الجريدة اليومية الأولى في البحرين


دراسات


سوق الطاقة العالمية وضرورة التكامل الخليجي

تاريخ النشر : الثلاثاء ١٠ أبريل ٢٠١٢



في ضوء التغيرات الإقليمية والعالمية التي تلقي بظلالها على المشهد العالمي لأسواق الطاقة، التي أصبحت تتسم بتطور ديناميكي متسارع متأثرة ليس بعوامل السوق التقليدية من عرض وطلب فحسب، بل أيضًا بعوامل أخرى اكتسبت دورًا متزيدًا خلال السنوات الأخيرة،ـ فقد أتاحت فرصا وفرضت تحديات على الدول المنتجة والمصدرة للنفط وعلى رأسها دول مجلس التعاون الخليجي المصدرة للنفط؛ التي أثرت تقلبات السوق النفطية في صناعتها النفطية إنتاجًا وصادرات وإيرادات، وبالتالي في استراتيجيات التنمية والرفاهية بها.
فمن المعروف أن دول مجلس التعاون الخليجي لها دور بارز ومهم في التأثير في السوق النفطية بفضل ما تمتلكه من احتياطيات نفطية وغازية هائلة وباستحواذها على جزء كبير من الإنتاج العالمي، فهي تزود العالم بربع احتياجاته النفطية ونحو 20% من الغاز الطبيعي، وتمتلك نحو 40% من احتياطيات العالم من النفط ونحو 15% من الغاز الطبيعي، فالمملكة العربية السعودية تتصدر دول العالم من حيث احتياطي النفط؛ إذ تستحوذ على ما نسبته 38,7% من الاحتياطي العالمي، والكويت 14,8%، والإمارات 14,3%، وقطر .3,7
في حين تحتل قطر المرتبة الثالثة عالميا من حيث احتياطي الغاز الطبيعي؛ حيث تستأثر بنسبة 46,3% ثم السعودية بحصة 14,5% فالإمارات بحصة 11,1% والكويت بـ 3,3 وعمان 1,7%، كما تحتل دول الخليج العربي المراتب الأولى عالميا من حيث العمر الافتراضي لكل من النفط والغاز الطبيعي.
ومن زاوية أخرى استأثرت السعودية بالجزء الأكبر من إنتاج الدول العربية والخليجية من النفط، الذي وصل خلال عام 2010 إلى نحو 8,1 ملايين ب/ي ما يمثل 38,3% من الإنتاج العربي وما نسبته 11,3% من الإنتاج العالمي، تليها الإمارات والكويت اللتان وصل إنتاجهما إلى 2,3 مليون ب/ي أي بحصة 10,9% من الإنتاج العربي ونحو 3,2% من الإنتاج العالمي لكل منهما، كما تمكنت صغريات الدول المصدرة للنفط من تعزيز قدراتها الإنتاجية في الآونة الأخيرة؛ حيث نجحت البحرين في رفع مستوى إنتاج حقل البحرين المحلي من نحو 30 ألف برميل يوميا في 2009 إلى 32 ألفًا في 2010 وصولاً إلى 66 ألفًا في 2014، وبدورها تمكنت عمان من رفع مستوى الإنتاج من 710 آلاف برميل يوميا في 2007 إلى 900 ألف برميل يوميا في .2011
كما ارتفع إنتاج الدول الخليجية من الغاز الطبيعي المسوق ـ الذي لا يشمل الكميات المعاد حقنها والمحروقة منه ـ حيث استحوذت قطر على 20,5% من الغاز العربي والسعودية على 18% والإمارات على 11,2% وعمان على 5,6%.
حقيقة الأمر، ان هذا الوضع المتميز للدول الخليجية في سوق النفط يضع على عاتقها تجاه شعوبها مسؤوليات جساما تتمثل في ضرورة تنمية قطاع الطاقة المحلي واستغلال مواردها الاستغلال الأمثل في تنمية اقتصاداتها التي يشكل النفط ثلاثة أرباع إيراداتها وصادراتها، وثلث الناتج المحلي الإجمالي لها.
