الجريدة اليومية الأولى في البحرين


أخبار البحرين

الدكتور الشيخ عبداللطيف المحمود في خطبة الجمعة:

أسباب شتى تؤدي إلى نهايات الدول والأمم أبرزها الثورات المذهبية التي تعمل على نفي الآخر

تاريخ النشر : السبت ٧ أبريل ٢٠١٢



في خطبته ليوم الجمعة أمس بجامع عائشة أم المؤمنين بالحد تحدث فضيلة الشيخ الدكتور عبداللطيف المحمود عن «نهايات الأمم والدول» حيث قال: التاريخ سرد لقصص الماضي التي تقدم نفسها لمن يأتي بعد أصحابها حتى لا يصابوا بما أصيب به الماضون، ولهذا أكثر القرآن الكريم من قصص الأولين، وبين الغرض من هذه القصص فقال سبحانه وتعالى: «لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُولِي الألْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ». (سورة يوسف).
وفي خلاصة لانهيار الدول والأمم قبل نزول القرآن الكريم يبين الله تعالى أن هلاكها كان بأسباب منها:
- الاستكبار على الحق والاعتداد بالقوة مثلما كان حال قبيلة عاد، حيث قال الله تعالى عن هلاكهم: «فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأرض بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يَجْحَدُونَ. فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ». (سورة فصلت).
- الابتعاد عن هدي الله تعالى والاتكال على الآراء الشخصية والنظريات البشرية، كما كان حال قوم ثمود مع نبيهم صالح عليه السلام، وقد قال الله تعالى عنهم: «وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ». (سورة فصلت).
- الإصابة بداء العظمة وحب الذات، ومن الأمثلة على ذلك فرعون الذي قال عن نفسه: «يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأنهار تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ. أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ ولا يَكَادُ يُبِينُ. فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ». (سورة الزخرف)
- الطاعة العمياء من الشعوب لحكامهم وعدم مناصحتهم وعدم الأخذ على أيدي حكامهم وهو الذي اجتمع مع داء عظمة الحكام فهلك الحاكم والمحكوم، وهو ما كان من شأن قوم فرعون حيث قال الله تعالى عنه وعنهم: «فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ. فَلَمَّا آَسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ. فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثلا لِلآَخِرِينَ». (سورة الزخرف).
- الكفر بنعم الله وعدم تقدير تلك النعم ونسيان المنعم ونسيان قدرته على تغيير الأحوال، ومن الأمثلة على ذلك قوله تعالى: «وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ. وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ». (سورة النحل)، فانقطعت عنها الإمدادات المعيشية التي كانت تأتيها وتكالبت عليهم الأعداء.
- والكفر بنعم الله تعالى وإظهار المعاصي يقلبان الأحوال في الداخل أيضا كما قال الله تعالى عن أسباب نهاية مملكة سبأ: «لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آَيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ. فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ. ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ. وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آَمِنِينَ. فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ». (سورة سبأ)
القاعدة الربانية لزوال الدول والأمم
القاعدة الربانية للمسلمين أجمعين أن الانشغال بالملذات والشهوات وإشاعة المحرمات يسير بالدول والأمم إلى الزوال، فالله تعالى يقول: «وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا. وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا». (سورة الإسراء)
نهايات الأمم والدول 398 (الأولى)
14 جمادى الأولى 1433هـ = 06 / 04 / 2012
ذلك حديث القرآن الكريم عن تاريخ أمم قبل مجيء هذا الدين.
أما قراءة التاريخ بعد أن جاء الإسلام فإن الدروس منه كثيرة في نهايات الدول والأمم، وكلها فيها مخالفات للأوامر الربانية لهذا الدين، ومن هذه الدروس:
- سيطرة المتعصبين لأقوامهم أو مذاهبهم أو جماعاتهم وهو ما يؤدي إلى صراع عنصري أو طائفي داخل الدولة الواحدة، كما حدث للدولة الأموية في المشرق والأندلس والدولة العباسية والمماليك والدولة العثمانية في نهايات الدول أو من بدايتها.
- استعانة المسلمين بغيرهم ضد بعضهم البعض كما حدث لممالك الأندلس.
- الابتعاد عن الإسلام ورفع رايات النظريات البشرية كما حدث لكثير من الدول في عصرنا الحاضر.
- عدم قيام الحكام بمتابعة شؤون الحكم وانشغالهم بالملذات والشهوات وترك الأمور إلى غيرهم يصرفونها بحسب أهوائهم فيوجهونها لغير مصالح الشعوب.
- وقوع المظالم على الشعوب من حكامها وأنظمتها مما أدى إلى قيام الثورات عليهم كما هو واقع في هذه الأيام.
- الاستبداد من الحكام وعدم إشراك الشعب في الحكم وعدم الاستماع إلى صوت الشعب وأناته وآلامه وترك قوله تعالى: «وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ» (سورة الشورى).
- الاعتماد على حكم الفرد وعدم إقامة دولة المؤسسات، كما شهدنا في دول معاصرة عربية وغير عربية ثارت على حكم مستبد ولكنها سارت على نفس المنهج أو جاءت بحكم أكثر استبدادا.
- الثورات المذهبية التي تعمل على نفي الآخر أو تقزيمه أو النيل منه أو الانتقام منه أو التصغير من شأنه مثل الدولة الفاطمية والمهدية.
- تسليم الأمور لأتباع الأديان الأخرى وتقديمهم على أهل الإسلام بالنسبة الى المسلمين.
- ومن أخطر الأسباب لضياع الدول والأمم التلاعب بأموال الدولة والدخول في الدين العام الذي تتحمله الأجيال القادمة، وتستدعي تدخل الدول الدائنة في الدول وتستغلها لأهوائها.
كل هذه الأسباب تورث أمراضا كثيرة تصل في النهاية إلى نهايات الدول والأمم، وصدق الله العظيم حيث يقول: «إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا. إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا. وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا. إِلَّا الْمُصَلِّينَ. الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ. وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ. لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ. وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ. وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ. إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ. وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ. الا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ. فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ. وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ. وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ. وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ. أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ». (المعارج).