رسائل
هل يبدأ سباق التسلح النووي في الشرق الأوسط؟
تاريخ النشر : الاثنين ٩ أبريل ٢٠١٢
بالنظر إلى الضجة العالمية التي تحيط بتطور البرنامج النووي الايراني يوماً بعد يوم، وبالمخاوف من وجود سلاح نووي فتاك في يد النظام الإيراني، لطالما أحيطت التساؤلات حول امكانية أن يتوجه بعض دول المنطقة إلى التسلح النووي لاحتواء أي أخطار قد تشكلها طهران، ولتأمين دفاعاتها وملاحقتها لركب التطور النووي.
فهل تشكل القنبلة النووية حافزاً لدى المملكة العربية السعودية، ومصر وتركيا، إلى الدخول في سباق التسلح النووي؟
على الرغم من تصاعد وتيرة التوقعات بأنه تتجه هذه الدول إلى وضع استراتيجية لتصنيع القنبلة النووية حتى لا تكون متخلفة عن الدول التي سبقتها في هذا المضمار، يرى استراتيجيون كثر ان الرياض وانقرة والقاهرة ليست لديها النية في تعريض امنها ونموها الاقتصادي للخطر، أو في اجتذاب الانتقادات والعقوبات الدولية وبالتالي فهي قد تكون في غنى عن القنبلة وما قد ينجم عنها من مشاكل جمة.
«اورينت برس» اعدت التقرير التالي:
لطالما شكلت القنبلة النووية طموحا لدى الكثير من دول العالم، وادت إلى صراعات وسباقات تسلح للاستحواذ عليها، وليس ادل على ذلك من الصراع بين الهند وباكستان للوصول إلى القنبلة النووية لموازنة كفتي الميزان الدفاعية بينهما. اليوم، وفي ظل الاصرار الايراني على المضي قدما في البرنامج النووي وما قد يليه من تطوير القنبلة يتساءل كثيرون: هل يشهد الشرق الاوسط سباقاً للتسلح النووي؟
الدول المرشحة
من ابرز الدول المرشحة للدخول في سباق نووي كهذا هناك مصر والسعودية وتركيا، بالنظر إلى حجم هذه الدول ومكانتها في الشرق الاوسط وإلى اختلاف مواردها وامكانياتها عن البقية. فبحسب وجهات النظر القائلة إن الدول الثلاث ربما تسعى قريبا إلى وضع استراتيجية نووية خاصة بها، قد تحصل الرياض على خفايا ومهارات تصنيع القنبلة من حليفتها باكستان، بينما تركيا قد تتعاون مع إيران في هذا الإطار، أما مصر فقد تلجأ إلى خبراتها المحلية وإلى بعض الحلفاء العرب لدعمها. لكن الحق يقال إن لدى هذه الدول الثلاث ما يكفي من الروادع الذاتية لثنيها عن الدخول في السباق النووي.
فعلى الرغم من ان السعودية تملك الامكانات المادية التي تخولها الحصول على القنبلة وشراء كل ما تحتاج إليه لتصنيعها وتمويلها، فانها تفضل الابقاء على مستوى الامن والاستقرار لديها على المستوى نفسه من دون وجود القنبلة التي قد تجذب الاستنكارات والعقوبات الدولية، فهي تملك علاقات خارجية جيدة جدا مع مختلف دول العالم ليست في وارد ان تخاطر بعلاقاتها تلك وخصوصا انها تصدر نفطها القيم إلى دول مختلفة ولديها اتفاقيات ضخمة في هذا الاطار، فضلا عن ان الرياض ليس لديها جبهة معادية تهددها راهناً او تجبرها على الاستحواذ على هكذا سلاح، ورغم ان إيران المسلحة بالقنبلة النووية تعتبر تهديدا للمنطقة ككل فانه ليس هناك في الافق ما يؤشر إلى امكانية ان تستخدم إيران القنبلة ضد السعودية.
موقف تركيا
بالانتقال إلى تركيا، فمن الواضح ان حكومة رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان قد ارست استراتيجية تهدف إلى انهاء كل الصراعات وبناء السلام والتعاون مع الدول المحيطة بها والبعيدة أيضاً، لذلك فمن غير المرجح ان تهدد تركيا نموها الاقتصادي الكبير واتفاقيات الطاقة والغاز لديها، او ان تستغني عن دورها كبوابة العالم إلى الشرق الاوسط من اجل القنبلة النووية، ولاسيما ان قادتها لا يفكرون في الحروب بعد اليوم ويسعون إلى تعزيز مكانة بلادهم كلاعب اقليمي يتسم بالامن والديمقراطية.
