الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٣٢ - الجمعة ٦ أبريل ٢٠١٢ م، الموافق ١٤ جمادى الأولى ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

قضايا و آراء


جدليّة الشورى والديمقراطية في الموروث السياسي العربي الإسلامي





من الجدليات المطروحة في أفق الفكر السياسي عامة، جدلية ما يُعرف بـ (الشورى) و(الديمقراطية)، كمفهومين أساسيين سياسيين في النظرية السياسية، وكأداة للحكم والإدارة.

ومردلا الجدلية هذه، أو هذه الإشكالية بالذات، إلى مسألة واحدة، قضية الحكم السياسي، أو العلاقة مع السلطة، وكون هذه العلاقة قد تحددت غربياً مع مفهوم الديمقراطية، وإسلامياً، من خلال عدة أوجه أهمها مبدأ الشورى، وقد ربطها البعض بالقدسية نظير ارتباطها بالمرجعية الدينية، في حين من قال بالديمقراطية، فقد اعتبرها كمرجعية سياسية منعزلة عن الدين (العلمانية)، مؤمناً بأن الحكم أو السلطة يجب أن تنعزل عن المعتقد أو الشرع أو مبادئه، بحيث ينبغي التفريق هنا بين المعتقد الديني والممارسة السياسية. (جدلية الشورى والديمقراطية، د.محمد القطاطشة).

والشورى هي مصطلح إسلامي محض جاء في القرآن والسنة النبوية الشريفة، وهو يعني تحديداً، استطلاع رأي المسلمين في جميع أوجه الحياة المختلفة، للوصول إلى رؤية توافقية، بما يحقق المصلحة العامة للمسلمين، وبما يتوافق مع أصول الشريعة الإسلامية. ومبدأ الشورى قد مورس (بشكل ضيق)، حتى في الأمم السالفة غير المسلمة، ففي قصة ملكة سبأ، عندما أرسل إليها سليمان -نبي الله تعالى- يدعوها وقومها إلى دين الله، والدخول في دينه، فكان موقفها «قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمراً حتى تشهدون». وهنا دلالة على المشاورة مع الحكماء وأهل العقل، فشاورتهم فعلاً، وكانت خلاصة قولهم بالسلبية.

وكذا ما حدث عند ملك مصر، في زمن نبي الله يوسف (عليه السلام)، حينما رأى رؤيا خاف منها، يقول الحق سبحانه: «إني أرى سبع بقرات سمان» فاستشار القوم فأشاروا عليه بأنها مجرد أضغاث أحلام، ثم ناقضوا أنفسهم بقولهم: «وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين». (حقيقة الشورى بين الاتباع والادعاء، محمد الشريف).

وفي تاريخنا الإسلامي نماذج مشرقة لتطبيق مبدأ الشورى بين الصحابة (رضي الله عنهم) والأئمة (عليهم السلام).

فقد استشار أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) أصحابه، بالإبقاء على ولاية أبي موسى الأشعري، ولربما رأي الإمام (عليه السلام) هو عزله لما عُرف عن ضعفه وتذبذبه.

وكذا فإنه (عليه السلام) أخذ بهذا المبدأ، حين قتاله الخوارج. فبعد تصاعد موجة إرهاب الخوارج، وقتلهم لعبدالله بن حباب، أثار أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام)، واجتمعوا، واجمعوا على قتالهم.

ونلحظ من هذه الواقعة، كيف اختار الإمام رأي (الأكثرية) من أصحابه، على الرغم من انه شخصياً، قد لا تكون عنده الرغبة في قتالهم. (مبدأ الشورى في منهج الإمام علي. د. ساعد الجابري).

وفي مقابل هذا المبدأ الإسلامي، نرى المفهوم الغربي (الديمقراطية)، التي تشكلت حديثاً كفلسفة سياسية للحكم والإدارة، وطريقة للحياة، وهدف وقيمة ومثل عليا، وهي تعني في المحصلة (حكم الشعب). وربما قد تعود جذور أصولها إلى اليونان القديمة، منذ القرن السادس قبل الميلاد.

وعرفها الروم القدماء، لكنهم لم يعملوا بها، ولم يمارسوها.

وفي عصور النهضة، والإصلاح في أوروبا الحديثة، خلال القرون الرابع عشر والخامس عشر، والسادس عشر، نمت بوادر التفتح والتوقد الذهني، وشاعت العقلانية والاستقلال بالآراء العقلية الفردية، في أوساط الأوروبيين، فأخذ الناس يطالبون بمزيد من الديمقراطية والحريات.

وخلال القرن التاسع عشر الميلادي فإنها نمت بشكل مطرد، مستوحاة من التجربتين الديمقراطيتين الأمريكية والبريطانية، وانتعشت بذلك المؤسسات التشريعية والانتخابية.

وفي وقتنا الحالي المعاصر، فإنه تتسابق الدول، لتأخذ بزمام المبادرة بتطبيق هذا المبدأ، ولكنها ينقصها الكثير من الحريات مثل حرية التعبير، والصحافة، والتجمعات، والانتخابات الحرة التنافسية. (الموسوعة العربية العالمية، مادة: ديمقراطية).

