الجريدة اليومية الأولى في البحرين


قضايا و آراء


الإسكان الوظيفي ودوره في الحد من مشكلات النقل

تاريخ النشر : الخميس ٥ أبريل ٢٠١٢



في المقال المعنون: «الإسكان الوظيفي.. مفهومه وأهميته وإمكانات تطبيقه بمملكة البحرين» (المنشور بصحيفة أخبار الخليج) العدد (12406) الصادر بتاريخ 11/ مارس/2012 تناولنا بيان مفهوم الاسكان الوظيفي، حيث عرفناه بأنه «يعني تكفل الوحدات الوظيفية والإنتاجية الكبيرة، العامة والخاصة بتوفير السكن الملائم لموظفيها، إما بمقابل رمزي (إيجار شهري) وإما من دون مقابل، عبر استحداث باب جديد في ميزانيتها السنوية لتمويل متطلبات الإسكان، ووضع التشريعات والنظم التي تحكم وتنظم ذلك». وركزنا في عرضنا للمقال في دور الإسكان الوظيفي في الحد من المشكلة الإسكانية بمملكة البحرين وبما يتيح لوزارة الإسكان التركيز في تقديم الخدمات الإسكانية للمواطنين الذين لا يعملون في وزارات أو منشآت كبيرة. في هذا المقال نتعرض لدور الإسكان الوظيفي في الحد من مشكلات النقل باعتبارها واحدة من المشكلات المتنامية التي تواجه المدينة المعاصرة وتؤدي إلى هدر الوقت والمال وتضرّ بالبيئة والصحة العامة وتؤثر سلبا في الكفاءة الاقتصادية، وتعوق القطاعات الاقتصادية الاخرى المتشابكة معها كالقطاعين التجاري والصناعي، والقطاع السياحي وغيره، حيث يعد قطاع النقل شريان الحياة لجميع الانشطة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في المجتمعات المتحضرة. ومن دونه لا يمكن تحقيق تطور ملموس أو تنمية مستدامة في المجتمع، وهذه الحقيقة تجمع عليها الدراسات والأبحاث الاقتصادية والعمرانية كتلك الصادرة عن البنك الدولي ومعهد الأراضي العمرانية )ILU-etutitsnI dnal nabrU( والعديد من مراكز الأبحاث المتخصصة في الدول المتقدمة وبعض الدول النامية على الرغم من اختلاف المعايير التقنية والعمرانية لمدى تغطية قطاع النقل للمناطق العمرانية من مجتمع إلى آخر، ووفقا لمجمل الظروف والمتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، فمثلا تخطط الولايات المتحدة الأمريكية طرقها على أساس أن لديها (750) سيارة لكل ألف شخص، بينما المملكة المتحدة تخطط على معدل (500) سيارة لكل ألف شخص. وتخطط الصين على معدل (50) سيارة لكل ألف شخص. وعموما تؤكد الدراسات المعاصرة أهمية التخطيط الشامل والمبكر للتنمية العمرانية لمواجهة مشكلات النقل، ليس بإضافة وتوسيع الطرق القائمة وتطويرها وصيانتها وتشغيلها بكفاءة فحسب وإنما باعتماد حزمة من البدائل اللوجستية لمواجهة ارتفاع الطلب على خدماتها الذي قد يؤدي إلى المزيد من الاختناقات والأزمات المرورية ولاسيما في أوقات الذروة التي قلما تشهدها مدينة في عصرنا الراهن وتمثل كلفا باهظة للاقتصادات الوطنية، قدرت مطلع الالفية الثالثة في المملكة المتحدة بنسبة 5% من الناتج المحلي الاجمالي، وللولايات المتحدة الأمريكية بنسبة 2%، حيث يتوجه الموظفون في الصباح الباكر من مناطق سكنهم المتعددة والمنتشرة في أحياء مختلفة من المدينة إلى محال عملهم التي غالبا ما تتركز في مركز المدينة مما يسبب ضغطا وازدحاما على الطرق والشوارع الرئيسية المؤدية إلى مركز المدينة ويؤدي إلى حوادث مرورية متعددة، قد تتسبب في موت أو إعاقة أبرياء، وتخريب ممتلكات، وهدر الوقت وتأخير موظفين عن أعمالهم. كما تؤدي الاختناقات المرورية إلى ارتفاع كميات الوقود المصروفة، وتزايد الانبعاثات الغازية منها، وطول فترات الانتظار التي تؤثر سلبا في مزاج ونفسية سائقي المركبات والمسافرين على حد سواء. هذه الحالة نلاحظها في مملكة البحرين بشكل واضح يوميا على الطريق السريع من المنامة حتى الرفاع وبالعكس، وكذلك من المحرق إلى المنامة وبالعكس. وعلى طرق رئيسية اخرى. فكيف يمكن للاسكان الوظيفي الحد من هذه الظاهرة وبالتالي تدنية آثارها السلبية؟ وكيف يمكن له ان يسهم إلى جانب عوامل أخرى بجعل شبكة الطرق البرية تتميز بالسلامة والفاعلية والكفاية؟
ان إقامة مجمعات سكنية للموظفين قريبة نسبيا من موقع الوزارة أو المنشأة التي يعملون فيها ييسر الوصول بالمركبات الخاصة. كما انه يتيح فرصا مثالية لتطوير واعتماد النقل الجماعي من تلك المجمعات واليها ويسهم في الحد من تفشي الثقافة الفردية الاستهلاكية غير الهادفة التي تجعل من حيازة الفرد عددا من السيارات وتكثيف استخدامها معلماً بارزاً للتمايز الاجتماعي. علاوة على انه يقلص الاختناقات المرورية على الطرق والشوارع الرئيسية، المكلفة اقتصاديا واجتماعيا، ويحد من الحوادث والمخالفات المرورية التي قد تتسبب بأضرار بالغة بالمركبات أو اي ممتلكات خاصة أو عامة يجري تنقلها على الطرق أو إلحاق إصابات جسدية بالأشخاص سواءً سائقين أو ركابا أو مشاة. ويكبح تأخر الموظفين عن العمل، ويحد من إهدار المال العام والاستهلاك الذي تتأثر إنتاجيته بعامل الزمن، مما يعود بدوره بالنفع العام على مجمل الاقتصاد الوطني. وحيث إن هذه المجمعات الاسكانية الوظيفية غالبا ما تكون متكاملة الخدمات، اذ لابد ان يتوافر فيها أو قريبا منها مساجد ومدارس ومراكز طبية وأسواق وحدائق وملاعب، وقاعات للاحتفالات وأماكن الترفيه الاخرى مما يخفف من طلب الساكنين فيها على الانتقال اليومي إلى الاحياء والمدن الاخرى وبالتالي يخفف الضغط على الطرق الرئيسية. فضلا عما يؤدي إليه من احداث تغييرات ايجابية ملموسة في طبيعة ومفردات وتفاعلات الحياة للساكنين ولاسيما في بعديها الاجتماعي والاقتصادي. حيث ستتأصر العلاقات ويتعاظم الانسجام بينهم بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية والقومية، وستنشأ ثقافة وعادات وأنماط اجتماعية مشتركة ومصالح متبادلة.
* أكاديمي وخبير اقتصادي