واجب الالتزام بالمسئولية
الوطنية وقت الأزمات
 تاريخ النشر : الثلاثاء ١٠ أبريل ٢٠١٢
بقلم: حسن الأسود
تعليقاً على ما ورد بجريدة «أخبار الخليج» بتاريخ ٢٥ مارس ٢٠١٢م الموافق الأحد حول تلويح مجموعة من أصحاب الأعمال باللجوء إلى تسريح الموظفين البحرينيين من وظائفهم خلال العام وذلك نتيجة لما يعانونه من عجز عن استيعاب العمالة البحرينية لديهم بسبب تراجع حركة السوق ونقص السيولة المطلوبة لانجاز المشاريع، ونحن هنا نعتقد جازمين ان الأزمة لم تصل بأوضاع أصحاب الأعمال الخاصة إلى حد استنزاف المخزون من الرساميل المتحصلة لديهم عبر سنين عملهم وإنما في تقديرنا أن الأزمة قد قللت من نسبة الإرباح الصافية المضافة لرأس المال التي تعودوا على جنيها في السنين الماضية كما نعتقد أن الأزمة لم تؤثر حتى في ميزان المصروفات المطلوبة لاستمرار عمل المشاريع وإنما كما تقدم أن النقص قد حصل في نسبة الأرباح الصافية المضافة لتراكم رأس المال الشخصي للمالك، فالدولة تتابع بشكل مستمر أي تغيير لأسعار المواد الخام المستوردة سواء على المستوى الغذائي أو الإنشائي ومن ثم تعمل على دعمها بما يعوض الفوارق التي يُحدثها النمو للأسعار في الأسواق العالمية المصدرة بحيث تصل تلك المواد إلى الأسواق المحلية وتكون تحت يد المستهلك بفوارق لا تشكل له حالة عجز عن تناولها ومن الأمثلة على ذلك أسعار اللحوم والقمح والحديد والاسمنت وغيرها من المواد، فلو قارنا بعض أسعار السلع في أسواق بعض البلدان بالخارج فسنجد أن أسعارها الفعلية في الداخل لدينا لابد أن تكون ارفع مما هي متداولة فعلياً وذلك لو تركت من غير أي دعم حكومي، إن الدولة تعمل على دعم الكثير من السلع الرئيسية لتحقيق الاستقرار والاستمرارية في وتيرة التنمية وتوازن الاستهلاك رغم التغير المطرد في حركة الأسواق العالمية وتبدل فوراق قوة العملة الشرائية بين الدول المنتجة والمستهلكة وبشكل سريع ومستغرب من لدن المختصين في هذه المرحلة العالمية، وحيث انه بات من الواضح اليوم أن العالم الغربي يدفع بكل أساليبه لاستثارة الشعوب ضد الحكومات وهذا الدفع ليس القصد منه إحداث مرحلة من الديمقراطية في الوطن العربي والعالم كما يروج لذلك إعلامياً بل إن ذلك الدفع هو حاصل نتيجة لمآرب سياسية منها ما هو بعيد المدى يهدف إلى تغيير خريطة النظم القائمة وصورة المنطقة ومنها ما هو تكتيكي مرحلي يسعى لامتصاص تلك الثورات وركوب موجتها، وساسة الغرب لا يؤرقهم أن تدخل الأوطان العربية مرحلة الاستنزاف والتصفية حتى تنهك الأوطان العربية من الداخل وتُلقي بثقلها منقادة للدول الغربية مستجدية الدعم لرسم خريطة الاستقرار لأوطانها ونعتقد أن من يقف على صورة القارة السمراء وما اُحدث فيها من صراعات وحروب في القرن المنصرم رغم غنى تلك القارة بالموارد ربما سيستطيع استقراء بعض ما هو مخطط ومراد للأوطان لعربية من مشهد، إن الشعوب التي عاشت فترة من الزمن من دون ديمقراطية من الصعب أن تتفهم أن الإصلاح الناضج الآمن لا يتأتى إلا بمراحل تدريجية حذرة وخصوصا في ظل هذه التحولات العالمية الاقتصادية والسياسية الشائكة فالشعوب وبسبب تغييبها فترات طويلة عن المساهمة الفعلية في صنع القرار قد أدى ذلك في تقديرنا إلى أن تكون غير واعية لحجم التأمرات الدولية وسرعتها ضد أوطانها وخصوصا إذا سعت نظمها بشكل حقيقي للتحول نحو ديمقراطيات واعية متحملة لمسئوليات المواطنة على المستويين الفردي والجماعي، إن أي عملية للإصلاح في أي دولة في بدايتها لابد ان تُلاقي لها مؤيدا ومعارضا وذلك بسبب الميل الفطري للأفراد للتحصيل والمحافظة على المكاسب الفردية ،ومن الطبيعي أن تغيير النظم لسياستها وبما يصب في خدمة الأغلبية العامة من أبناء الشعب سيكون له مناكفون ممن ستصطدم تلك التغييرات مع مصالحهم وخصوصا من الطبقات المستنفعة لمرحلة ما قبل التغيير كطبقة التجار مثلاً فهؤلاء لا يعني لهم الإصلاح والتغيير شيئا قدر ما يعنيهم مدى ما سيربحونه في كل متغير ومدى ما سيجنونه من أرباح مالية تضاف لأرصدتهم ومشاريعهم إلا ما ندر منهم، وعلى ذلك فان الرد على التلويح الأخير لإخواننا التجار يأتي في ضوء ما هو مرصود من أن الحكومة في البحرين كانت دائماً مراعية وداعمة لقطاع التجار ولم تتوان يوما عن دعم أوضاعهم إلا أنهم اليوم وفي ظروف دولية جائحة يلوّحون بتسريح العمالة البحرينية