الجريدة اليومية الأولى في البحرين


أفق


التحالف الاقتصادي أو الإلغاء

تاريخ النشر : الثلاثاء ١٠ أبريل ٢٠١٢

عبدالله خليفة



في سورة مكية يجلجل القرآن بنقدِ مكتنزي الذهب والفضة، وهذا النقدُ المعبرُ عن رفض الاكتناز يتحول إلى نقدٍ مطلقٍ لثمارِ قوى العمل وهي تخرجُ من السوق وتتجمدُ على شكلِ قوالبَ معبودةٍ. وهذا يتناقض مع واقع الفقر المدقع والعبودية، حيث المطلوب وجود شيء آخر، علاقةٌ مختلفة، مضمونٌ نضالي يظهرُ من بين المكتنزين والعبيد، نظام اجتماعي يجمع بينهما في مقاربة ضرورية.
في المرحلةِ المدنية تتشكل هذه المقاربة، والهجوم ضد الاكتناز يتبدل بالضريبة التي تخرج من المواطن نفسه من دون أن يزول هذا النقد كذلك، وتظهر الزكاة مرتبطة بمعنى أخلاقي روحي، يتوجه إلى مواجهة البقع الحادة من الفقر والعوز والبطالة، وفي العلاقات الاقتصادية العادية تظهر العلاقة الاقتصادية السياسية وهي الغزوات، وآثارها بإعادة توزيع الأموال على المقاتلين الذين هم في الغالب فقراء. وتغدو الفتوح إعادة توزيع للأموال على مستوى المنطقة، وتظهر طبقةٌ جديدة جنين للطبقة الوسطى المتحالفة مع العاملين، إلى أن تهيمن المُلكيةُ العقارية الكبيرة المسيَّسة في شكلِ الأراضي الصوافي المُختطفة من العامة إلى الخاصة،
يزول هذا التحالف الاقتصادي السياسي بعد نصف قرن، نظرا لزوال السلطة المعبرة عن ذلك التحالف.
تحول الزكاة لأمرٍ شخصي، وهيمنة القوى المتنفذة على المُلكيات العامة، وتغييب أهل الحل والعقد المميزين في العهد الإسلامي الأول بدلاً من استمرارهم عبر الانتخاب، وإيجاد فقه جزئي محدود لا يدرس ولا يعيد النظرَ في المسائل السابقة، وتكوين سياسات من تلك القواعد السابقة الذكر لهذه القوى التي هيمنتْ على المصائر طوال قرون، هذه السببيات كلها هي التي أنتجت الفرق المذهبية السياسية الراهنة.
عدم وجود الضريبة، وعدم وجود دستور يحدد طبيعةَ المُلكية العامة، وتوزيع فوائضها، وانتخاب مندوبين لإدارتها، وإيجاد سلطات تعاونية بين المالكين والعاملين تشكل السياسات من مواقع هاتين القوتين في نظام سياسي واحد تبادلي، كل هذه الأسباب أدت إلى ألف سنة من التجريب السياسي الذي تواجهه الأممُ الإسلامية مجدداً من دون أن تحسم أمورَها الجوهرية.
التحالف السياسي الاجتماعي بين المالكين والعاملين الجوهر الاجتماعي للسلطة الإسلامية المؤسّسة، يتم تجاهله عبر ذات الجزئيات الفقهية والشعارية المختلفة، لكن الجماعات الدينية السياسية لكل الأديان والطوائف في المنطقة لم تحدد هوياتها الاجتماعية، هي حين تكون سلطاتها فأي دولة سوف تشكل؟ وعلى أي مجموعة اجتماعية تقوم؟
تتشكل الحكومات والتنظيمات الدينية على أساس التعبير الاجتماعي المبهم، والتعبير عن الكل، فهل تستطيع أن تدافع عن أرباب العمل والعمال في الوقت نفسه ؟
سنغدو مرة أخرى في زمن سياسي يلتهم الملكيات العامة ويوسع الملكيات الخاصة لحساب فريق.
إن التعبير الحقيقي عن دروس تاريخنا هي استذكار تلك الدروس التي جرت خلال ألف سنة، وتكوين التعاون الاجتماعي، لكن هذا غير ممكن الآن، لأن العاملين مغيبون بأجسادهم وجماعاتهم النقابية والسياسية، والمالكون هم الذين يتصارعون عبر فئاتهم الكثيرة.
إن دروس التاريخ هي في هذه المسائل المحورية وليست المسائل الجزئية المنتزعة من قلب المشهد الرئيسي الحاسم.
تغييب العاملين من السلطات الجديدة والقديمة وتضخم الاكتناز وتحوله إلى شركات عملاقة في الخارج وجبال من العملات المتآكلة، وجلب عمالات هزيلة الأجور لعدم تشغيل عمالات مهمة، وعدم حل مشكلات الفقر والأرض في الأرياف واستمرار تحجيم النساء، سيؤدي إلى تكرار الربيع العربي ليكون عندنا ربيعٌ أول وثان وثالث.
صار الاكتناز إفلاس وأزمات مساكن وثورات دامية واستغلال لأصوات العاملين ثم تغييبهم وتكرر الجماعات الدينية أخطاء الدكتاتوريات السابقة نفسها على الميراث الإسلامي غير المفهوم لها.
ولا يستطيع المالكون الدينيون هذه المرة أن يعبروا عن العامة العاملة.