الجريدة اليومية الأولى في البحرين


المال و الاقتصاد

هل للهيمنة السياسية الأمريكية دور في ذلك؟!
لماذا لا توجد لدى العرب مؤسسات تصنيف ائتماني؟!

تاريخ النشر : الثلاثاء ١٠ أبريل ٢٠١٢



ما بين دعوة عدد من المصرفيين والاقتصاديين إلى أهمية بناء مؤسسات تصنيف عربية قوية تتبع دول المنطقة، وبين تقليلهم من شأن دواعي وجودها أصلا، نفتح عبر هذا الاستطلاع، نافذة للتساؤل حول أسباب افتقار الدول العربية إلى مثل هذه المؤسسات، ولجوء حكوماتها ومؤسساتها المالية التابعة للقطاع الخاص، وتسابقها إلى الحصول على وسام من مؤسسات التصنيف الغربية.
وبالطبع، فإن الاستطلاع لم يغفل عن طرح سؤال مفاده: هل للسطوة الأمريكية وتأثيراتها المباشرة على اتخاذ القرارات السياسية العربية، دور في أن تبقى مؤسسات التصنيف أمريكية الجنسية بالدرجة الأولى، غربية الطابع بالدرجة الثانية، وهل لتلك السطوة والسيطرة الأمريكية أثر في عدم دفع الدول العربية على مستوى مؤسساتها الرسمية والخاصة، باتجاه إنشاء مؤسسات تصنيف عربية مستقلة عن الغرب، وخاصة إذا عرفنا أن مؤسسات التصنيف الائتمانية الثلاث موديز وفيتش وستاندرد أند بورز كلها مؤسسات أمريكية.
الإجابات جاءت متنوعة من متخصصين عارفين ببواطن الأمور، فماذا قالوا؟
أهمية إيجاد مؤسسة
تصنيف عربي
في البدء، أكد رئيس جمعية الاقتصاديين البحرينية الدكتور جعفر الصايغ، الأهمية (القصوى) التي تنطوي على وجود مؤسسات تصنيف عربية، إلا افتقار الدول العربية إلى الجدية في إيجادها، هو العائق الأكبر لعدم نشأتها، وقال إن «إيجاد مؤسسات تصنيف عربية، يستلزم بالضرورة، وجود منظمات عربية فاعلة ومؤثرة على المستويين الاقتصادي والسياسي، قادرة على اتخاذ القرارات الجمعية، كالوحدة الاقتصادية المنبثقة عن الجامعة العربية، والاتحاد النقدي والبنك المركزي المزعم الانبثاق عنه، وصولا إلى إيجاد نوع من التنسيق والتكامل العربي في المجالين الاقتصادي والسياسي».
وأضاف «أعتقد أن عدم الجدية في الخروج بقرار عربي يؤسس لإقامة مؤسسات تصنيف عربية، ناتج بالدرجة الأولى من تساؤل المراكز المالية الإقليمية والمؤسسات المالية في المنطقة عن جدوى تقييمها من مؤسسات تصنيف عربية، إذا كان تصنيفها من قبل مؤسسات تصنيف عالمية تعطيها وتوفر لها مكانة عالمية أكبر بكثير مما قد تعطيها مؤسسات تصنيف عربية، لن يكون أثرها ذا طابع عالمي وتأثير بقدر الطابع والتأثير اللذين تكتسبهما من التصنيفات الصادرة عن تلك المؤسسات العالمية».
توظيف الدالة الاقتصادية
من جانبه، عزا الخبير المصرفي عبداللطيف جناحي عدم سعي العرب إلى إيجاد مؤسسات تصنيف عربية، إلى افتقار العرب إلى الدالة الاقتصادية والمعلومة التي ينبني عليها التصنيف، مشيرا إلى أن «مؤسسات التصنيف العالمية حين تبادر إلى عمل تصنيف لحكومة من الحكومات العربية أو مؤسسة من المؤسسات المالية العربية، لا تعتمد فقط إلى الدالة الاقتصادية المتوافرة من الحكومة أو المؤسسة فحسب، بل تتعدى ذلك إلى تحليل البيانات والدوال الاقتصادية المقدمة من الجهة التي تقوم بتصنيفها، بما تملكه من خبرة علمية طويلة للتحليل، وصولا إلى درجة التصنيف التي تعلنها، فيما يفتقر العرب إلى مثل هذه الخبرة، وبالتالي، فإن وجود مؤسسة تصنيف عربية لا يعني أنها ستكسب ثقة العالم بدون توافر هذه المعطيات».
وأضاف «لقد تم إنشاء الوكالة الإسلامية الدولية للتصنيف التي تتخذ من دبي مقرا لها، قبل سبع سنوات، حتى اليوم، فليس لها نشاط ذو أهمية وتقدير عالميين للمؤسسات المالية الإسلامية، وما زالت المؤسسات المالية الإسلامية العربية شأنها شأن المؤسسات التقليدية والحكومات العربية، تعتمد على التصنيفات التي توفرها مؤسسات عالمية».
ولذلك نقول إن «التصنيف ليس مجرد عمل مهني متخصص فحسب، بقدر ما هو فن دقيق وراق، يحتاج إلى أدوات فنية عالية تنطوي على خبرات تتعدى حدود الخبرات المتوافرة في صناعة المصارف في المنطقة العربية، وليس من السهل استقطاب الخبرات العالمية التي تعمل لدى مؤسسات التصنيف العالمية الراقية، للعمل في مؤسسة تصنيف عربية محدودة العمل والأثر».
