بالعربي
رسالة إلى الأخ السيد عبدالرحمن يوسف القرضاوي
تاريخ النشر : السبت ٧ أبريل ٢٠١٢
سميرة رجب
أخي الفاضل..
لم أقرأ ما كتبته عن البحرين في مقالك الأول في صحيفة اليوم السابع المصرية، ولم أقرأ رد هيئة شئون الإعلام البحرينية على ذلك المقال، ولكنني قرأت مقالك الثاني بعنوان «إلى إخوتي في البحرين»، وأرجو أن يتسع صدرك لسماع ردي على ما جاء فيه..
سأبدأ من حيث توقفت (في منتصف الرسالة) بتعريف نفسك باسم وتاريخ عائلتك، وأنت ابن شيخنا الفاضل الدكتور يوسف القرضاوي، ولن أكرر ما سردتَ من تبجيل للسيد الوالد الذي هو محل تقديرنا جميعاً، لأن العرب يقولون «العارف لا يُعَرّف»، بمعنى إن التعظيم الشمولي لعائلتك المنسوبة للشيخ الكبير، كما جاء في رسالتك الموجهة إلى البحرينيين، لا يحتاج إليه إلا الشخصية النكرة، وأيضاً من هو غير واثق من ذاته ومن قدرته على إثباتها، وفي تقديري إن شيخنا الفاضل لا يستحق منك هذه الإهانة.
أنا سيدة بحرينية، من عائلة معروفة، يمكنك السؤال عنها من تشاء من إخوتك البحرينيين، فليست عائلة نكرة ولا صغيرة ولا جاهلة.. ولكنني أعتز بتعريف نفسي بكلمتين فقط (سميرة رجب)، فأنا ذاتي، و«إن الفتى من قال ها أنا ذا، وليس الفتى من قال كان أبي»..
وأشد ما يؤسفني أنني كثيراً ما أضطر، مؤخراً، أن أعلن في وسائل الإعلام (الديمقراطية) أنني عربية بحرينية من المذهب الجعفري، وهذا ما لم يكن «يرد لا عالبال ولا عالخاطر» أن يحدث في ذلك الزمن الجميل الذي تنعتونه بأقسى الصفات السياسية، حيث كانت المصداقية مقياس العمل الوطني، ولم يكن للأكاذيب مساحات كبيرة كما هو الحال في زمننا «الديمقراطي» الجديد، فأضطر أن أشهر عن مذهبي لكي لا يُنسب كلامي إلى نزعات طائفية.. مؤكدة أن قوة اعتزازي بهويتي العربية لا تقل درجة واحدة عن قوة إيماني بالإسلام ديناً، وعقيدة، وأخلاقاً، وتراثاً، وتاريخاً، وحضارةً.
ورغم تاريخي المهني الطويل، وما أحمله من مناصب، فلست بحاجة لأن تعرف عني سوى أنني كاتبة صحفية، أجيد التعبير عن رأيي، وأتقبل آراء الآخرين باحترام شديد، فلا أحاول الاستهزاء بأي رأي من مدخل ما به من أخطاء لغوية، أو لأنه منسوب إلى نظام حكم، أو إلى معارضة، فالاحترام من أهم صفاتي الإنسانية والمهنية، ويعتصرني الألم الشديد عندما أقرأ وأسمع ما يتداوله أقلام وخطباء وشعارات الإسلام السياسي من كلمات القذف والاستهزاء والشتم والاحتقار لكل رأي مخالف لهم.. ومما يؤسف له أن هذا السلوك بات أهم عنصر قوة يعتمد عليه الشباب في هذه الحركات، حتى بات اشتراكهم في هذا السلوك على امتداد الوطن الكبير، من المحيط إلى الخليج، يوحي بأن هناك تدريباً ثقافياً وإعلامياً موحداً يُقدّم لهم، رغم اختلاف مذاهبهم وتنظيماتهم.
