الجريدة اليومية الأولى في البحرين


أفق


النواب ووزيرة الثقافة

تاريخ النشر : السبت ٧ أبريل ٢٠١٢

عبدالله خليفة



إن صراع بعض النواب مع وزيرة الثقافة غير موضوعي، وغير هادئ.
هناك إلغاء سهل ومبسط من قبل بعض النواب للوزيرة وجهودها الكبيرة في خدمة الثقافة، وهي كذلك ربما في حاجة إلى إعادة النظر في اعتمادها الواسع على الأنشطة الحديثة الغربية.
لكن الوزيرة بحد ذاتها ظاهرة نشطة خلاقة، فهي مسئولةٌ عن مؤسسات أهلية ثقافية ليست من ضمن جسم الوزارة (خاصة مركز الشيخ إبراهيم في المحرق) وهي مسئولة عن وزارة الثقافة كذلك.
أي أن إقالتها من وزارة الثقافة لن تعني ابتعادها عن الأنشطة الثقافية والاحتفالات الموسيقية والمسرحية.
وهناك نواب يخلطون بين الدورين الرسمي والأهلي للسيدة مي.
أي يجب أنهم إذا أرادوا إلغاء الدورين أن يصادروا هويتها البحرينية كذلك.
وهم يخلطون بين أدوارهم كأناس ذوي توجهات معينة ترفض الموسيقى والرقص والغناء وبين دورهم كنواب، فيستغلون وجودهم في هذا المنبر المخصص للدفاع عن قضايا الشعب التي لم يولوها ما تستحق من جهود، وتوجيه مسيرة المجلس إلى مثل هذه القضايا التي ليست جوهرية ملحة كان يجب عدم تصعيدها في وقت يحتاج البلد فيه إلى التكاتف والعمل المشترك في كل الجوانب ومن مختلف الأطراف لكي نتجاوز الانقسامات السياسية الوطنية ونركز في التنمية وحل مشكلات البلد والناس المعيشية والاقتصادية.
السيدة الوزيرة تسرعت في رد فعلها واستخدام لغة لا تليق من مثقفة بارزة، وكان من الضروري الرد بموضوعية، وهذا يعبر كذلك عن عدم قيام الوزيرة بقراءة المشكلة الظاهرة التي صارت لها عدة سنوات، وعدم تغيير بعض الأنشطة القليلة الصادمة التي من الممكن تجنبها.
السيدة مي تقوم بدور ثقافي تنويري واسع، عبر نشر الكثير من الكتب واستضافة الكثير من المبدعين والمثقفين الذين ألقوا العديد من المحاضرات والأماسي وأقاموا المعارض، ولكن بعض السادة النواب لا يعجبه هذه المهرجانات والأنشطة وخاصة في مدينة المحرق وتطويرها لأفكار المواطنين، فهم يخشون على نفوذهم السياسي واتساع لغة الحداثة ويجرى استغلال بعض الجوانب لتحويلها إلى قضايا كبيرة معرقلة لعمل المجلس الحقيقي وهي تضيف إلى البلد المزيد من المشكلات والتفكيك.
الوزيرة أتاحت لهم ذلك ولم تقمْ بإصلاح هذا التوجه الحاد في بعض الأنشطة، وكان يمكن ذلك ببساطة ولكن الانفعالات قوية لديها.
وللأسف فعلى كثرة المؤلفات الصادرة عن تراجم وتأليف من قبل الوزارة أو من مراكز السيدة مي الثقافية الخاصة فلم يقم هؤلاء السادة النواب بعرض عنوان واحد مخل، أو أن يشيروا إلى هذه الجهود في الترجمة والتأليف والطبع.
وليس هذا فقط دور السيدة مي فهناك أعمال ترميمات وجهود كبيرة جعلت من بعض الأحياء متاحف، وبعض البيوت كبيت الشاعر الراحل إبراهيم العريض تحفة إبداعية مصقولة بالحجر والضوء.
وقد وجه الشرع حتى قبل الثقافة الحديثة إلى أن تكون النظرة موضوعية للظاهرات المنتقدة، وأن التجريح الشخصي، وإهمال الجوانب الإيجابية والتركيز في السلبيات والنفخ فيها إلى درجة أن تغدو هي كل الظاهرة أمر خاطئ مؤسف، مما يشير إلى غياب النظرة الرشيدة فقهيا وحداثيا.
كذلك فإن الكثير من الأموال المرصودة تأتي من خلال تبرعات ومساهمات المؤسسات الاقتصادية المحلية التي راحت تدعم الثقافة وهذه كلها بفضل دور وزيرة الثقافة.
بطبيعة الحال مطلوب من الوزارة ترشيد الإنفاق والتركيز في دعم المؤسسات والجماعات والشخصيات الثقافية البحرينية وأن لغة الاستعراضات ليست مجدية وأن تتحول إلى أنشطة ثقافية منتجة.
كما أن غياب الوزارة عن دعم الثورة السورية ثقافيا ودعوات مثقفين وشعراء وسياسيين سوريين يرفعون الأصوات ضد المجزرة الجارية لإخوتنا وأخواتنا في سوريا أمر مطلوب فعلاً كما نوه بعض النواب.
لم تتحول ظاهرة الثقافة إلى موقف عقلاني متكامل من الجانبين في الوقت الذي تحتاج فيه مسارحنا الآيلة إلى السقوط وأغنيتنا البحرينية المنهارة في السوق والإبداع إلى ضرورة توسيع التفرغ وعدم اعتماده على أسس شخصية غير موضوعية، وضرورة التنقيب عن آثارنا الراقدة تحت الرمال، ونشر مسودات كتابنا العديدة، وهي كلها أهداف تحتاج إلى جهود كبيرة من الوزارة ومن مجلس النواب وإلى اهتمام وطني واسع.