وقد لعبت تلك الثروة الناضبة دورا أساسيا في تطوير اقتصاداتها، سواء من خلال تمهيد السبيل لبناء قاعدة صناعية متطورة في قطاع التكرير والبتروكيماويات، أو من خلال الدور الذي تلعبه الإيرادات البترودولارية في الإنفاق على النشاطات الاقتصادية والاجتماعية التي تؤثر بدورها في الاستثمار والاستهلاك وتوفر النقد الأجنبي وما يترتب عليه من زيادة الواردات من السلع الرأسمالية والوسيطة والاستهلاكية، وإفساح المجال أمام زيادة حجم الإنفاق العام الخليجي، الذي نما بنسبة 32% في عام 2011، وهو ما أدى إلى تنشيط الأوضاع الاقتصادية في دول المجلس كافة، وهو ما بدا جليا من خلال رفع قطر قيمة النفقات العامة في موازنة عام 2011/2012 إلى 139,93 مليارا مقابل 67،15 في ميزانية عام 2006-.2007 وبدورها، قررت السعودية تخصيص مبلغ قدره 130 مليار دولار بغية الصرف على مشاريع تنموية واجتماعية مختلفة وتوفير فرص عمل لعشرات الآلاف من المواطنين.
وعلى هذا الأساس، فهناك علاقة طردية بين تطورات الأوضاع في القطاع النفطي من جهة، والأداء الاقتصادي الخليجي من جهة أخرى، فبفضل ارتفاع مستويات الأسعار العالمية وتعزيز الإنتاج النفطي الخليجي رفع صندوق النقد الدولي مستوى النمو الاقتصادي لدول مجلس التعاون الخليجي من 5,2% إلى 7,8% لعام 2011، كما توقعت الأمانة العامة لاتحاد غرف دول مجلس التعاون الخليجي استمرار الأداء الإيجابي لهذه الاقتصادات خلال عام .2012
وفي سياق تلك الصورة الوردية التي يلعب قطاع النفط الخليجي على المستويين العالمي والمحلي الدور الرئيسي فيها، فإنه في الحقيقة ل مازالت السياسة النفطية الخليجية تفتقد التكامل والتعاون؛ حيث إن مشاريع تطوير وتنمية الصناعة النفطية تتم بصورة فردية، وليس من خلال خطة خليجية عامة؛ حيث انطلقت في الإمارات أعمال حفر استكشافية في امتياز الشارقة البري المسمى «المدام ـ الند» الذي تقوم به شركة نفط الهلال بالتعاون مع شركة «روز نفط» الروسية، كما تم في السعودية توقيع عقد مع شركة «جي إي إنرجي» تقوم بموجبه الشركة بتجهيز معدات تسهم في تطوير إنتاج النفط في حقل شيبة، كما وقعت الكويت مع شركة «شل» عقدًا تقوم الشركة بموجبه بتقديم الدعم الفني لتطوير حقول الغاز المكتشفة في شمال البلاد.
وفي السياق ذاته، تركز السعودية في تطوير قدرات التنقيب والإنتاج، بحيث تبني مصفاتين باستثمارات تصل إلى نحو 10 مليارات دولار، بهدف المحافظة على السعة الإنتاجية للمملكة عند 12 مليون برميل يوميا. أما قطر التي نفذت في العقد الماضي برنامجاً مكثفاً لزيادة إنتاج الغاز الطبيعي المسال، جعلها أكبر مصدر له في العالم، فأطلقت مشاريع لتسييل الغاز وتنقيته، لبلوغ هدفها المتمثل في إنتاج 77 مليون طن في السنة مع نهاية عام 2012، فيما تخطط الكويت إلى تطوير مشاريع قيد الإنجاز في حقول نفط شمال البلاد، باستثمارات تقدر بـ 14 مليار دولار؛ ما يرفع معدل احتياطي النفط الثقيل ويحسن مستوى السعة الإنتاجية.
وكما كانت عمليات توسيع الطاقات الإنتاجية تتم بشكل منفرد، فإن توسيع الطاقات التصديرية تخرج إلى حد ما عما هو متفق عليه في منظمة «الأوبك»؛ حيث تتخذ الدول الخليجية قراراتها بتحديد مستوى الإنتاج بناء على المتطلبات والتغيرات في السوق العالمية، وليس بناء على خطط موضوعة مسبقة؛ فبينما ترى الدول المنتجة، وعلى رأسها السعودية، أن الارتفاع الحالي في الأسعار لا علاقة له بالكمية المعروضة من النفط الخام، وأنه يعود إلى المضاربة في البورصة، والاستهلاك المفرط للنفط، وأنه من جانبها تضع على رأس أولوياتها التنموية ـ وخاصة دول الخليج العربية ـ الاستثمار في المنشآت النفطية الجديدة مثل حقول النفط ومعامل التكرير وإيجاد بدائل أخرى ـ ترى الدول المستهلكة الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة واليابان، أن الارتفاع في الأسعار سببه نقص المعروض من النفط الخام عن ملاحقة الطلب المتزايد، وأن الحل الوحيد لحل تلك الأزمة يكمن في زيادة العرض، لذا اتخذ بعض الدول الخليجية قرارًا بزيادة إنتاجها النفطي أثناء توقف الصادرات الليبية، كما أبدت استعدادها لتعويض أي نقص في العرض العالمي في حالة توقف الإنتاج النفطي الإيراني، بسبب العقوبات المفروضة على طهران واحتمالية شن حرب أمريكية إسرائيلية ضدها.
