يوميات سياسية
جدل الحرية والتحرر .. تجربة البحرين الغريبة
تاريخ النشر : الاثنين ٢ أبريل ٢٠١٢
السيد زهره
تحدثت في مقال الأمس عن جدل الثورة والتحرر والحرية, وكيف انه في حالة مصر مثلا - بحسب المفكر السيد يسين - حققت ثورة 25 يناير التحرر، لكنها لم تحقق الحرية, بل على العكس أفرزت, حتى الآن على الاقل, نظاما استبداديا له طابع ديني يهدد الحرية.
والحقيقة ان تجربة البحرين بهذا الصدد تعتبر تجربة فريدة وغريبة من زوايا كثيرة, وتستحق التأمل والدراسة.
الذي حدث ان البحرين حين طرح جلالة الملك المشروع الاصلاحي قبل اكثر من 11 عاما, شهدت عهدا جديدا من الحرية بكل معانيها التي تعرفها النظم الديمقراطية.
الحرية في النظم الديمقراطية لها ابعاد محددة متعارف عليه, وتتلخص في: حق التنظيم السياسي لمختلف القوى والتيارات السياسية, وحريات ممارسة العمل السياسي, وحريات الاعلام, والحريات المتعلقة بالترشح والانتخابات الحرة التي تضمن المشاركة في صنع السياسة واتخاذ القرار.
وكما نعلم, المشروع الاصلاحي في البحرين ارسى كل هذه الحريات واتاح المجال لممارستها عبر السنوات الماضية. فقد شكلت كل القوى السياسية جمعياتها السياسية, واتيح لها ممارسة العمل السياسي من دون أي قيود في ظل حريات اعلامية واسعة, وجرت انتخابات حرة بشهادة الكل.
المسألة الجوهرية هنا ان الحرية التي شهدتها البحرين على هذا النحو, كانت بارادة القيادة. هي التي بادرت بطرح المشروع الاصلاحي, والتزمت بتنفيذه على النحو الذي نعرفه جميعا.
كان المتصور والمأمول ان هذه الحرية التي شهدتها البحرين سوف تقود الى التحرر بمعنى محدد.
كان من المتصور والمأمول ان هذه الحرية سوف تقود الى تحرر المجتمع والدولة من امراض وازمات اجتماعية وسياسية جوهرية, وبالأخص الطائفية.
كان هذا هو المتصور لأن الاعتقاد السائد في اوساط علماء السياسية والاجتماع تمثل دوما في ان الحرية والاصلاح الاجتماعي كفيلان باحتواء الطائفية, وبترسيخ الوحدة الوطنية وقيم الدولة المدنية, دولة المواطنة لا دولة الطوائف.
لكن المفارقة التاريخية ان الذي حدث في البحرين كان على العكس من هذا تماما.
الذي حدث ان القوى السياسية المختلفة استغلت الحرية المتاحة من اجل تكريس الطائفية في المجتمع. وبدلا من ان يشهد المجتمع انحسارا تدريجيا للطائفية, وللانقسام الاجتماعي, اتسع على العكس الانقسام بين ابناء المجتمع, وتكرست القيم والولاءات الطائفية على حساب الولاء الوطني الجامع.
ومع الأحداث الطائفية التي شهدتها البحرين ابتداء من فبراير من العام الماضي, شهدت البحرين تحولات خطيرة.
القوى الطائفية التي فجرت هذه الأحداث انتقلت من تكريس الطائفية, الى محاولة الانقلاب الطائفي على الدولة والمجتمع .
وهذه القوى الطائفية حاولت, وما زالت تحاول, مصادرة ارادة الشعب لحساب مشروع طائفي ديني باصرارها على انها هي التي تمثل الشعب, وعلى فرض مطالبها هي ومشروعها هي على الجميع بأساليب القسر والاكراه والاستقواء بالأجنبي.
بعبارة ثانية, فان هذه القوى الطائفية استغلت الحرية من اجل محاولة قتل الحرية ذاتها.. استغلتها ليس من اجل تحرير المجتمع من الطائفية, والمضي على طريق اقامة الدولة المدنية الحديثة, وانما من اجل محاولة فرض دكتاتورية دينية طائفية على الدولة والمجتمع.
بعبارة ثانية, بدلا من ان تحمي الحرية المجتمع والدولة وتحصنهما ضد الأخطار الطائفية الداخلية, وأخطار الاطماع والمخططات الاجنبية, اصبحت هي نفسها تهديدا وجعلت الدولة والمجتمع اكثر انكشافا واقل حصانة في مواجهة الأخطار الطائفية والاجنبية.
هذه هي تجربة البحرين باختصار شديد من زاوية هذا الجدل حول الحرية والتحرر.
وهي تجربة تعتبر غريبة من زوايا كثيرة. هي تتحدى القناعات التقليدية التي ظلت سائدة منذ عقود في اوساط علماء السياسة, وهي تطرح تساؤلات جدية حول الديمقراطية وبناء المجتمعات. ومن اوجه الغرابة فيها ان الدولة وقيادتها هي التي سعت الى ترسيخ الحرية, وبعض قوى المجتمع هي التي ارادت قتلها.
وبالنسبة إلينا هنا في البحرين, فان التجربة من زاوية هذه القضايا التي اشرنا اليها, يجب ان تكون موضع نقاش وحوار عميق وتفصيلي.
نحن بحاجة الى أن نعرف اجابات واضحة عن تساؤلات كثيرة لا بد ان تطرح في مقدمتها: لماذا انتهى الأمر بالتجربة الى هذا الحال؟.. اين يقع الخلل بالضبط؟.. ومن المسئول؟.. وهكذا.
الاجابة عن مثل هذه التساؤلات لها اهمية حاسمة اذا كان لنا ان نتطلع الى ترشيد التجربة بما يحقق آمال كل ابناء البحرين في تجاوز الازمة على اسس سليمة.