الجريدة اليومية الأولى في البحرين


دراسات


بعد التمرد والانقلاب.. ما هو مصير مالي؟

تاريخ النشر : السبت ٧ أبريل ٢٠١٢



باماكو - من: أورينت برس
في غضون اسابيع قليلة اشتعلت الاوضاع في جمهورية مالي في غرب إفريقيا لتصل إلى حدود الغليان، فإلى تمرد قبائل الطوارق في الشمال عبر حركة «ازواد»، والصراع المستمر بينهم وبين الجيش المالي، جاء الانقلاب العسكري الاخير الذي يهدف إلى الإطاحة بالرئيس أمادو توماني توري، ليضيف إلى معاناة الماليين فصلاً جديداً يهدد بحقبة سوداء.
وقد أرجعت المجموعة التي قامت بالانقلاب العسكري في باماكو، والتي تطلق على نفسها اسم «اللجنة الوطنية لاستعادة الديمقراطية وإقامة الدولة»، إلى فشل السلطات في حل الأزمة في شمال البلاد، وعدم قدرتها على تزويد الجيش بالاسلحة اللازمة لمواجهة متمردي الطوارق وليتمكن من القيام بمهامه بدلا من الخسائر الفادحة التي المت به على يد المتمردين.
وقد سيطرت مجموعة من العسكريين الماليين على السلطة، بعد استيلائها على القصر الرئاسي في العاصمة باماكو. وينذر هذا الانقلاب بأن يكون مصدرا للتوتر لأمن إفريقيا ككل.
يذكر أن الحرب بين مقاتلي الطوارق والجيش المالي اندلعت في 17 يناير من العام الماضي، وأدت إلى نزوح نحو 200 ألف من منازلهم، ومقتل وأسر المئات.
«اورينت برس» اعدت التقرير التالي:
بعد عدم استجابة الحكومة لمطالب الجيش، الذي يطالب بتسليحه كما يجب لمواجهة مسلحي الطوارق الذين انزلوا به خسائر فادحة وهزائم متكررة في شمال البلاد، جاء الانقلاب العسكري الاخير.
وبمجرد السيطرة على السلطة، أعلن المتحدث العسكري باسم قادة الانقلاب في مالي حل مؤسسات الدولة وتعليق العمل بالدستور، مؤكدا أن قائد الانقلاب العسكري في البلاد أمادو أيا ساناكو، سيقوم بإدارة شؤون البلاد. ولاحقاً ظهر ساناكو على شاشات التلفزة مبررا الانقلاب على الرئيس اذ لم يكن بيد الجيش اي حل آخر. واذ أكد نية الجنود تسليم السلطة إلى حكومة منتخبة، أعلن فرض حظر تجوال حتى إشعار آخر.
يذكر ان وزير الدفاع ساديو جاساما حاول احتواء أجواء الاحتقان فقام بزيارة للقاعدة العسكرية ليناقش مطالب الانقلابيين ويثنيهم عن قرارهم، قبل أن يفشل وتخرج الأمور عن السيطرة ويحتدم الوضع. وأثناء زيارته للقاعدة العسكرية بالقرب من القصر الرئاسي، بدأ جنود ممتعضون بإطلاق النار في الهواء، ثم ألقوا الحجارة على سيارته، مجبرين إياه على مغادرة المخيم على عجل.
مشاعر الغضب
ويرى مراقبون أن السبب الرئيس وراء قيام الجيش المالي بانقلاب على الرئيس المالي، هو احتدام مشاعر الغضب في صفوف الجيش المالي من أسلوب معالجة الحكومة للتمرد، الذي يقوده الطوارق والذي أودى بحياة المدنيين ودفع بالكثيرين إلى ترك ديارهم وكشف عن ضعف سيطرة باماكو على النصف الشمالي للبلاد، ومماطلتها في إحباط التمرد الذي تقوده قبائل الطوارق.
وأشار المراقبون إلى أن الجنود شعروا بالضعف امام مقاتلي الطوارق الذين يملكون اسلحة ثقيلة استولوا عليها اثر مشاركتهم في المعارك التي دارت في الحرب الليبية بين ثوار ليبيا والمرتزقة الموالين للعقيد الليبي معمر القذافي في عام .2011
وقد شن مقاتلو الطوارق ضمن حركة «ازواد» هجمات مكثفة على معسكرات الجيش المالي في شمال البلاد، وتباطؤ الحكومة في الرد دفع بمجموعة من العسكريين إلى الانقلاب على الرئيس أمادو توري، وهو قائد سابق في سلاح المظلات أطاح بنظام حكم دكتاتوري من خلال انقلاب عام 1991، وتخلى عن السلطة في العام التالي قبل أن يعود إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع عام 2002، وكان يعتزم التنحي عن السلطة بعد الانتخابات التي ستجرى في ابريل الحالي.
تجدر الاشارة إلى ان الرئيس استطاع التحصن بأحد المعسكرات التابعة للجيش في حراسة قوات موالية له، ذاكرا أن ما حدث لا يعتبر انقلابا عسكريا ضد نظام الحكم في مالي وإنما هو مجرد تمرد وعصيان من قبل بعض الجنود.
