الجريدة اليومية الأولى في البحرين


هوامش


تخريب «الربيع» تعدّ على فسيفساء البحرين

تاريخ النشر : الاثنين ٩ أبريل ٢٠١٢

عبدالله الأيوبي



الزوبعة التي أثارها أصحاب الفكر الشمولي المتزمت في وجه ربيع الثقافة ومحاولاتهم المتعددة لتعطيل فعاليات المهرجان وتخريبها وانتهاج أساليب متعددة للوصول إلى هذا الهدف، يجب النظر إليها على أنها أكبر وأخطر من مسألة إيقاف مهرجان فني وثقافي وغير ذلك من الأنشطة الترفيهية في البحرين، فلو اقتصر الأمر على تعبير أصحاب ذلك الفكر عن رفضهم مثل هذه المهرجانات واكتفوا بإيصال آرائهم المعارضة لقلنا ان ذلك حق أصيل للإنسان، له كامل الحرية في اختيار ما يشتهي ويرفض ما يراه مخالفا لقناعاته الفكرية أو الدينية، لكن الأمر لم ينحصر في هذه الدائرة وإنما اتجه نحو ممارسات خطرة تهدد الحريات العامة والخاصة.
فالزوبعة التي أثيرت يوم الاثنين الماضي أمام مركز الشيخ إبراهيم الثقافي في المحرق والمحاولة المتعمدة والمدفوعة لتخريب احتفالية موسيقية يحضرها عدد من المدعوين بما في ذلك وزراء وشخصيات أجنبية مرموقة والمعركة المفتعلة في وجه وزيرة الثقافة الشيخة مي بنت محمد آل خليفة خلال جلسة مجلس النواب الثلاثاء الماضي أكبر دليل على انعدام أي علاقة بين كل ذلك وحرية الاختيار والتعبير، ويكشف عن النيات الخطرة لأصحاب الفكر الشمولي المتزمت وهدفهم غير المعلن وهو إخضاع جميع مكونات المجتمع البحريني لأهوائهم واجتهاداتهم الدينية وشهواتهم الاجتماعية.
يحق لأصحاب الفكر الشمولي المتزمت كما يحق لجميع مكونات الشعب البحريني أن يمارسوا قناعاتهم الفكرية وحرياتهم الاجتماعية بما لا يتعارض مع حرية الآخرين أو يهددها، وإذا ما وضعنا ممارسات أصحاب الفكر الشمولي المتزمت واستهدافهم لفعاليات ربيع الثقافة والأنشطة الترفيهية الأخرى، فسنجد أنها تتعارض مع حريات الآخرين واختياراتهم، ذلك أن لهذه الأنشطة الترفيهية جمهورها ومريديها، ومن حق هؤلاء أن يمارسوا هواياتهم ويستمتعوا بما يرونه يلبي أذواقهم واحتياجاتهم الروحية، وليس من حق أصحاب الفكر الشمولي المتزمت أن يصادروا حرية هذا الجمهور ويتعدوا عليها بأي شكل من الأشكال.
ليس «ربيع الثقافة» وحده هو المستهدف من قبل أصحاب الفكر الشمولي المتزمت، فهؤلاء ضد أشكال البرامج الغنائية والموسيقية كافة منطلقين من اجتهادات دينية يرونها هي الأصح، ونحن هنا لا نصادر حقهم في تفسير التعاليم الدينية وفهمها وممارستها كما يشاءون، لأن هذه التعاليم لها الكثير من المفسرين، اعتراضنا يكمن في سعيهم لفرض هذه الاجتهادات على الآخرين بمختلف الوسائل بما في ذلك العنفية (حادثة مركز الشيخ إبراهيم)، فهنا نحن نواجه شكلا من أشكال الديكتاتورية الدينية ومصادرة للحريات الخاصة من دون وجه حق وفيه تعارض مع أبسط المبادئ الإنسانية والحقوقية.
والقول إن فعاليات مهرجان ربيع الثقافة تتعارض مع «التعاليم الدينية»، ليس سوى حجة يراد من ورائها استغلال المكانة المقدسة التي تحظى بها هذه التعاليم في عقول وقلوب الغالبية العظمى من أبناء البحرين، واستخدامها غطاء لتنفيذ أجندة اجتهادية ذات توجه شمولي لا يحظى بإجماع المدارس الاجتهادية الدينية كافة، أضف إلى ذلك، فإن التعاليم الدينية لا تعطي الحق لأي كان أن يصادر حريات الآخرين ويتعدى عليها، فهذه الحريات لها حرمتها وقدسيتها في مختلف التعاليم والشرائع.
خطورة ما يحدث الآن في صورة استهداف فعاليات ربيع الثقافة والتعدي على حريات الآخرين وحقهم في الاستمتاع وممارسة حياتهم الطبيعية من دون وصاية من أي كان، له بعد خطر جدا، فاستهداف الحريات الخاصة هو استهداف لسمة أساسية من سمات شعب البحرين، ألا وهي التعددية الفكرية والاجتماعية والدينية التي ميزت شعب البحرين وصارت عامل قوة بعد أن ترسخت على مدى عدة قرون بحيث صار التعدد وقبول الآخر عقيدة ثابتة لدى مختلف مكونات الشعب البحريني بطوائفه وأعراقه، وبالتالي فإن الممارسات التي يأتي بها أصحاب الفكر الشمولي المتزمت تعتبر دخيلة ومهددة لهذه السمة الجميلة لهذا الشعب.
كيف نحافظ على هذه السمة المميزة والجميلة للبحرين؟ هذه في اعتقادي واحدة من المهام التي يجب أن يوليها محبو البحرين جل اهتمامهم، فهي تتعرض في الوقت الحاضر لأِشرس هجوم متعدد السهام ومن مصادر مختلفة، فالطائفية المقيتة التي يلعب الطائفيون الدينيون دورا مؤثرا في انتشارها هي واحدة من المخاطر التي تهدد فسيفساء البحرين الجميلة، ولجوء أصحاب الفكري الشمولي المتزمت إلى أساليب فرض اجتهاداتهم الدينية على مختلف مكونات شعب البحرين هو الآخر خطر يهدد حياة التعدد التي جبل عليها أبناء البحرين.