وعليه أرجو أن تسمح لي بالقول إن ردك على رسالة هيئة الإعلام البحرينية لم يوضح رأياً مقابل رأي، بقدر ما كان فيه استهزاء وتحقير للرسالة لسببين (بحسب مقالك)، الأول: لأنها مرسلة من طرف رسمي يمثل حكومة البحرين، والثاني: لأن فيها بعض الأخطاء اللغوية.. وفي نهاية المقال تعلن رفضك الكامل لسماع أي رأي يخالف رأيك حول ما نشرته، سواء ما يمكن أن يأتي من الحكومة أو من الكُتّاب «إياهم»، المكلفين من الحكومة (بحسب تعبيرك)، وهكذا قطعت الطريق أمام كل من ينوي الدفاع عن البحرين والرد على ما جاء في مقالك من أخطاء لا تمت إلى الحقيقة بصلة.. وكأنك تريد القول إنك تملك الحقيقة كاملة، ولا تنتظر الاستماع لأي رأي مخالف.. فهل هذا من مقومات حرية التعبير عن الرأي؟ أم هو نمط الديمقراطية الجديدة الموعودون بها؟
أخي الفاضل، لا أعتقد أن هناك من هو أحَن على «العيال» من أمهم، وهذا ما يجعلني (كأم بحرينية خائفة على أجيالها) مدافعة شرسة عن سيادة وعروبة البحرين عبر نشر الحقائق التي يحاول الطائفيون تزييفها.. أنا ابنة هذه الأرض، ونحن أعلم بشعابها، وليس هناك من هو قادر على وصف الحقيقة أو نصرتها كما يمكن أن نقوم به نحن في مواجهة المد الذي ينوي اقتلاعنا من جذورنا.
وفي زمننا الرديء هذا لم تعد وسائل الإعلام مصدراً يُعتد به في معرفة الحقائق، فالأكاذيب باتت مادة الإعلام الدسمة في تنفيذ مشاريع سياسية تتقاذف المنطقة، شرقاً وغرباً، فلا أعتقد أن استنادك لوسائل الإعلام، أو سماع بعض عناصر المعارضة البحرينية، يدعم حجتك في الحديث عن البحرين.. فإنصافاً للشعب البحريني أدعوك إلى الإلمام بالحقائق.
أخي عبدالرحمن، كنت أتمنى، وأنت ابن الشرفاء، أن تولي هذه القضية العربية أهمية وتزور وطنك الثاني، البحرين، وتستمع لكل الآراء، وتفحص الحقيقة على أرض الواقع، عوضاً عن الاستناد إلى حجة وسائل الإعلام المشوهة، قبل كتابة مقالك..
وعليه أضع أمامك هذه الحقائق البحرينية التي أتحمل شخصياً مسؤولية إثباتها أمام كل العالم.
أولاً: ليس في البحرين مظالم ضد طائفة.. وكل ما تزعمه طائفة واحدة من مظلوميات يعد افتراء سياسيا، ولديّ من الأرقام والأدلة المادية التي تثبت رأيي.. وقد عملت طويلاً في البحث عن هذه الأرقام التي لم تعمل أجهزة إعلام الدولة على رصدها، وعملت أنا شخصياً على جمعها، وتنسيقها لأثبت للعالم الافتراء الطائفي الذي تقع البحرين تحت طائلته؟ فالمدعوون بالمعارضة يمارسون صناعة الأكاذيب، حتى انشق الشعب البحريني على نفسه للمرة الأولى في التاريخ.. وإن لم تدركوا أنتم، اخواننا في مصر، هذا الأمر فهذا يعني إن الأمة أمام خطر حقيقي.
ثانياً: «إخوتك » في المعارضة البحرينية خطوطهم مفتوحة مع الخارج منذ سنوات طويلة وبابتذال وتحد، وما عليك الا إستعمال الرابط الصحيح في مواقع الويكيليكس لتطلع على جزء بسيط من هذه الاتصالات، التي كانت في زمننا الجميل تعد خيانة عظمى حتى من دون وجود الأدلة المادية المتوافرة اليوم.. يعني لم ينتظروا ليسمعوا نصيحتك الكريمة بعدم اللجوء للخارج، فهم متلوثون بتلك الاتصالات لدرجة تعجز كل منظفات العالم عن تنظيفهم.
ثالثاً: أما بخصوص استعمال العنف، فهم يتفاخرون بتصوير عملياتهم باليوتيوب، وبإمكانك الدخول على شبكاتهم الإلكترونية للتعرف على جرائمهم المنظمة والمتكررة في قتل الشرطة البحرينية، بعد دعوة مرجعهم الديني، آية الله عيسى قاسم، إلى قتلهم.. فكلها موثقة بجانب تلك الدعوة المنبرية.. فاعلم أنهم لا يملكون وازعاً إنسانياً يحميهم من «الهلاك» الذي ذكرته في رسالتك، لأنهم واثقون بأن كل مقال مثل مقالك يقربهم إلى كرسي الحكم، كما حصل في العراق، هذا الكرسي الذي يُبذل له الغالي والنفيس.
رابعاً: مازالت الدولة تتعامل مع هذه الحالة بأعلى درجات ضبط النفس وحسن النوايا، لأننا، كأطراف شعبية ورسمية، مازلنا مصرين على إنهاء هذه الأزمة بأقل الخسائر ووضع لغة العقل والحوار والإنصاف في قمة أولوياتنا.
وتفضل بقبول فائق التقدير والاحترام..
sameera@binrajab.com