الجريدة اليومية الأولى في البحرين


أفق


القيادات التقليدية والمستقبل

تاريخ النشر : الثلاثاء ٣ أبريل ٢٠١٢

عبدالله خليفة



أصبح الدينيون أكثر وأكثر يقررون طرقَ التطور السياسية في الوطن العربي، وكلما كانت ثمة وحدةٌ بينهم على أسسٍ ديمقراطية وطنية قدروا على تحريك الجمهور وإحداث تحولات سياسية، تغدو في عالم اليمين المحافظ غالباً.
الجمهور المتأثر بذات الحياة الاجتماعية التي تعيشها هذه الجماعات يصوت لهم بحكم التأثر الاجتماعي لكنه لا يعرف المضامين الاجتماعية للجماعات، باعتبار أغلبية هذا الجمهور شعبية عمالية.
وهذا الوعي لا يمكن تشكيله من دون الاختبارات السياسية الاجتماعية حين توضع البرامج السياسية للدينيين موضع التطبيق، وبالتالي فإنه لا يمكن إعادة ترشيح هذه الجماعات للبرلمانات والحكومات من دون أن تقوم بإنجازات اقتصادية كبيرة للجمهور المتعطش للوظائف والأجور الجيدة والتأمينات الاجتماعية الحامية له من تقلبات السوق وتعسف القطاعات الخاصة والعامة.
أما قيامها بانقلابات على الشرعية واللجوء للدكتاتوريات الحادة فقد أصبحت عالمياً مرفوضة وتُحاصر فور وقوعها.
عدم وجود التوحد لدى الجماعات السياسية الدينية هو الذي يلعب دور العرقلة لتطورِ الأصوات الانتخابية الحاسمة ومشروعات التحول السياسية، ونجد التوحدَ سلساً في تركيا وتونس بسبب ذلك الميراث التحديثي الذي قامت به الأنظمة العلمانية السابقة، أما في مصر والبحرين والعراق فهو محدود.
غدا التوحد المذهبي في مصر تجاه المسيحيين مدعاة للشكوك، فيما حاول المسيحيون التعاون مع القوى الليبرالية واليسارية لإحداث توازن في المجتمع.
ما يمثل الهاجس الكبير لدى القوى المذهبية الإسلامية هو تحريك القطاع الخاص ليلعب الدور الاقتصادي الرئيسي بعد هيمنات حكومية طويلة، ويكفي أن مرشح الاخوان المسلمين للرئاسة صاحب علاقات وثيقة بالمشروعات الاقتصادية الخاصة الكبيرة ليوضح طبيعة المسار الاقتصادي السياسي الذي يهيمن على القوى الجديدة.
فيما نجد أنفسنا في البحرين بمأزق سياسي تاريخي، بعدم قدرة القوى السياسية الدينية على التوحد، وحتى على المقاربة البسيطة للعمل السياسي النهضوي الديمقراطي المشترك.
لم تكن لهذه القوى علاقات وثيقة بالحراك الاجتماعي العميق للفئات الوسطى البحرينية خصوصاً كما حدث في الدول الأخرى السابقة الذكر، والذي تكوّن بعد صراعاتٍ طويلة داخلها ومع السلطات المختلفة حتى رست تدريجياً للتعبير عن قوى رجالِ أعمالٍ ذوي نفوذ وذوي مشروعات مهمة.
في البدء كان الصراع مع القوى العامية والإرهابية والفوضوية داخل هذه الجماعات نفسها التي تعبرُ عن عامةٍ ذوي مستوى محدودٍ من التعلمِ ومن العلاقات بالشركات الكبيرة والثقافة الحديثة، حتى سقطت هذه الطرق التي كانت تفككُ العلاقات التوحيدية بين المواطنين المسلمين والمسيحيين المصريين وبين الطبقات المختلفة عامة. وكانت الثورة التوحيدية في يناير تعبيراً عن قمة هذا الطريق وعن مشروع إصلاح رأسمالية الدولة الشمولية التي هيمنت خلال نصف قرن صعب.
في البحرين كانت التكوينات الغالبة للدينيين خاصة في القسم الشيعي من البرجوازية الصغيرة والعمال الفقراء الذين غلبتْ عليهم الشعاراتُ الحادةُ المعبرة عن أفق سياسي لم يوضع موضع التطبيق الوطني التوحدي وعن مشكلات مهمة في ضعف الأجور والمزاحمة الأجنبية وعدم التناسق في التطور بين المدينة والريف وغيرها من قضايا.
في الجانب السني الأكثر هدوءًا كانت الارتباطات بالقطاع الخاص مؤثرة في مثل هذا التوجه، ولعدم توسع هذه الجماعات في جانب العمال.
الجانب السياسي الديني الشيعي كان يمكن أن يتطور بشكل مقارب لولا التأثيرات الإيرانية، ولعبت المراجعُ المحافظةُ البسيطة الوعي في الجماعات أدوارها في عرقلةِ هذا النضج السياسي الاقتصادي، ولمقاربة الاتجاه السني في جوانب الترابط مع الشركات والبنوك الوطنية، وبالتالي مقاربة التوحيد وتصعيد رؤى الوعي بالبُنية الاجتماعية البحرينية والمساعدة على حلّ مشكلاتها وتبايناتها الاقتصادية والسياسية بطرق النضال الديمقراطية الصبور.
في العراق رغم الطبيعة المذهبية السياسية المشتركة فإن ثمة مراجع مستقلة بشكل أكبر عن التوجيهات الإيرانية، ومنظمات ذات تجربة شعبية وفكرية أكبر من الجماعات البحرينية التي دخلت في مواجهات دائمة استنزفتها وخاصة أنها ذات قواعد ريفية بسيطة الوعي تحتاج إلى حل مشكلاتها الاقتصادية والاجتماعية الحادة.
ولهذا فإن الجماعات العراقية رغم بقاء الخيوط الإيرانية الفاقعة في بعض المنظمات فيها فإنها شكلت مواقف سياسية خاصة بالعراقيين وتطور بلدهم.
ولكن مقاربة الفئات الوسطى الحديثة عمليات صعبة فيها كلها، خاصة إذا كانت الجماعات السياسية المذهبية العراقية قد التصقت بجهاز الدولة ومشكلاته المختلفة، بدلاً أن تتكون في البدء النضالي الطويل مع التجار والشركات والقطاع الخاص المستقل عن الفيض المالي الحكومي، وتعمل من أجل مصالحها من دون الهيمنة الخارجية والفساد الداخلي.
في البحرين يحتاج التطور السياسي إلى مرجعياتٍ وقيادات جديدة مرنة ذات أفق واسع، ترى التطورات الاجتماعية السياسية المعقدة في وسط الصراعات الإقليمية والقومية والعالمية وتعرف كيف تكرس مصالح البلد والشعب، وتتمسك بخيط دقيق وطني جامع موحدٍ مطورٍ للعملية الديمقراطية.