ماذا بعد قرار تشكيل مجلس حقوق الإنسان بعثة تحقيق في الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي المحتلة؟
 تاريخ النشر : السبت ٧ أبريل ٢٠١٢
مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية
جاء قرار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة الصادر في ٢٢/٢/٢٠١٢ الذي يقضي بإرسال بعثة تقصي حقائق للتحقيق في التأثير السلبي للمستعمرات الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية والقدس الشرقية ليشكل خطوة مهمة من جانب المجتمع الدولي ستكون كفيلة بإلقاء الضوء على السياسة الممنهجة التي تتبعها إسرائيل منذ احتلالها للضفة والقدس في يونيه ١٩٦٧، تلك السياسة التي تقوم على قضم الأراضي الفلسطينية من خلال التوسع في بناء المستعمرات والكتل الاستيطانية، مما ترتب عليه ضياع مساحات شاسعة من تلك الأراضي.
ولعل لجوء السلطة الفلسطينية للشكوى إلى المجلس كان بسبب المنحى الخطير الذي اتخذته سياسة التوسع المحموم في بناء المستعمرات التي تتبعها حكومة «بنيامين نتنياهو»، في ظل طرح خطتين استيطانيتين توسعيتين في القدس والضفة، والحديث عن استغلال جمود مفاوضات السلام في ضم المناطق «سي» (وفق تصنيف اتفاقات أوسلو للأراضي الفلسطينية) التي تشكل٦٠% من مساحة الضفة الغربية، ولاسيما بعد أن فشلت الإدارة الأمريكية في إلزام حكومة نتنياهو بوقف سياسة الاستيطان التي شكلت العائق الرئيسي أمام استئناف المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية.
ولا شك في أن قرار مجلس حقوق الإنسان تشكيل لجنة تقصي حقائق في هذا الشأن يجعلنا نتذكر وأول وهلة قرار نفس المجلس في عام ٢٠٠٩ تشكيل لجنة تقصي حقائق للتحقيق في جرائم الحرب التي ارتكبت أثناء العدوان الإسرائيلي على غزة (ديسمبر ٢٠٠٨ ؟ يناير ٢٠٠٩)؛ حيث جاء تقريرها في جانبه الأكبر حاملاً الإدانة لإسرائيل.
ذلك القرار وما يستجلبه إلى الذاكرة الإسرائيلية يجعلنا نتفهم ما يمكن أن تترتب عليه من ردود فعل إسرائيلية ودولية على المستويين الرسمي والإعلامي.. لدرجة أن مواجهة هذا القرار وتداعياته باتت تشكل معركة إسرائيل الأولى الآن.. وهو الأمر الذي يستلزم إلقاء الضوء على المنحى الذي اتخذه رد الفعل الإسرائيلي (وبالتبعية الأمريكي) في مواجهة القرار والتفاسير المختلفة التي سيقت في هذا الشأن وما يحمله ذلك من دلالات.
بداية، وكما هو معروف، يعيش نحو ٥٠٠ ألف إسرائيلي في أكثر من ١٠٠ مستعمرة منذ احتلال إسرائيل للضفة الغربية والقدس الشرقية عام ١٩٦٧، وهذه المستعمرات بمقتضى القانون الدولي تعتبر غير قانونية (لأنها تشكل مساسًا مباشرًا بحقوق الشعب الفلسطيني الخاضع للاحتلال)، بيد أن إسرائيل لا تقبل بأية حجية للقانون الدولي في هذا الشأن.. كما أنها ترفض الاعتراف بالتأثير السلبي لمثل هذه المستعمرات على عملية السلام في الشرق الأوسط، ويمكن أن نستشف من رد فعل حكومتها الغاضب تجاه القرار أنها عازمة على الاستمرار في تحدي الضغوط الدولية المتزايدة فيما يخص بناء المستعمرات، وأيضًا فيما يتعلق بحقوق الإنسان الفلسطيني عمومًا.
فالقرار قوبل بذعر وقلق شديدين، ولكن رغم ذلك استخدم الإسرائيليون لهجة اتسمت بالتحدي والاعتراض حاولوا من خلالها تقويض مصداقية القرار (الذي اتُخذ بأغلبية ٣٦ صوتًا مقابل صوت واحد وامتناع ١٠ دول عن التصويت)، بل التشكيك في مصداقية المجلس نفسه.