ورغم ان بيد أنقرة كل الامكانيات المادية التي تسهل عليها الحصول على القنبلة، ناهيك عن علاقاتها الجيدة مع العديد من الدول التي تمتلك التكنولوجيا النووية التي يمكن ان تترجم في اتفاقية نووية، فانه لا يوجد في المدى المنظور اي مؤشر على اتجاه تركيا إلى بناء منشآت لتصنيع القنبلة النووية ومواجهة المجتمع الدولي، ولاسيما ان القنبلة لن تضيف الكثير إلى قوة تركيا الصاعدة والمتزايدة بل على العكس قد تكلفها تحالفات كثيرة. وفي نهاية المطاف، تدرك أنقرة انه حتى مع استحواذها على القنبلة النووية فهي لن تكون قادرة على الوقوف في وجه روسيا او اي قوة عالمية كبرى اذا ما دعت الحاجة، هذا من دون ان ننسى ان تركيا عضو اساسي في حلف الاطلسي وبالتالى فيها تحظى بالغطاء النووي من اعضاء الحلف النوويين: الولايات المتحدة، فرنسا، المملكة المتحدة في حال تعرضها لاي خطر.
بالانتقال إلى مصر، تبدو الامور اكثر تعقيدا. فبعد الثورة الاخيرة وانهيار النظام السياسي والمشاكل الاقتصادية الراسخة منذ عقود طويلة لا شك ان القنبلة النووية هي في آخر اولويات القاهرة اذ انها تسعى اولا إلى ترتيب البيت الداخلي وإلى محاولة النهوض على اقدامها من جديد بعد ما الم بها العام الماضي. ورغم ان مصر لديها الكثير من الخبرات البشرية والمخترعين والمهندسين القادرين على مساعدتها في حال قررت الحصول على القنبلة النووية فانها اليوم لا تمتلك التمويل الكافي وهناك قطاعات وقضايا اكثر إلحاحا تستدعي منها تخصيص اموال كثيرة.
شائعات إسرائيلية
تجدر الاشارة إلى ان اسرائيل لطالما حاولت الترويج لمقولة ان بعض دول المنطقة قد تتجه إلى التسلح النووي وذلك في إطار خطتها الهادفة إلى تبرير ترسانتها النووية وامتلاكها للكثير من الاسلحة والرؤوس النووية. وبذلك، تحاول تل ابيب ان توحي للعالم انها انما تطور ترسانتها النووية لضمان امنها واستقرارها في وجه دول المنطقة «الصاعدة نوويا». وهي بين الفينة والاخرى توعز لبعض كبار محلليها ومنظريها لوضع التقارير التي تتحدث عن امكانية ان تتجه السعودية وتركيا ومصر تحديدا إلى التسلح النووي، وتشمل هذه التقارير ما يسمى «الهواجس الاسرائيلية» ومخاوف اسرائيل من تهديد كيانها ولاسيما في حال وقعت هذه الاسلحة النووية بيد جماعات متشددة في الشرق الاوسط او جماعات معادية لاسرائيل وهي كثيرة.
وبعد تدهور العلاقات بين اسرائيل وتركيا في الاعوام الاخيرة بعد حادثة الهجوم الاسرائيلي على سفينة «مافي مرمرة» التي كانت متوجهة ضمن اسطول الحرية إلى غزة، ومقتل ناشطين اتراك على يد جنود اسرائيليين، ومن ثم وصول هذه العلاقات الثنائية إلى درك غير مسبوق، اصبحت اسرائيل تروج لنظرية حصول أنقرة على السلاح النووي تحسباً لاي مواجهة عسكرية بينهما في المستقبل وهو امر تنفيه تركيا جملة وتفصيلاً وتؤكد ان هذه المزاعم الاسرائيلية انما تأتي للتعمية على الخطط النووية الاسرائيلية، وخصوصا ان اسرائيل تملك المئات من الرؤوس النووية التي من شأنها ان تطرح تهديدات كبيرة في المنطقة.
يبقى القول ان إيران تمكنت من ان تبث القلق في نفوس الاسرائيليين عبر تمسكها بالبرنامج النووي رغم كل العقوبات التي فرضتها وتفرضها عليها الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة، الحليفة الاولى لاسرائيل. وفي حين برزت معلومات اخيرة عن ان اسرائيل قد أجلت الضربة العسكرية المتوقعة ضد إيران تخوفا من اي رد فعل انتقامي من الجمهورية الاسلامية، يبدو ان تل ابيب عادت اخيراً لتروج لمخاوفها من انتشار القنبلة النووية في العالم العربي والشرق الاوسط لتبرير اي توسع مستقبلي في استراتيجيتها النووية. وقد تم نشر بعض المقالات في عدد من الصحف الاسرائيلية في الآونة الاخيرة، تتحدث عن «سباق تسلح شرق اوسطي» وتدق ناقوس الخطر من كيفية تأثير ذلك في امن اسرائيل واستقرارها.
حتى الآن، يمكن القول ان المجتمع الدولي على الارجح لن يصدق الترهات الاسرائيلية اذ ان للدول الثلاث التي تتخوف اسرائيل من امتلاكها القنبلة النووية: السعودية ومصر وتركيا، اهتمامات اخرى في مجالات مختلفة، ولم يصدر عن هذه الدول مواقف او تحركات تشي برغبتها في التسلح النووي على الاقل في الوقت الراهن، علما ان الامر يبقى مطروحا في إطار مستقبلي.