ادانة دولية ومحلية
من جهتهم، سعى قادة الانقلاب إلى الاستفادة من السخط الشعبي من تعامل توري مع تمرد الطوارق، إلا أن الانقلاب العسكري اصبح في مأزق، بعد تعرضه للعديد من الإدانات على المستويين الداخلي والخارجي، فقد أدانت عشرة أحزاب بينها أكبر حزب بالبرلمان في بيان مشترك الاستيلاء على السلطة بالقوة الذي يعد انتكاسة كبيرة للديمقراطية بحسب ما جاء في البيان.
ويحظى نظام توري بدعم الولايات المتحدة والدول الغربية بالاجماع التي تعتبره نموذجا للديمقراطية في غرب إفريقيا. من جهته، قرر الاتحاد الافريقي تعليق عضوية دولة مالي وتجميد مشاركتها في جميع أنشطة الاتحاد إلى حين استعادة النظام الدستوري.
وأشار المحللون إلى أن هذا الانقلاب ستكون له آثاره السلبية في المستوى القريب على جنوب مالي، الذي بدأت بالفعل مجموعة من متمردي الطوارق الزحف عليه لاحتلال المواقع التي رحلت عنها القوات الحكومية، وذلك في محاولة للاستفادة من الاضطرابات في العاصمة البعيدة.
تخوف غربي
وكان الصراع في شمال مالي قد اشتد منذ سقوط نظام الزعيم الليبي معمر القذافي في ليبيا، حيث عادت مرتزقته إلى أوطانها وظهرت مجموعات مسلحة كبيرة من الطوارق وبحوزتهم أسلحة متطورة من ضمنها صواريخ وأسلحة هربوها من ليبيا.
الى ذلك، تخشى الاستخبارات الغربية من وقوع هذه الاسلحة في أيدي «تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي» الذي يتخذ من شمال مالي معقلا لمقاتليه، مما يزيد من مخاوف اندلاع الفوضى في البلاد وتحولها إلى ساحة لتدريب مجموعة إرهابية مرتبطة بتنظيم القاعدة التي قامت بالكثير من أعمال الخطف وقتل أجانب في مالي.
موقف حركة ازواد
وفي تعليق لها على الانقلاب العسكري الذي تسببت به، قالت الحركة الوطنية لتحرير مالي «ازواد» إن الانقلاب العسكري «كان متوقعا نتيجة للأوضاع المتفجرة في الداخل وسوء العلاقة مع الخارج». وقال رئيس المكتب السياسي للحركة محمود أغ عالي، إن حركته التي تطالب باستقلال الأقاليم الأزوادية والتي تقود قتالا شرسا منذ أكثر من شهرين مع القوات النظامية المالية في شمال مالي غير مهتمة كثيرا بما يجري في العاصمة باماكو بسبب انشغالها بما يصفه بحرب التحرير في الأقاليم الشمالية من مالي.
وحول ما إذا كانت الحركة ستمنح هدنة للنظام الجديد في مالي، قال أغ عالي: إن مقاتليه لن يمنحوا الجيش المالي أي هدنة، و«سيواصلون القتال حتى تحرير كامل إقليم أزواد». وأضاف أن التصريحات التي أطلقها العسكريون الجدد «تشي بأنهم لم يعوا الدرس جيدا، وأنهم ربما يكونون أكثر تشددا من سلفهم، وهو ما يعني في النهاية أن الحرب ستستمر وتتواصل حتى يتحرر كامل التراب الأزوادي».
واستبعد رئيس المكتب السياسي للحركة أن يتمكن الانقلابيون الجدد من حسم الأمور سريعا في باماكو، ورجح اتجاه الأمور إلى مزيد من التوتر وعدم الاستقرار داخل مالي خلال الأسابيع المقبلة، على غرار ما حدث في السنوات الماضية في ساحل العاج التي عانت الاضطرابات الأمنية والسياسية سنوات عديدة.
واعتبر أن تلك التوترات تحمل وجها إيجابيا بالنسبة إلى الحركة الأزوادية لكونها «ستشغل الماليين عن القتال في الأقاليم الأزوادية، ولكنها بالمقابل ستقلل من احتمال التوصل إلى حل سياسي ينهي الأزمة ويؤدي إلى انفصال الأقاليم الأزوادية، بسبب عدم وجود طرف قوي ومؤثر وقادر على اتخاذ قرارات حاسمة». وشدد على أن حركته «ماضية في نضالها لتحرير كامل التراب الأزوادي بعد أن سيطرت حتى الآن على نحو 70 في المائة من أراضيه التي تمثل نحو ثلثي التراب المالي، وستواصل نهجها ذلك بغض النظر عمن يحكم مالي»، وطالب العالم الخارجي ودول الجوار بشكل خاص بتفهم المطالب المشروعة للشعب الأزوادي في تقرير المصير وإنهاء الظلم والمعاناة اللذين واجههما طوال العقود الماضية».