فكرد فعل على القرار الحكومة الإسرائيلية تجميد كل علاقاتها واتصالاتها مع المجلس بعد اتهامها له بالتحيز، بالإضافة إلى اتخاذها بعض الإجراءات كوسيلة لإظهار معارضتها له، فمثلاً:
- أصدرت تعليمات لمندوبها في المجلس بعدم الرد على هاتفه إذا اتصل به أي مسؤول من المجلس، كما أُبلغ أيضًا بعدم حضور أي من اجتماعاته، ووصل حجم مشاعر الغضب إلى درجة تعهدت معها حكومة «نتنياهو» بعدم التعاون مع لجنة تقصي الحقائق، وقالت إنه سيتم منع أعضائها من دخول إسرائيل والضفة الغربية.
- حاولت الترويج للزعم بأن مجلس حقوق الإنسان من الناحية المؤسساتية والعملية متحيز للفلسطينيين من خلال اتخاذه مثل هذا الإجراء، ولوحظ استخدام لهجة خطابية تنطوي على ازدراء واستهانة بقرار المجلس حتى إنه فور صدوره أكد رئيس الوزراء «نتنياهو» أن «المجلس لابد أن يشعر بالخزي من نفسه»، مدعيًا تحيزه للفلسطينيين، وحتى يؤكد ويدلل على زعمه أشار إلى أن المجلس أصدر حتى تاريخه ٩١ قرارًا، منها ٣٩ تتعلق بإسرائيل، و٣ تتعلق بسوريا، وواحد فقط يتعلق بإيران، وأمعن في تهكمه من القرار بقوله: «إن المرء في حاجة إلى الاستماع إلى مندوب سوريا في المجلس وهو يتحدث عن حقوق الإنسان ليعرف إلى أي مدى أصبح المجلس معزولاً عن الواقع».
ولقد جاء البيان الصادر عن وزارة الخارجية الإسرائيلية في ٢٣/٣/٢٠١٢ (أي في اليوم التالي لاتخاذ القرار) ليقدم مثالاً على استخدام إسرائيل للغة التهديد والوعيد في خطابها في التعامل مع القرار؛ حيث لفت البيان الذي جاء تحت عنوان «وزارة الخارجية تدرس سحب مندوبها في مجلس حقوق الإنسان» إلى أنه «في الوقت الذي تُنتهك فيه حقوق الإنسان في شتى أنحاء الشرق الأوسط بمستوى غير مسبوق، يناقض مجلس حقوق الإنسان نفسه من خلال تكريس وقته وموارده لتشكيل بعثة ليس لها ضرورة وهدفها الوحيد هو إرضاء أهواء الفلسطينيين وإفساد الفرص المستقبلية للتوصل لاتفاق من خلال الوسائل السلمية».
واستغلت وزارة الخارجية الإسرائيلية الفرصة للتنديد بدور الفلسطينيين في إقناع المجلس بالحاجة إلى إرسال بعثة لتقصي الحقائق للتحقيق في تأثير المستعمرات الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني، حيث قالت:
«يتعين على الفلسطينيين أن يدركوا أنه ليس بمقدورهم السير في الاتجاهين التاليين معًا: تحقيق التعاون مع إسرائيل، وفي الوقت ذاته الدخول في اشتباكات سياسية معها في المحافل الدولية».. زاعمة أن «اختيارهم المتعمد لنهج المواجهة والاستفزاز بدلاً من التوفيق والمصالحة يعد بمثابة استراتيجية هدامة، ويتعين على المجتمع الدولي أن يرفضها بشكل قاطع».
واللافت أن إسرائيل بدأت تفكر في الطرائق التي يمكن من خلالها معاقبة السلطة الفلسطينية بسبب القرار؛ فوفقًا لمقال كتبه «باراك ديفيد»، بصحيفة «هاآرتس» بتاريخ ٢٥/٣/٢٠١٢، فإنه من ضمن العقوبات التي تزمع إسرائيل فرضها ضد السلطة الفلسطينية العمل على تجميد نقل عوائد الضرائب المستحقة للسلطة لدى الحكومة الإسرائيلية.
