاستاذ السيد يسين ان «معنى ذلك ان اسقاط النظام الذي نادت به الثورة ادى في الواقع الى تأسيس نظام دكتاتوري جديد اخطر من النظام السابق لأنه يتحدث باسم الاسلام وينطلق من توجهات دينية تسعى في الواقع الى الغاء مدنية الدولة وتأسيس دولة دينية واعادة نظام الخلافة من جديد، بحيث تصبح مصر مجرد إمارة من الإمارات الإسلامية المتعددة التي سيحكمها الخليفة الاسلامي المنتظر، والذي كانت تحلم بعودته جماعة الاخوان المسلمين منذ بداية تأسيسها على يد الشيخ حسن البنا».
ولا يقتصر الامر في رأي الاستاذ السيد يسين عند هذا الحد فيما حدث في مصر في «اليوم التالي للثورة» بل يتعداه الى مخطط لهدم الدولة المصرية نفسها والى تفكيك المجتمع. يقول: «هل نبالغ لو قلنا ان هذه هي محصلة اليوم التالي للثورة في مصر؟.. دكتاتورية سياسية جديدة تتشح بثياب دينية متشددة كفيلة بتخلف المجتمع المصري قرونا عديدة الى الوراء، ومحاولات لاسقاط الدولة كي تصبح فريسة للأطماع الداخلية والخارجية على السواء، واخيرا السلوك الغوغائي غير المسئول الذي ادى في الواقع الى نسف التراتبية الاجتماعية، والتمرد غير العقلاني على السلطة، والزحف المنظم لاقتلاع القيم والاعراف التي قامت عليها المؤسسات في مصر، ومعنى ذلك تفكيك المجتمع».
اذن، الذي يذهب إليه الأستاذ السيد يسين هو ان ثورة 25 يناير في مصر حققت التحرر، بمعنى انها ازالت القيود المفروضة على ممارسة الحرية، ولكنها لم تحقق الحرية.
بالعكس، الذي حدث في رأيه بعد الثورة حتى اليوم، هو ان هذا التحرر قاد الى نظام استبدادي دكتاتوري جديد يهدد الحريات، ولا يمكن في ظله الحديث عن امكانية قيام دولة مدنية.
وترافق مع هذا تصاعد الدعوات الى هدم كيان الدولة ومؤسساتها، وهو الأمر الذي لا يعني سوى الفوضى، وتفكيك المجتمع.
نرجو الا تكون هذه الصورة القاتمة التي رسمها لما آلت إليه اوضاع مصر بعد الثورة هي الصورة النهائية. نرجو ان تكون هذه من متاعب وآلام مرحلة الانتقال التي تمر بها مصر.
نعني ان المرجو هو انه عندما تنتهي المرحلة الانتقالية وتستقر الأوضاع في مصر، ستختلف الأوضاع عن هذه الصورة التي رسمها الاستاذ السيد يسين.
لكن في كل الأحوال، الأمر المؤكد ان هذه القضية التي اثارها، وكيف انتهى الأمر بثورة عظيمة مثل ثورة 25 يناير الى سيطرة قوى دينية استغلت التحرر الذي شهدته مصر وتريد الاستئثار بكل مقاليد السلطة واقصاء الآخرين وتهدد الدولة المدنية، بحاجة الى نقاش جدي. يتناول الأسباب التي قادت الى هذا الوضع، ويتناول كيفية التعامل مع هذه المعضلة.
نسوق هذا عن مصر كي نشير الى انه ومن هذه الزاوية .. من زاوية جدل التحرر والحرية هذا، شهدت البحرين تجربة فريدة وغريبة حقا تستحق ان نتوقف عندها.