يوميات سياسية
إيران وتركيا.. الغدر.. والرعب
تاريخ النشر : الاثنين ٩ أبريل ٢٠١٢
السيد زهره
كتبت قبل فترة عن الأزمة في العلاقات الإيرانية التركية والأسباب والدوافع التي تجعل إيران ترفع راية الخصومة، ان لم يكن العداء لتركيا.
وقد شهدت الأيام القليلة الماضية فصلا جديدا من فصول هذه الأزمة.
بدأ الفصل الجديد من الأزمة بحملة ضارية شنها مسئولون إيرانيون على تركيا بسبب استضافتها لمؤتمر «أصدقاء سوريا». رئيس لجنة الشئون الخارجية في البرلمان الإيراني اعتبر ان تركيا «أصبحت منبوذة من البرلمان والحكومة في إيران». واعتبر ان تركيا «فقدت عمليا كل مصداقية لاستضافة الاجتماع حول الملف النووي بسبب موقفها المتطرف وغير المعقول من سوريا».
كالعادة، حاول وزير الخارجية الإيراني التهرب من تحمل مسئولية هذه التصريحات وابلغ نظيره التركي أنها انتقادات شخصية لا تعكس الموقف الرسمي الإيراني .
لكن سرعان ما اتضح أنها ليست مجرد آراء شخصية وإنما تعبر عن موقف رسمي، حين أعرب مسئولون إيرانيون رسميا عن رغبتهم في نقل محادثات إيران مع القوى الغربية حول الملف النووي من تركيا الى العراق.
من جانبها، استدعت الخارجية التركية السفير الإيراني للاحتجاج على هذه المواقف الإيرانية. وقال رئيس الوزراء التركي اردوجان ان «الإيرانيين يجب ان يتصرفوا بصدق» واعتبر انه «بسبب فقدان هذا الصدق يتواصل تراجع احترامهم في العالم».
كيف نقرأ هذا الموقف الإيراني الأخير من تركيا؟
بداية ، ينطوي هذا الموقف على نكران للجميل، بل على غدر بدولة كان الإيرانيون يعتبرونها حتى وقت قريب دولة صديقة ويكيلون لقادتها المديح.
تركيا وقفت إلى جانب ايران في أزمتها النووية طويلا، وطالما دافعت عن حقها في امتلاك البرنامج النووي السلمي.
وتركيا لطالما عبرت عن رفضها للعقوبات الغربية المفروضة على إيران.
وتركيا لعبت دورا في غاية الأهمية كوسيط بين إيران والدول الغربية منذ سنوات.
وكان للوساطة التركية الفضل الأكبر في قبول الدول الغربية استئناف المحادثات مع إيران حول أزمة الملف النووي.
إذن، ان يأتي الإيرانيون بعد كل هذا ويتخذون هذا الموقف العدائي السافر من تركيا، ويتطاول المسئولون الإيرانيون على الأتراك بهذه الألفاظ المعيبة، ليس له من توصيف سوى انه غدر سياسي وأخلاقي أيضا.
والغريب ان إيران تفعل هذا مع تركيا ليس بسبب أزمة مباشرة في العلاقات الثنائية بين البلدين، أو بسبب ان تركيا اتخذت مثلا موقفا عدائيا مباشرا يضر بالمصالح الإيرانية، وانما بسبب موقف تركيا من سوريا والأزمة فيها.
هذا في حد ذاته أمر سخيف ومستفز الى أقصى حد.
معنى هذا الموقف الإيراني ان إيران تريد من دولة كبيرة مثل تركيا ان يكون موقفها من سوريا مجرد تابع للموقف الإيراني، وان تدافع عن النظام السوري وترضى بالقتل الجماعي للشعب السوري.
معنى هذا الموقف الإيراني ان إيران تريد من تركيا ان تكيف مواقفها وسياساتها الإقليمية بما من شأنه التخديم على الأطماع الإيرانية وخدمة المشروع الإيراني والمصالح الإيرانية في المنطقة، بغض النظر عن مصالح تركيا ذاتها.
مجرد ان يفكر الإيرانيون على هذا النحو هو في حد ذاته تجسيد للطريقة التي تتعامل بها إيران حتى مع الدول الصديقة، والى أي حد يتصور الإيرانيون ان بمقدورهم فرض ارادتهم ومواقفهم على الجميع.
غير ان هذا الموقف الإيراني العدائي من تركيا له وجه مهم آخر.
هذا الموقف، والتعبير عنه بهذه الطريقة المستفزة ، هو تعبير عن حالة الخوف، بل الرعب الشديد، التي من الواضح إنها تنتاب الإيرانيين بسبب التطورات الجارية في المنطقة، وخصوصا في سوريا.
من الواضح أن الإيرانيين، ورغم كل تصريحاتهم ومواقفهم العلنية التي توحي بالثقة، وصلوا إلى قناعة بأن ما يجري في المنطقة يمثل ضربة قاصمة لخططهم ولمشاريعهم في المنطقة، وبأن التطورات القادمة المحتملة سوف تجعلهم في موقف صعب وتمثل تهديدا شديدا لكل ما عملوا من اجله منذ سنوات طويلة.
من الواضح أن الإيرانيين يعتبرون أن احتمالات سقوط النظام السوري سوف يمثل كارثة استراتيجية بالنسبة إليهم على كل الأصعدة. وهذا هو ما يفسر استماتتهم أولا في محاولة الدفاع عن بقاء النظام وقمع الثورة السورية بكل السبل. وهذا ما يفسر أيضا الحالة الهستيرية اللاعقلانية التي تعاملوا بها مع دولة مثل تركيا لموقفها من سوريا، واتخاذهم موقفا يتعدى كل حدود الرشد.
لقد سبق لي أن كتبت أن إيران كلما استشعرت خطورة التطورات في المنطقة على خططها ومشروعها سوف تقترب أكثر من مرحلة الهذيان السياسي في مواقفها وتصرفاتها.
وهذا الذي فعلته مع تركيا مؤخرا هو بالتأكيد مظهر من مظاهر الهذيان.