أفق
وحدة المصلحين الغائبة
تاريخ النشر : الأربعاء ٤ أبريل ٢٠١٢
عبدالله خليفة
بعد أكثر من نصف قرن من استيلاء دول الاستقلال والعسكر صار الفساد متغلغلاً في كل مكان، وحتى أحزاب الإصلاح وقوى البرلمانات والشخصيات المستقلة لم تبتعد كثيراً عن هذا المناخ السام.
إنه زمنٌ جديد واعد بالإصلاح!
لكن حين يبدأ الإصلاح مغشوشاً، ويظهر الزعيم من السجن وشخصيته غامضة بين أن يكون إرهابياً أو مناضلاً ضد الفساد، وتغدو شخوص من تيارات النقد والدين والتغيير قابلة بالرشا، وتيارات سياسية معارضة متهمة بتقبل أموال كبيرة من دول يهمها تبدل سياسات تلك الأنظمة التي لم تكن محافظة، وتعجز برلمانات الإصلاح عن كشف شخصية فاسدة أو قضية تحايل كبرى واحدة وتعيش على الأسئلة الباهتة والمناورات السياسية، يكون زمن الإصلاح بحاجة إلى إصلاح.
أكبر المشكلات المعرقلة للتطور الديمقراطي والشفافية هي الصراعات الذاتية بين الكتل والتيارات والشخصيات بدلاً من العمل المشترك الموضوعي لكشفِ كل خلل، وتعرية كل جمود عن تنفيذ المشروعات العامة.
لنلاحظ في البداية كيف يعمل الحزبيون على تقوية جماعاتهم وحين يتصارعون يتصارعون على النفوذ والمناصب، وتقوم الكتل بتجميع الثروات الشخصية لها، والتنافس على رضا السلطات التنفيذية، ولا نجد في مؤتمراتها وختام الدورات البرلمانية فيها على كشف حساب لأعمالها وكم القضايا التي أثارتها وكم المال العام الذي أرجعته للشعوب، وكم الشبكات الإرهابية والفاسدة التي عرتها.
في ختام أعمالها الحزبية نجد كماً كبيراً من ورق الإنشاءات وكماً من الأسئلة الباهتة التي وجهت في البرلمانات، ولا نجد أي تسليط للضوء على الأراضي التي بُلعت، ومتابعة الشركات التي أُفلستْ من خلال الدعم (الحكومي) لها.
شركاتٌ لم تُوضع أمام النقد الدقيق من قبل البرلمانات، ومجالسُ الإدارات خربتْ هذه الشركات العامة أو الخاصة لأسبابِ المنفعة المتبادلة بين هذه الجماعات، والحصيلة انهيار شركات وبنوك كبيرة هي دعامات للاقتصاد وضياع أموال للمودعين والمستثمرين واهتزاز للأسواق.
قوى التغيير الشعبية المختلفة إضافة لتعارضاتها وتنافساتها الذاتية التي تضعفها جميعاً، وتعبرُ عن غياب التركيز في الشأن الوطني الموضوعي، تعبر بهذا عن ضعف قواعدها وغياب حضورها النقدي لتوجيه هذه الجماعات السياسية نحو قيم الأمانة على المال العام.
من أهم أسباب هذا هو عدم التغيير في الطواقم والإدارات التي تظل عقوداً أعضاء في البرلمانات وقيادات سياسية و(فكرية) وتشكل مجموعات مصالح، ولا عجب حينئذٍ أن تغدو الأشكال السياسية الايديولوجية مجرد واجهات، معبرة عن فساد مصالح لا عن تنامي مصالح الشعوب المشتركة.
وتأتي جماعاتُ المعارضةِ مركزةً في طرح شعارات بعيدة عن الواقع، فيما تلك القوى تتعاون وتنخر الاقتصادات والأخلاقيات.
وهذا ما خرب البرلمانات العربية وجعل العهود الديمقراطية وامضة سرعان ما تهجم عليها قوى الضباط والمنظمات الشمولية.
كذلك فإن اعتماد هذه الجماعات المصلحية على جرائد الدعاية والتضليل الإعلامي والأقلام المرتشية تعطينا فكرة بسيطة عن ضخامة الاهتراء الاجتماعي، وكون الكثيرين يفكرون فقط في مصالحهم الذاتية حتى لو غرقت السفن وتسمم الناس من السلع، وبارت الشركات الكبرى الوطنية.
من هنا غدت اجتماعات ومؤتمرات النقد السياسية والجمعيات العمومية المعرية، وكشف براءات الذمة والحسابات الشخصية للزعماء وأعضاء البرلمانات ومجالس الشركات والقيادات والجماعات الدينية المتحولة للسياسة وشيوخ الدين الذين تركوا الفقه وشمروا عن سواعدهم لأجل المناورات البرلمانية، هي كلها أجندات ضرورية لمتابعة فساد المصلحين، ودعاة النضال والمسئولية المتصدين كما يقولون للفساد.
فعجيب ألا يظهر من كل التحولات إلا دعوات واتهامات زعماء الأنظمة السابقة الذين غدوا وحدهم أسباب الجرائم والفساد، وحلت عليهم كلُ اللعنات، فماذا عن أنصارهم وقواعدهم وتعاونهم الواسع مع الدول والمنظمات الخارجية؟ ماذا عن الرشا التي دُفعت والأراضي العامة التي حُولت؟
فبعد أن تسقط جِمال الأنظمة يظهر المناضلون والمصلحون بسكاكينهم الحادة وقبل ذلك كانت صدئة ومخبأة في أغمادِها وشركاتها ومتاجرها وغيرانها السياسية.
أهم عاملٍ مغذٍّ لهذا هو صراعات القوى السياسية وقبولها برشا ضمنية، وسكوتها عن نقاط ضعف تنظيماتها وغياب المبدئية من سياساتها، وانتهازية زعماء فيها، يقرأون اتجاهات الرياح المصلحية، ويقامرون بتنظيماتهم وجماعاتهم وشعوبهم من أجل مصالحهم ونجوميتهم، وتشكيلهم تحالفات غير مبدئية وعدم واقعيتهم السياسية وتحليقهم في الفضاء والسراب.
ضاعتْ وحدةُ المصلحين وفازتْ وحدةُ الآخرين!