وفيما يتعلق برد فعل المجتمع الدولي، فإنه من واقع نتيجة التصويت على قرار مجلس حقوق الإنسان كانت الغالبية العظمى من الدول أعضاء المجلس (٣٦) تؤيد إيفاد بعثة تقصي حقائق، بينما كانت الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة التي نظرت إلى هذا القرار على أنه قرار منحاز، وصوتت ضده.
على الجانب الآخر كانت أوروبا منقسمة على نفسها إزاء مسألة إرسال بعثة للتحقيق؛ حيث صوتت كل من النرويج، وسويسرا، وبلجيكا، والنمسا، وروسيا لصالح هذا القرار، في حين امتنعت كل من إيطاليا، وأسبانيا، وجمهورية التشيك، والمجر، وبولندا، ورومانيا، ومولدوفا عن التصويت.
واللافت أن هناك دولا صوتت لصالح القرار رغم أن لديها علاقات جيدة مع إسرائيل وهذه الدول هي: أنجولا، ونيجيريا، وأوغندا، والصين، والهند، والفلبين، وتايلند، وتشيلي، والمكسيك، وبيرو، والأوروجواي.
ولقد كان من المتوقع، بل المعتاد أن تقدم الولايات المتحدة يد العون لإسرائيل، ليس فقط من خلال التصويت ضد القرار، ولكن أيضًا من خلال قيامها لاحقًا بمهاجمة والتنديد بهذا القرار، ومساندتها قرار إسرائيل بقطع العلاقات مع المجلس.
بل إن مسؤولين وسياسيين أمريكيين حذروا من تبعات القرار؛ حيث لفت السياسي الأمريكي «تشارلز بلاها» نظر المجلس إلى أن بعثة تقصي الحقائق هذه ستستنزف الموارد والوقت وستدفع الإسرائيليين والفلسطينيين إلى طريق القطيعة واللاعودة. وعلاوة على ذلك، أعرب «دان شابيرو» السفير الأمريكي بتل أبيب، عن تأييده لإسرائيل؛ ففي لقاء له مع طلاب بجامعة تل أبيب، ذكر أن المجلس «ركز بشدة» على إسرائيل، في حين تجاهل القضايا الأخرى المتعلقة بحقوق الإنسان التي تعد أكثر أهمية وإلحاحًا.. وأوضح السفير الأمريكي أن الولايات المتحدة مازالت تحاول من خلال عضويتها في المجلس تحويل تركيزه بعيدًا عن إسرائيل، وجعله يتجه إلى سوريا وإيران.
هذا الموقف الأمريكي المنحاز لإسرائيل - رغم أنه متوقعًا كما سبقت الإشارة ؟ كان محل انتقاد من الجانب الفلسطيني؛ إذ وفقًا لما ذكره «صائب عريقات»، كبير المفاوضين الفلسطينيين، فإنه بتصويت الولايات المتحدة ضد القرار، تكون بذلك قد ارتكبت «خطًأ كبيرًا» فيما يتعلق بسياستها الخارجية، لأن قيامها وحدها بمعارضة القرار يُظهر مدى انحيازها لصالح إسرائيل، ووصف «عريقات» هذا السلوك بأنه دليل على عدم درايتها بما هو مطلوب لتحقيق السلام في الشرق الأوسط.. ودعا الدول العربية إلى ممارسة المزيد من الضغوط على واشنطن كي تغير من سياستها بقوله: «لقد حان الوقت للعرب- في أعقاب التغيرات الحالية في العالم العربي- لأن يخاطبوا الولايات المتحدة باعتبارهم صناع قرار».
وفي معرض تحليل أجهزة الإعلام الغربية والإسرائيلية لردود الفعل المضادة لقرار مجلس حقوق الإنسان والصادرة من إسرائيل والولايات المتحدة أفادت «إيزابيل كيرشنر» في تقرير لها بصحيفة نيويورك تايمز يوم ٢٤/٣/٢٠١٢ أن الجهود الإسرائيلية لعرقلة قرار المجلس بإيفاد بعثة للتحقيق، ربما تكون قد استندت جزئيا - وكما ذُكر آنفًا - إلى ذكريات الضرر الذي حل بسمعة إسرائيل بسبب لجنة التحقيق السابقة، برئاسة «ريتشارد جولدستون»؛ التي أرسلت أيضًا بقرار من مجلس حقوق الإنسان للتحقق من ارتكاب جرائم حرب في غزة خلال العدوان الإسرائيلي على القطاع في أواخر عام ٢٠٠٨ وأوائل عام ٢٠٠٩؛ وخاصة أن تقرير اللجنة خلص إلى ما يفيد بوقوع جرائم حرب في غزة، وألقى بالجانب الأكبر من المسؤولية على الجيش الإسرائيلي.
