الجريدة اليومية الأولى في البحرين


هوامش


منابر الفتنة.. ألم يحن وقت إيقافها؟

تاريخ النشر : الاثنين ٢ أبريل ٢٠١٢

عبدالله الأيوبي



أمام مجلس النواب تحدث وزير العدل والشئون الإسلامية والأوقاف عن وجود خطباء مساجد وجوامع يبثون الفتنة والكراهية بين مكونات المجتمع الواحد، والوزير بهذا التصريح لم يأت بجديد، فخطب التحريض وبث الكراهية وإثارة الفتن الطائفية لا تقال في جلسات مغلقة أو اجتماعات سرية وإنما من على منابر الخطابة الدينية ومن قبل خطباء معروفين بتوجهاتهم الطائفية المقيتة التي لا يتورعون عن إطلاقها عبر هذه المنابر بناسبة ومن دون مناسبة، وبالتالي فإن تصريح الوزير لا يخرج عن كونه تأكيدا لما كرره وكتبه الكثير من الحريصين على وحدة أبناء هذا الوطن بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية أو المذهبية أو العرقية، والسؤال الذي يطرح ليس إذا ما كان خطباء الفتن والتحريض والكراهية موجودين أم لا، وإنما السؤال الذي يجب أن يطرح هو: لماذا يسمح لأمثال هؤلاء الخطباء بالاستمرار في صعود منبر الخطابة الدينية طالما أن خطبهم تبث الفتنة والكراهية بين مكونات هذا الشعب؟
قبل الإجابة عن مثل هذا السؤال لابد من القول وبصراحة إن وزارة العدل والشئون الإسلامية والأوقاف ومعها الوقفان أيضا يتحملون المسئولية الكبرى فيما يحدث عبر منابر الخطابة الدينية باعتبار أن الجهات المذكورة هي المسئولة عن ضبط الخطاب الديني ومنع تحوله من خطاب ناصح ومعزز للوحدة الوطنية، إلى خطاب تأزيم وفتنة وبث مشاعر الكراهية بين مكونات هذا الشعب، فالوزير ومعه المسئولون في وزارته وفي الوقفين يعرفون جيدا من أي منابر دينية ينطلق خطاب الكراهية والفتنة الطائفية ومع ذلك فإن هذا الخطاب مستمر على مسمع ومرأى من المسئولين .
في اعتقادي أنه طالما الوزير أشار إلى خطباء التأزيم والكراهية والفتنة الطائفية، وإن لم يسمهم بالاسم علنا، إلا أنه يعني ما يقول ويعرف أكثر من غيره من هم هؤلاء الخطباء، وبالتالي فإن توقف موقف الوزارة والجهات المسئولة عند نقطة الإشارة فقط فإن خطباء الفتنة والكراهية سوف يتمادون في نشر سمومهم الخطرة ويعمقون من الشرخ المجتمعي الذي يعانيه الشعب البحريني في الفترة الأخيرة والذي يتحمل دعاة الفتنة من على منابر الخطابة الدينية جزءا كبيرا من أسباب ذلك الشرخ.
ففي هذا الظرف الخطر الذي يمر به النسيج الوطني البحريني، فإننا لسنا بحاجة إلى من يدلنا على مثيري الفتن الطائفية، إن كان عبر منابر الخطابة الدينية أو من خلال بعض الكتابات الصحفية وغيرها، وإنما نحن بحاجة إلى أن نرى تحركا جريئا وصادقا من قبل الجهات المسئولة يعيد إلى الخطاب الديني دوره الإصلاحي والتربوي وهذا لن يتحقق ما لم تكن هناك خطوات إجرائية وعملية تمنع انحراف الخطاب الديني وتحول دون استغلال المنابر الدينية لإثارة الفتن الطائفية وتجزيء المجتمع البحريني على أسس مذهبية وعرقية.
حتى الآن لا يبدو أن هناك أي جدية في التعامل مع مثل هذا الخطاب والدليل على ذلك تمادي خطباء الفتنة الطائفية والكراهية في بث سمومهم حتى بعد تصريحات الوزير قبل أكثر من أسبوع تقريبا، وبالتالي فنحن هنا أمام وضع اللامبالاة إزاء قضية خطرة تهدد وحدة المجتمع بأكمله، وما يزيد من خطورتها أنها تأتي في واحد من أصعب الظروف التي تمر على المجتمع البحريني بعد أحداث فبراير العام الماضي والتداعيات التي أعقبتها وانتهاز البعض تلك الأحداث للشروع في تمزيق النسيج الوطني من خلال تبني خطاب تجزيئي يشكل الخطباء الذين أشار إليهم الوزير جزءا من هذا الخطاب ومروجيه.
إذا ما استمر موقف اللامبالاة وعدم الاكتراث بخطورة ما يمثله خطاب الفتن الطائفية والكراهية من تهديد لنسيجنا الوطني، فإن الأمور ستأخذ منحى أخطر مما هي عليه الآن وسيتعمق الشرخ المجتمعي أكثر من وضعه الحالي، عندها لن تكون المعالجة صعبة فحسب، وإنما ستكون معقدة وستأخذ جهدا كبيرا من طاقات شعبنا وستنعكس بكل تأكيد على مسيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، الأمر الذي يعني خسارة فادحة للوطن برمته، وهذه النتيجة الحتمية التي يجب التنبه إليها قبل وقوعها.
والمتابع لموقف الجهات المسئولة وخاصة وزارة العدل والشئون الإسلامية والأوقاف وكذلك الوقفين، سواء قبل تصريحات وزير العدل الأخيرة أو قبلها، يصاب بالحيرة من سلبية هذا الموقف تجاه خطر يهدد النسيج الوطني برمته، والحيرة الكبرى تكمن في معرفة تلك الجهات بمصدر هذا الخطر والواقفين وراءه، فهذه السلبية غير مقبولة وتحديدا في مثل هذه الظروف إذ ليس هناك أي مبرر لها وخاصة مع تصاعد التهديد الذي يتعرض له النسيج الوطني البحريني والدور السلبي والخطر الذي تمثله المنابر الدينية التي أشار إليها وزير العدل مؤخرا.