دور الهيمنة السياسة
سألناه عما إذا كان ثمة علاقة بين عدم وجود مؤسسات تصنيف عربية، وبين الهيمنة الأمريكية سياسيا على القرار العربي، فقال «لقد ضربت الولايات المتحدة مثلا سيئا للغاية، حينما تدخلت بتسييس عمل الجمعيات الخيرية في المنطقة العربية، فليس لأحد أن ينكر والحال هذه، أن هناك استعمارا أمريكيا للمنطقة، ليس بوصفه التقليدي والعسكري المباشر، ولكن بالتأثير على هذا النحو من خلال المجتمعات المدنية، وعليه، فإن اختلاط السياسة بالاقتصاد وبالدين، يترك أثرا كبيرا ومهما حتى على القرار العربي في إيجاد وتأسيس مؤسسات تصنيف عربية».
وتخطط وكالة تصنيفات أوروبية لمنافسة ستاندرد اند بورز وموديز وفيتش، وقالت إنها بلغت مراحل متقدمة في إنشاء مؤسسة تصنيف قد تبدأ العمل في النصف الاول من العام الحالي، بحسب تصريحات صادرة عن شركة رولاند برجر الاستشارية التي يحاول مؤسسها اقناع الحكومات والشركات الاوروبية لحشد التأييد وجمع التمويل لانشاء الوكالة من خلال جمع 300 مليون يورو من رأس المال الضروري من مستثمرين أوروبيين بحلول ذلك الوقت.
وينتقد صناع السياسات الاوروبيون وكالات ستاندرد اند بورز وموديز وفيتش في خضم أزمة ديون منطقة اليورو قائلين انها تعجلت خفض التصنيفات الائتمانية لدول الاتحاد الاوروبي المثقلة بالديون رغم برامج الانقاذ والتقشف.
وفي وقت سابق هذا الشهر خفضت ستاندرد اند بورز التصنيفات الائتمانية لتسع من دول منطقة اليورو حيث نزعت عن فرنسا والنمسا تصنيفهما الممتاز AAA لكنها أبقت على تصنيف ألمانيا من دون تغيير.
وقال جناحي «نعتقد من جانب آخر، أن للكسل العربي دورا في عدم قيام أو إنشاء مؤسسة تصنيف عربية، كما أننا نفتقر إلى متخصصين اقتصاديين قادرين على الكشف عن توقعات للمسارات الاقتصادية المبنية على أسس علمية».
شروط نجاح مؤسسة التصنيف
من جانبه، قال المدير الإداري لبنك كريدي أجريكول إلياس القصير إن «أول ما نحتاج إليه لإنشاء مؤسسة تصنيف عربية، أن يتوافر الدعم المالي الكافي للإنشاء من قبل الحكومات والمؤسسات المالية والرسمية الأخرى في الدول العربية، ثم توافر الشفافية في توفير الملعومات والدوال الإحصائية، وهو أمر ليس متوافرا حتى اليوم، فضلا عن الاستقلالية التي يجب أن تتمتع بها مثل هذه المؤسسات، ومضيها قدما في التصنيف مهما كان إيجابيا أو سالبا، بالإضافة إلى أن أي مؤسسة تصنيف عربية بحاجة إلى الاعتراف من مؤسسات عالمية مثل البنك والصندوق الدوليين».
وأضاف: «على العكس مما يعتقده الجميع، من أن التصنيف السالب لحكومة أو لاقتصاد من الاقتصادات أو مؤسسة من المؤسسات العالمية، فإنه أمر إيجابي تعرف الجهة المعنية من خلاله حقيقة موقفة، وبالتالي تمضي إلى معرفة الخلل ووضع العلاج المناسب له، وترتقي إلى الثقة العالمية، وتعديل مواقفها حتى تكون قادرة على استقطاب الاستثمارات التي تسعى الدول العربية جميعها إلى تعزيزه».
وقال «لقد حان الوقت بالفعل لأن تكون لدينا مؤسسات تصنيف عربية، تفرض نفسها واحترامها عالميا، وأن تعزز نفسها ووجودها من خلال مهنيتها واستقلاليتها اعتمادا على الخبرات العربية الموجودة والعاملة في مؤسسات تصنيف عالمية، فالعرب لا يفتقرون إلى الخبرات، فمن المصلحة، بناء وكالة من هذا النوع في المنطقة، تكون موازية للوكالات العالمية».
وفيما يتعلق بتأثير الهيمنة السياسية الأمريكية على القرار العربي لإنشاء مؤسسة تصنيف عربية، نفى القصير ذلك تماما، وقال إن «الجنسية الأمريكية لمؤسسات التصنيف العالمية القائمة، لم تحم الولايات المتحدة نفسها من كشف تلك المؤسسات عن حقيقة وضعها الائتماني».
وكانت وكالة (ستاندرد اند بروز) للتصنيف الائتماني، قد خفضت تصنيف الولايات المتحدة الائتماني المتعلق بالقروض الطويلة الامد درجة واحدة من AAA إلى +AA في الخامس من أغسطس الماضي، واعتبرت الوكالة آفاق الولايات المتحدة في مجال الاستلاف في غضون ذلك (سلبية)، ما يفترض احتمال مواصلة التخفيض.