ولقد تطرقت صحيفة «جيروزاليم بوست» - اليمينية التوجه والمعروفة بتأييدها لسياسة الاستيطان - في افتتاحيتها يوم ٢٦/٣/٢٠١٢ إلى الأمر نفسه حين أشارت إلى رغبة الأمم المتحدة في دمج تحقيق «جولدستون» في التحقيق المزمع بشأن المستعمرات، وأفادت أن قرار بعثة تقصي الحقائق مثله مثل لجنة تحقيق «جولدستون»؛ حيث إنه إذا ما تم إنشاؤها، فسوف تصرف الانتباه عن جرائم الحرب التي ترتكب في دول أخرى بالمنطقة.
وبحسب الصحيفة، فإن مجلس حقوق الإنسان في اجتماعه يوم ٢٢/٣/٢٠١٢ قد أدان إسرائيل عبر إصداره خمسة قرارات، وهو الرقم نفسه الذي تم إصداره بحق دول أخرى في المنطقة؛ حيث كانت هناك إدانتان من جانب المجلس للحكومة السورية بسبب انتهاكاتها بحق شعبها، كما كان هناك قرار بخصوص إيران، ولكنه لم يتطرق إلى توجيه اللوم لها بشأن برنامجها النووي أو حتى ذكر العديد من انتهاكات حقوق الإنسان في هذا البلد.
وعلى طريقة صناع القرار السياسي في إسرائيل مضت افتتاحية جيروزاليم بوست على الوتيرة نفسها خلال محاولتها تفادي أي انتقادات قد توجه إلى الإسرائيليين وعرقلة الجهود التي يبذلها مجلس حقوق الإنسان، وذلك عن طريق تحويل اللوم في اتجاه الفلسطينيين؛ حيث ترى أن قرار «بعثة تقصي الحقائق» بشأن المستعمرات على غرار لجنة تحقيق جولدستون، فبمجرد إنشائها فإنها سوف تخلق بالقطع حملة دولية قانونية وسياسية وإعلامية مناهضة لإسرائيل، ما سيؤدي بدوره إلى تشتيت الانتباه بعيدًا عن انتهاكات حقوق الإنسان أو جرائم الحرب التي ترتكب ضد الإسرائيليين، (مثل إطلاق قذائف الهاون والقسام وصواريخ جراد من قطاع غزة على المدنيين الإسرائيليين) وكذلك التي ترتكب في أماكن أخرى من العالم.
والمثير للاستغراب فعلاً أن تلك الصحيفة تزعم أن المستعمرات ليست هي المشكلة الرئيسية، بل إن رفض القيادة الفلسطينية الدخول في مفاوضات مباشرة من دون شروط مسبقة، وليس المستعمرات، هو العائق الحقيقي للسلام.. وترى أنه لن تكون هناك دولة فلسطينية بفضل مجهودات مجلس حقوق الإنسان، وإنما عن طريق المفاوضات المباشرة مع إسرائيل فقط، وتعتبر إصرار القيادة الفلسطينية على اتخاذ تدابير أحادية باللجوء إلى مجلس حقوق الإنسان، إنما يكشف عن سعي الجانب الفلسطيني لإلحاق الأذى بإسرائيل ونزع الشرعية عنها بدلاً من الحوار معها.