وعلى الرغم من النيات الخليجية الحسنة؛ حيث ترفض أن تصل الأسعار إلى مستويات قياسية في حالة نقص المعروض لذا تلجأ باستمرار إلى سد أي نقص من أي دولة مصدرة، فإن ذلك يتم على حساب حجم احتياطياتها المقدرة التي تعطي لها تلك الميزة النسبية في السوق العالمية، ولاسيما أن معادلة الدول المستهلكة تقوم على تحقيق أعلى معدلات النمو الاقتصادي والرفاهية اعتمادًا على وفرة وسلاسة استنضاب النفط الخام بأكبر معدل ممكن ولأطول فترة ممكنة، كما أن سياساتها تتسم بالغموض، بل تستخدم النفط الخليجي في إداراتها مشاريع لإنتاج مصادر طاقة بديلة للنفط، بغض النظر عن تأثير ذلك في حجم احتياطياته، ولأن النفط الخام مورد غير متجدد، فإن إطلاق تقارير من قبل منظمات دولية ذات صلة عن قرب وصول الإنتاج إلى ذروته التي بعدها يستقر الإنتاج عند حد معين ثم يبدأ الانحدار، كان من شأنه أن يدفع كل دولة من كبار المستهلكين إلى تكوين رصيد احتياطي استراتيجي في أراضيها للإبقاء على معدلات الاستهلاك الحالية لأطول فترة ممكنة، وإذا كان التوازن بين هاتين المعادلتين يقتضي ترشيد استهلاك الطاقة، وتخفيض محتواها في معدل نمو الناتج، والتوسع في نشاط تكرير النفط، ووضع معايير لوقف المضاربة في البورصات على العقود المستقبلية، فإن تحقيق استقرار السوق النفطية يتطلب تحييد منطقة الخليج في الصراعات الدولية، وعدم خضوعها للهيمنة من قبل أي قوة دولية أو إقليمية، حتى أصبح بل من المحتمل أنه مع الوقت قد تتحول دول مجلس التعاون الخليجي إلى دول مستوردة للطاقة؛ إذا استمرت في إعطاء الدول المستهلكة ما تريده من النفط من دون تقنين.
فلعقود ظلت دول الخليج تنظر إلى الغاز الطبيعي كمنتج ثانوي لإنتاجها النفطي، فكانت تحرق جانبًا كبيرًا منه أو تبيعه بأسعار رخيصة إلى الصناعات المحلية، لكنه أصبح الآن سلعة مطلوبة بشدة في المنطقة على مدى السنوات العشر الأخيرة، وهو ما اضطر عددا من الدول الخليجية المجاورة لأكبر حقل للغاز الطبيعي في العالم إلى استيراد الغاز بالسفن من موردين بعيدين؛ حيث إنه قبل فترة طويلة من إنفاق مليارات الدولارات على بناء أكبر مجمعات للغاز الطبيعي المسال في العالم لتصدير الوقود بدأت قطر التباحث مع شركائها الخمسة في مجلس التعاون الخليجي بشأن فكرة إنشاء شبكة لتقاسم الغاز بغية دفع النمو في المنطقة، لكن بعد عشر سنوات من ذلك فإن ما تم تشييده بالفعل لا يعدو خطًا واحدًا غير مستغل بالكامل، في حين كان يمكن لتقاسم احتياطيات الغاز القطرية الضخمة أن يتيح لمجلس التعاون الخليجي حلا لمشاكل المعروض، وأن يساعد على تحقيق التكامل بين اقتصادات الدول الأعضاء وهو أحد أهداف المجلس.
