يوميات سياسية
العلاقات مع أمريكا حدود وضوابط
تاريخ النشر : الأحد ٨ أبريل ٢٠١٢
السيد زهره
حين عقد الاجتماع الأول لمنتدى التعاون الاستراتيجي بين مجلس التعاون وامريكا مؤخرا، كانت الخطوة العملية المحددة التي نوقشت في الاجتماع، بحسب ما تم اعلانه، هي بحث إمكانية إقامة درع صاروخية في دول الخليج العربية في مواجهة التهديدات والأخطار الإيرانية.
بالطبع، تم تصوير مسألة اقامة الدرع على انها تعبير عملي عن الالتزام الأمريكي بأمن واستقرار المنطقة.
وبالطبع، يعود لدول مجلس التعاون ان تقرر ما اذا كانت هناك حاجة فعلا إلى إقامة مثل هذه الدرع أم لا، وما اذا كانت هذه الخطوة تخدم فعلا امن واستقرار المنطقة أم لا، وخصوصا ان اقامة هذه الدرع يعني بداهة استنزاف مليارات الدولارات من دول المجلس.
الأمر المؤكد في كل الأحوال ان بحث اقامة هذه الدرع الصاروخية واي ترتيبات عملية اخرى مشتركة مع امريكا، ليست هي القضية التي يجب ان تكون لها الاولوية الآن في هذا الحوار الاستراتيجي بين دول مجلس التعاون وامريكا.
قبل أي حديث عن درع صاروخية او غيرها، الأولوية في المرحلة الحالية يجب ان تكون لأمرين:
الأول: القيام بعميلة مراجعة شاملة وتقييم شامل للعلاقات بين امريكا ودول مجلس التعاون في الفترة الماضية والحالية، وتحديد اوجه الخلاف والتحفظات الموجودة بالفعل لدى مجلس التعاون على كثير من المواقف والسياسات الامريكية.
هذه خطوة اساسية، وخاصة أن الأمر يتعلق هنا كما اوضحنا في المقال السابق بشكوك جدية حول مدى التزام امريكا فعلا بأمن المنطقة، وبمواقف امريكية مشبوهة تجاه الامن والاستقرار الداخلي لدول المجلس.
والثاني: انه بناء على هذا التقييم وقبل الحديث عن أي اوجه تعاون استراتيجي مستقبلية، يجب وضع حدود وضوابط واضحة للعلاقات بين مجلس التعاون وامريكا.
والقضية هنا ببساطة انه على ضوء الشكوك والشبهات المثارة بالفعل حول المواقف الأمريكية من قضايا المنطقة والتطورات الجارية، لم يعد من الممكن المضي قدما في العلاقات وتعزيز التعاون مع امريكا من دون وضع هذه الضوابط والحدود للعلاقات.
أول واكبر الجوانب التي يجب توضيحها ووضع ضوابط لها تتعلق بالمواقف الأمريكية من الاوضاع الداخلية في دول مجلس التعاون على ضوء ما جرى في الفترة الماضية.
الحادث هنا كما أشرنا في المقال السابق، أننا شهدنا في الفترة الماضية، وخصوصا في حالة البحرين، مواقف أمريكية مشبوهة جوهرها احتضان لقوى طائفية لديها أجندات معروفة تستهدف النظام والدولة. وشهدنا ادوارا امريكية مشبوهة وضغوطا لم تعد خافية جوهرها الانحياز الى اجندة هؤلاء المعارضين. وفي غضون ذلك، نشهد على الساحة الامريكية احاديث كثيرة، على الاصعدة السياسية والاعلامية والاكاديمية، عن ضرورة تغيير نظم الحكم في الخليج تحت دعاوى الاصلاح، وما شابه ذلك من مواقف.
هذه القضية لا يمكن ان تترك معلقة هكذا عند أي حديث عن مستقبل العلاقات مع امريكا.
في هذا الحور الاستراتيجي، يجب ان تطلب دول التعاون من المسئولين الأمريكيين تحديد موقفهم بالضبط من هذا العبث، وان يطلبوا تفسيرات للسياسة الأمريكية المتعمدة لتقويض الاستقرار الداخلي والتحريض على نظم الحكم القائمة.
وفي كل الأحوال ، يجب مطالبة امريكا وبشكل حازم بوقف تدخلها السافر في الشئون الداخلية، ووقف دعمها لقوى طائفية انقلابية على هذا النحو! ويجب اعتبار هذا شرطا اساسيا قبل الحديث عن اي اوجه تعاون مستقبلية.
جانب اساسي آخر يجب ان يكون مطروحا في الحوار وهو ان تسعى دول مجلس التعاون للحصول على ضمانات من امريكا بشأنه ، ويتعلق بالموقف من ايران.
القضية الاساسية هنا انه رغم كل مظاهر التوتر والصراع بين امريكا وايران حول قضية الملف النووي، فإن احتمالات ان تقدم امريكا على عقد صفقة تسوية معينة مع ايران هي احتمالات مطروحة علنا. واي صفقة من هذا القبيل ستكون على الارجح على حساب دول مجلس التعاون ومصالحها.
وازاء هذا الاحتمال، فإن المطروح منذ فترة هو ان تطالب دول مجلس التعاون بأن تكون طرفا مباشرا في أي محدثات تكون ايران طرفا فيها وتتعلق بقضايا المنطقة. هذا من حقها.
والامر اذن باختصار انه من دون ضوابط وحدود معروفة للعلاقات مع امريكا على هذا النحو، فليس هناك معنى لحديث عن مشاريع من قبيل الدرع الصاروخية او غيرها.
وفي كل الأحوال، وبغض النظر عن هذا الحوار الاستراتيجي مع امريكا وما يمكن ان يسفر عنه، وطالما ان هذه الشبهات قائمة حول المواقف الأمريكية، وامريكا تتخذ هذه المواقف المشبوهة ازاء الاوضاع الداخلية لدول مجلس التعاون، فإن دول المجلس يجب ان تبني استراتيجيتها على اساس الاعتماد الذاتي فيما يتعلق بحماية أمن واستقرار المنطقة. ويعني هذا استراتيجيات جديدة وشبكة علاقات عربية ودولية جديدة وخطة لتعزيز القدرات الذاتية في إطار الاتحاد الخليجي المنتظر.