وعلى النقيض من ذلك جاء تحليل صحيفة «هاآرتس» - اليسارية التوجه - لقرار مجلس حقوق الإنسان؛ حيث أشارت بوضوح إلى أن المستعمرات الإسرائيلية الموجودة في الأراضي المحتلة غير شرعية وتضر بالشعب الفلسطيني مثلما تضر أيضًا بالمصالح الاستراتيجية الإسرائيلية، وأوضح مثال على ذلك هو المقال الذي كتبه «تسفي بارئيل»، في ٢٨/٣/٢٠١٢؛ حيث يرى أن الأضرار التي خلقتها المستعمرات واضحة تمامًا، وتم توثيقها وتفصيلها بآلاف من الوثائق التي باتت بلا جدوى.. والمشكلة ؟ بحسبه - لا تكمن في إجراء تحقيق بشأن الأضرار التي تسببها المستعمرات، ولكن في أن هذا المستعمرات قد تسببت بالفعل في الكثير من الأضرار تحت مرأى ومسمع بل بتشجيع الحكومات الإسرائيلية، فضلاً عن أنها فرضت سيطرتها على الأراضي الفلسطينية، ومنعت حركة المواطنين وصادرت أموالا تخص السلطة الوطنية، كما فرضت أنظمة قانونية مستقلة للإسرائيليين والفلسطينيين كل على حدة.
ويختتم «بارئيل» مقاله بدفاع قوي عن شرعية الأمم المتحدة ومؤسساتها المختلفة؛ حيث يرى أن على إسرائيل قبول القرارات الصادرة عن المنظمة، ولاسيما أن قراراتها قد خدمت المصالح الاستراتيجية الإسرائيلية في الماضي (فهي التي أعطت شرعية لوجود إسرائيل بقرار تقسيم فلسطين)، ناصحًا بأنه على إسرائيل أن تبحث في كيفية جعل هذه المؤسسة الدولية تقف إلى جانب مصالحها تلك في المستقبل.. وأكد الكاتب أنه لا توجد دولة ترى الأمم المتحدة على عكس كونها ساحة عادلة، فهي المكان الوحيد الذي توجد فيه معايير معقولة ومتفق عليها لتحديد سلوك الدول جمعاء.. كما أنها المنتدى الذي يتيح نوعًا من الثقل لـ «المجتمع الدولي»، وأنه حتى إسرائيل تريد أن تنتمي إلى هذا المنتدى.
وإجمالاً لما سبق، فإن قرار مجلس حقوق الإنسان بشأن التحقيق في التأثيرات السلبية للمستعمرات الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني هو قرار إيجابي.. وخلافًا للادعاءات الإسرائيلية بتحيزه للفلسطينيين، فإن هذا الإجراء يعد شرعيا بسبب التأييد الساحق له من جانب المجلس، وبسبب أيضًا الأضرار الجسيمة الناجمة عن الاستيطان والواضحة للعيان، التي ليست بحاجة إلى دليل.
واللافت أن التغطية المحدودة من جانب الإعلام الغربي لقرار مجلس حقوق الإنسان بإنشاء بعثة تقصي الحقائق بشأن المستعمرات الإسرائيلية تؤكد الشكوك أن هذا الإعلام لا يكترث بمحنة الشعب الفلسطيني ومساعيه المتواصلة من أجل تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة، وأنه (أي الإعلام الغربي) يدرك أن ما يحول بين الفلسطينيين وتحقيق حلم الدولة هو السياسات الغاشمة للحكومات الإسرائيلية المتعاقبة التي يأتي في مقدمتها سياسة الاستيطان.
وإذا كانت هناك من حقيقة مؤكدة، فهي أن إسرائيل مستمرة في تدمير حياة الفلسطينيين من خلال مصادرة أراضيهم وإقامة المستعمرات عليها إلى جانب استمرارها في تدمير مزارعهم وانتهاك مقدساتهم، فضلاً عن قتل المدنيين الأبرياء شيوخًا ونساءً وأطفالاً، علاوة على الاحتجاز القسري لحوالي ١٢٠٠٠ ألف فلسطيني من دون محاكمة.. ورغم أن قرار مجلس حقوق الإنسان خطوة إيجابية، فإنه يمكن أن يكون بلا أي معنى إذا لم يفض إلى نتائج إيجابية تحقق الغرض منه وهو وضع حد لسياسة الاستيطان الإسرائيلي، فالمجتمع الدولي لن يستعيد مصداقيته إلا بإلزام إسرائيل بتنفيذ القرارات الدولية والاتفاقيات التي وقعتها مع السلطة الوطنية الفلسطينية واحترام حقوق الشعب الفلسطيني، والتي لن تنال منها سياساتها الخارجة عن القانون الدولي.
.