الجريدة اليومية الأولى في البحرين


بالشمع الاحمر


رسائل عزت الدوري..!

تاريخ النشر : الثلاثاء ١٠ أبريل ٢٠١٢

محمد مبارك جمعة



عزت الدوري، نائب الرئيس العراقي الراحل، على قيد الحياة..! الرجل لم يمت بالسرطان ولم يقتل كما أشيع عنه، ويبدو أن التسجيلات الصوتية التي أذيعت له كانت حقيقية، حيث ظهر قبل يومين في تسجيل فيديو حديث، وألقى كلمة بمناسبة «ذكرى تأسيس حزب البعث»، ووجه عدة رسائل في اتجاهات مختلفة، وكانت الرسائل مثيرة بقدر إثارة ظهوره على الشاشة من جديد.
مدة الكلمة تجاوزت ساعة، وقد جلست واستمعت إليها كلها، ووجدت أن المكان الذي تم بث الكلمة منه يوجه هو الآخر رسائل معينة، ربما أكثر بكثير من الرسائل التي احتوتها كلمة الدوري. أولاً، وكما قلت منذ قليل، فالكلمة كانت متلفزة بوضوح، ولم تكن مجرد تسجيل صوتي، وقد ركز المصور بين اللحظة والأخرى على وجه عزت الدوري وملامحه عن قرب، كي يتثبت المشاهد من أنه هو نفسه وعينه، وليس شبيهاً له. ثانياً: ظهر الدوري ببدلته العسكرية المعتادة، وعلى نفس الهيئة التي شاهدناه فيها قبل غزو العراق، وكأنه يقول إنه لا يزال في نفس الموقع السياسي والعسكري الذي كان فيه منذ الغزو. ثالثاً: ظهر من خلف عزت الدوري عدد من الحراس، يقفون بثبات، ورتبهم العسكرية مختلفة، ويتضح ذلك من لون بدلاتهم العسكرية، وفي أغمادهم الجلدية أسلحتهم، على الأغلب مسدسات عيار 8 أو 9 ملم، والقصد بالتأكيد من هذه الصورة القول بأن عزت الدوري يتمتع بحراسة مشددة ولصيقة، وينعم بالأمان. ثالثاً: هيئة المكتب الذي كان يجلس فيه الدوري معدة بشكل يوحي بأنه في العراق، أو هكذا يراد للمشاهد أن يفهم، وخصوصاً العلب الخشبية الموضوعة على المكتب، إذ تحمل تصميماً لا وجود له إلا في سوريا أو العراق، رغم أن موقع التصوير هو بكل تأكيد من خارج العراق.
المهم، أن جميع هذه العناصر توجه رسائل معينة، ناهيك عن توقيت ظهور الدوري نفسه، في غمرة الأحداث التي تشهدها المنطقة العربية، ليلقي كلمة مليئة هي الأخرى بالرسائل، كان أهمها التحذير من الهيمنة الإيرانية على العراق، والإشارة إلى ما أسماه بـ«المؤامرة الأمريكية الصفوية»، حيث صب جام غضبه هنا، وأمضى وقتاً طويلاً من كلمته وهو يحذر من إيران ومشروعها في المنطقة العربية، ومن ثم إشادته بالعاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز، بالاسم والمسمى، وكذلك حديثه عن الثورات العربية، وتأييده لها وللثائرين، رغم تصريحه الواضح بمعارضة ما أسماه «تجييش الجيوش» ضد سوريا.
إن استمعت إلى خطاب الدوري من بدايته سيخيل إليك بأنه في مكان ما في العراق، ثم إن استمعت إليه أكثر فستقول ربما هو في سوريا، وإن استمعت إليه أكثر فستعتقد أنه في مكان ما في الخليج، وحينما تنتهي من الاستماع إلى كل كلمته، ستختلط الأمور جميعها، ولن يكون من السهولة تحديد موقعه، لأن الرسائل والإشارات الواردة في كلمته متناقضة ومتضادة ومن جميع الاتجاهات، غير أنه ليس من الخفي نداء الدوري في خطابه الذي كساه بصبغة «قومية عربية إسلامية»، إلى العراقيين، داعياً إياهم إلى التحرك في الداخل العراقي.
وعلى أي حال، فإن ظهور عزت الدوري، نائب الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، في حديث مصور ومتلفز، ربما يكون الحدث الأبرز في هذا العام 2012، فما هو معناه؟ وما الذي قد يأتي من خلفه؟