لديهم وهذا في حد ذاته يُشكل ورقة ضغط مباشرة ستلقي بظلالها على الأوضاع السياسة في البلاد ونحن نعتقد أن ما تحتاج إليه البحرين اليوم هو أن تتضافر الجهود والنيات للخروج بالبلاد من الأزمة التي ألمت بها نتيجة لعوامل خارجية موجهة في غالبها لتحريك الداخل، فالبحرين بلد صغير وفي تقديرنا لديه من المقدرة السياسية والوفرة المالية ما يجعله قادراً على حلحلة كل قضاياه الداخلية شريطة أن يُكفى تدخل الدسائس والأجندات الخارجية في شؤونه، ومن المفترض اليوم على شريحة التجار بدل أن تلوّح بتسريحات العمالة البحرينية أن تكون هي من أوائل المبادرين لتحصين الأوطان من الداخل، فالتجار هم على ابعد التقديرات من المفترض أن تكون لديهم قراءه ولو بسيطة وتصور لما يجري من ثورات في الوطن العربي فمن تلك الثورات ما هو مستحق لجوهر التغيير ومنها ما هو محتاج للإصلاح وبنسب متفاوتة إلا أن السياسات الغربية تريد فراغاً عائماً في المنطقة وفوضى تحرق كل انجازات هذه الشعوب فبدل أن يكون التجار على دراية وتنبّه لما يحاك لأوطانهم وان يكونوا على مستوى من الوعي والثقافة لفهم ذلك يصبحون هم أول المتنصلين عن تحمل مسئولية أوطانهم التي اثروا وكدسوا من خيراتها، وحسب فهمنا إن المال يسد حاجات مالكه ويفرض عليه أن يكون مثقفاً ومطالعاً، وهنا قد لا يُحمّل العقلاء الفقراء نسبة كبيرة من العتب على ما يصدر منهم من تطير وراء أي محاولة لركوب موجة السياسة لأن الفقراء عادة ما يكونون هم وقود الثورات لكن أن يُصيب طبقة التجار عدم المبالاة نفسها التي تندفع لها طبقة الفقراء فان ذلك ما لا يُتوقع من معشر التجار، أن الفقراء في العالم العربي وقعوا تحت تأثير تيارات فكر الإسلام السياسي كالصفوية والسلفية السياسية اللتين نحن لا نرى فيهما إلا وجهين لعملة واحدة تسعيان لضرب وحدة الأمة العربية وتقسيم مجتمعاتها، كما أن فُحش ثقافة الاستهلاك التي سادت في المجتمع وأصبحت سمة للتفاخر بين الأفراد والطبقات قد فعلت فعلها في نفوس البسطاء فأصبحوا ومن غير دراية ونتيجة للتطلع لحب اقتناء الكماليات بالمماثلة ينقادون إلى دعوات التجييش والتسييس، إن من يحاولون إقناع أنفسهم بان الديمقراطية الغربية هي جوهر المطلوب لشعوب الشرق ومن دون إلمام منهم بفلسفة الغرب وبجوهر تجربته وما أفرزته تلك التجربة من طبقة قليلة فاحشة من الأثرياء مقابل معدل لأغلبية من الفقراء ومن دون أن يأخذوا في الحسبان أن الديمقراطية إذا لم تحقق مستوى معيشيا متقاربا بين طبقات المجتمع وتحقق نمواً غالبا للطبقة الوسطى فان تلك الديمقراطية لا طائل منها، وعلى ضوء تجربة الغرب الديمقراطية وددت أن أشير إلى مقال نشر في اليوم والتاريخ أنفسهما بالجريدة حول مقال كتبه الأستاذ جهاد الخازن وحسب علمي ان هذا الكاتب قد اختزل تجربتين ثقافيتين في حياته وتشبع بهما بالمعايشة، فالأولى هي في المنطقة العربية موطنه الأم والأخرى هي غربية في الولايات المتحدة تحديداً وبحسب ما هو دارج أن من يعيش في الغرب عادة ما يكون من دعاة الديمقراطية بصورتها الغربية وبكل حذافيرها إلا أن ما يرصد من كتابة الكاتب في مقاله هو عدم التشجيع لمماثلة التجربة الغربية والانسياق وراء ما يشاع من جنة ديمقراطية الغرب بحذافيرها، وبحسب ما هو مرصود من كتابته يتضح ان لديه تصورا جيدا للأوضاع في البحرين وقد شخص تقريباً أن ما تحتاج إليه البحرين ليست ثورة وإنما إصلاح متدرج للاشتراك في صنع القرار وفي توزيع الثروة ونحن نتفق معه في ذلك بل نزيد بان الثقافة العربية بها من الأنفة ومسؤولية التكافل الاجتماعي ما يجعلنا نصر على الحفاظ عليها وتطويرها، كما أننا قد نرصد وجها أخر من أوجه السياسية الموجهة ضد المنطقة العربية أن الغرب يسعى لإزاحة كل رجال الحكم والسياسية ممن يتميزون بالقوة والمحافظة على الهوية العربية لكي يسترعوا الأمة من بعدهم ولكي يسهل تمرير ما تبقى من المخططات ونحن شخصياً لا نرى إلا أن أي امة تُسلم رجالها لمخططات أعدائها إلا امة تعِسة ولذلك نؤكد وجوب أن تُحافظ الأمة على رجالها كما نطلب من صناع القرار إسباغ غنى الأوطان على الشعوب فما هو مقصود بالتدمير اليوم ليست النظم فقط بل الشعوب ونظمها، إن نُظم الخليج ومشايخها قد حققت قفزات من التنمية والبناء لشعوبها وبمستويات لم تتأت حتى لمعيشة الفرد الغربي وهو في أحسن اقتصادات الدول الغربية.
.