وفي واحدة من أبرز عجائب التجارة العالمية أوضحت وثائق ويكيليكس وصول شِحن غاز طبيعي مسال قطرية إلى شمال غربي أوروبا، ثم جرت إعادة تحميلها وشحنها إلى الخليج لتقطع أكثر من 26 ألف كيلومتر؛ لأن الأسعار المعروضة في الخليج كانت أعلى في ذلك الوقت.
وإضافة إلى ذلك، فإنه رغم التطور في صناعة النفط والغاز الطبيعي بها، فإن المشاريع الخليجية المشتركة حاليا تتمثل في مشروع واحد هو مشروع «دولفين» لنقل الغاز القطري إلى الإمارات، كما تم توسيع المشروع ليصدر بعض الكميات من الغاز القطري إلى عمان، فضلاً عن خطوط الغاز التي تربط كلا من قطر والبحرين، ويعتبر هذا المشروع أهم ما تحقق في مجال الغاز في دول مجلس التعاون، بل أهم المشاريع الإقليمية في المنطقة في مجال الغاز الطبيعي.
فإن التكامل الخليجي في مجال النفط والغاز، مطلوب لا محالة؛ بحيث يتم التوازن بين زيادة إنتاج الطاقة والاستخدام الكفء لاحتياطيات الطاقة، وكذلك الاهتمام بالتكنولوجيات الجديدة الواعدة بتغيير أساليب إنتاج واستهلاك الطاقة. كما يجب على دول التعاون الخليجي أن تدعم التعاون فيما بينها لتنمية مصادر أخرى للطاقة، والتوصل إلى تكنولوجيات كافية للطاقة وبدائل أقل تلويثًا وكلفة، وذلك لتقليل التوترات الدولية وللترويج للأمن الخليجي للطاقة.
من ناحية أخرى، قد يساعد التكامل على تخفيض الكلف، من خلال تنسيق السياسات النفطية بجميع مراحلها من استخراج وتكرير وتسويق وتصنيع وتسعير، وذلك كما هو الحال في المشاريع الجديدة التي يقوم بها القطاع الخاص لتسييل الغاز الطبيعي، والتي تتجه نحو التكامل العمودي، بحيث إن شركات توزيع الغاز في بلد مستورد للغاز الطبيعي المسال تقوم بالاستثمار في منشآت التسييل، ومنتجو الغاز يقومون بالاستثمار في مرافئ التسلم وإعادة تبخير الغاز، وفي عمليات التكرير ومعالجة الغاز.
لذا لابد من التأكيد أن التعاون في السوق النفطية هو السبيل الوحيد لتحقيق استقرارها، بحيث يتم:
ـ تحسين حالة الشفافية في الأسواق المالية والتشريعات المتعلقة بها عبر العديد من الإجراءات التي تهدف إلى إتاحة المعلومات والبيانات الخاصة بأنشطة مؤشرات الصناديق المالية، ومن أجل التعرف على التعاملات البينية وتداخلها بين الأسواق النفطية الآجلة.
ـ تحسين المعايير الخاصة بجودة البيانات والمعلومات الصادرة عن «مبادرة بيانات النفط المشتركة» الشهرية وتكاملها ونشرها في الأوقات المطلوبة.. ومن أجل زيادة مستوى الجودة فيما يتعلق بشفافية السوق واستقرارها، فإن المشاركين يدعون المنظمات السبع المشاركة في «مبادرة بيانات النفط المشتركة» (منظمة التعاون الاقتصادي في آسيا، والمحيط الهادي والمكتب الإحصائي التابع للاتحاد الأوروبي، ووكالة الطاقة الدولية، ومؤتمر الطاقة الدولي، ومنظمة الطاقة في أمريكا اللاتينية، ومنظمة الدول المصدرة للبترول، وإدارة الإحصاءات في الأمم المتحدة) لبدء العمل في تجميع بيانات سنوية تتضمن ضمن أمور أخرى الطاقة الإنتاجية وطاقة التكرير وخطط التطوير في كل منها.
ـ زيادة التعاون بين الشركات العالمية والوطنية وشركات الخدمات في جميع الدول المنتجة والمستهلكة في مجالات الاستثمار والتقنية وتنمية الموارد البشرية.
ـ تعزيز كفاءة استخدام الطاقة في جميع القطاعات عبر انتقال المؤشرات المتعلقة بأسعار السوق ونقل التقنية وتبادل أفضل الممارسات والتطبيقات في مجالات إنتاج مصادر الطاقة واستهلاكها.