من خلال هذا العرض التاريخي، فإن ثمة أسئلة، تطرح الآن على الساحة، نحاول معاً الإجابة عنها، هل الشورى والديمقراطية، وفاق أم خلاف؟ وهل تتوافق النظم الديمقراطية مع الأطروحة الإسلامية السياسية؟ وكيف يتعامل الإسلاميون مع النظام الديمقراطي المحض؟

العلامة الشيخ يوسف القرضاوي في كتابه: (الدين والسياسة) يرى أن الدولة الإسلامية دولة شورية وتتوافق مع جوهر الديمقراطية، والذي يعنينا في المقام الأول فيها، الجانب السياسي، وجوهره ان تختار الشعوب من يحكمها ويقود مسيرتها.

ولا يعيب الديمقراطية أنها من اجتهادات البشر، فليس كل ما جاء من البشر مذموماً، وقد أمرنا بتفعيل عقولنا وأن نفكر وأن نتدبر، ونعتبر، ونجتهد ونستنبط.

وفي المقابل، فإننا نرى الكثير من المعارضين لها، فالنبهاني مؤسس حزب التحرير الإسلامي يقول: «لا يسمح بمفهوم الديمقراطية أن ينبني في الدولة، لأنه غير منبثق عن العقيدة الإسلامية، يقول السيد بحر العلوم: «إن الإسلام كما يرى البعض، ما كان ديمقراطياً، وهو غير قادر على أن يكون كذلك في المستقبل».

ولم يختلف السيد كاظم الحائري الذي ذهب إلى عدم اعتناقه الديمقراطية والعمل بها حتى في انتخابات السلطة التنفيذية. (الديمقراطية في مفهوم الإسلام السياسي، ناصر عمران الموسوي). وقد تبنى المرحوم آية الله السيد محمد حسين فضل الله رؤية وسطية توافقية حول هذا الموضوع حينما قال: «إننا نختلف مع الديمقراطية في نقطة فلسفية أساسية، وهي أن الديمقراطية تعتبر ان الشريعة هي (الأكثرية)، وأن الحق معها، من دون أي ضابط، وليس لأحد على الأكثرية أي حدود، ولكن الإسلام ليس كذلك، لذلك فإننا نقول يجوز أن نأخذ بالديمقراطية أو بالأكثرية كآلية ولكننا لا نتبنى فلسفتها». (مجلة المنطلق الجديد، العدد ٢).

وبعضهم قد يتحفظ ويقول بالمشاركة فيها من باب جلب المصالح، ودرء المفاسد، أو دفع الضرر، والحجة في ذلك عندهم أن الحاكمية لله لا للبشر، وان التشريع لله وحده سبحانه وتعالى.

إلا أنه في الجملة، وكتيار للأغلبية، أو التيار السائد، إنه أصبحت الديمقراطية - كأداة وأسلوب وقواعد ومفاهيم - تحظى بقبول وتوافق واسعين في العالم المتحضر.

بل حتى في العالم الإسلامي، وبين الإسلاميين أنفسهم... وبصفة خاصة لدى العلماء المسلمين، وعموم التيارات السياسية الإسلامية، وتراهم إما مشاركون في النظام الديمقراطي، وإما أنهم يسعون إلى المشاركة، وإما أنهم ينتظرون ساعة انفراج للمشاركة.

وحتى هؤلاء الإسلاميون، الرافضون لها، إنما رفضهم بالممارسة والتطبيق وقد يكون بأصل الفكرة ولكن مع ذلك كله فإنهم يرون بها أسلوبا جديدا، وشعارا جديدا وكيفية حديثة من الممكن أن تفعل شيئا، وتأتي بالمصالح وتنفع الناس، وتدير البلاد والعباد (الإسلاميون والديمقراطية. د. أحمد الريسوني).

ولعل أكبر مثال في هذا المقام، تقدم الإسلاميين ومشاركتهم الواسعة، واكتساحهم معظم المقاعد، وخاصة في بلاد (الربيع العربي) والكويت وغيرها من البلدان.

لقد تفاعل الإسلاميون مع اللعبة السياسية وأتقنوها بامتياز، ولم يقفوا موقف الرافض أو المتفرج، وإنما كان تفاعلهم عن دراية وحسبة.

ومما قرأت من التحليلات السياسية، هنا وهناك، وقد يناسب عرضه في هذا المقام أن الحركات الإسلامية، التي أحرزت انتصارات ما بعد الربيع العربي، تفهم الديمقراطية أكثر بكثير من القوى العلمانية، والديمقراطية والليبرالية الأخرى، والتي نافستها، وما توجيه الاتهامات إلى الإسلاميين باستخدام المال أو الدعاية بالمنابر وغيرها، تحمل في طياتها عقدا نفسية ونظرات استعلائية واقصائية من قبل بعض الليبراليين تجاه منافسيهم من الإسلاميين.

ونحن إزاء هذه النهضة السياسية الجديدة والتحولات الكبرى، في العالمين العربي والإسلامي، فإننا مدعوون إلى التنقيب أكثر في أهداف الديمقراطية، وإلى إمعان نظرة جديدة لها، وفهم جديد لها، وخاصة الآن مع الاطمئنان للجيل الإسلامي الصاعد، إلى إمكانية حماية الشريعة الإسلامية في ظل الحياة الديمقراطية الجديدة، وخاصة ان أكثر الدول الإسلامية، تنصّ في دساتيرها على أن دين الدولة الإسلام.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة