الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٣٧ - الأربعاء ١١ أبريل ٢٠١٢ م، الموافق ١٩ جمادى الأولى ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

قضايا و آراء


هل دور شيوخ الدين الوعظ والإرشاد فقط؟





يستشعر الجميع ما يترتب من أضرار على الاقتصاد وانعكاساته على المواطن نتيجة ما تعيشه الأمة من جمود في المشهد السياسي وعدم تقدم ملموس في تقديم الحلول. هناك حديث عن حوارات او مفاوضات تتم بين أطراف قد تثمر وقد لا تثمر، ويبقى الترقب سيد الموقف. في الوقت نفسه تقوم الحكومات بمحاولات لإعلان مبادرات او توجيه بمشاريع أو تحرك نحو تنويع مصادر الدخل الذي كان يراوح مكانه منذ عقود، ولكن الشارع التجاري والاستثماري حتى المواطن العادي لم يتزحزح وثابت في حذره وتوجسه وقلقه على المستقبل.

ما يثير الشفقة في هذا المشهد هو وضع شيوخ الدين - في العالم العربي بأسره- الذين يستخدمون المنابر إما لرفع درجة الغليان وإما لاسداء النصح لعامة الناس وخاصتهم بالتحلي بالقيم الإنتاجية والإبداعية كأن لدى المواطن مفتاحا يحركه لكي يتحول من خائف وتابع ومتخاذل ومُتكل إلى مقدام ومبدع ومنتج ومبادر، متجاهلين انهم اسهموا، وعلى مدى عقود من الزمن، في تكريس ثقافة فردية تدعو إلى التواكل والصبر على البلاء، وثقافة مجتمعية أريد بها لهذه الأمة ان تقبل بما يُمنح لها وان تنتظر الامتيازات والعطايا والسمع والطاعة.

في مجتمعاتنا العربية يحظى شيوخ الدين بمكانة خاصة في وجدان الناس كما لهم حظوة لدى الحكام والحكومات، وكان يجب عليهم استغلال هذه المكانة للقيام بخدمة المجتمع كما أمر الدين الإسلامي من إقامة العدل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد لنصرة الحق. غير ان معظمهم ارتضى بما قسمه له الحاكم، بل ضيق على نفسه أكثر مما يطالبه به القانون الوضعي، في الوقت الذي يقرأ هو نفسه في القرآن الكريم «قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا». فتزعزع إيمان الناس بهم وفقدوا الكثير من سلطتهم الروحية والأخلاقية. أمامهم الآن فرصة تمنحها لهم الأوضاع العربية المأزومة ان يستعيدوا بعض ما فقدوه بأن يقفوا مواقف مشرفة في المساهمة في إعادة بناء منظومة أخلاقية على مستوى الأمة وعلى المستوى القطري.

لا يختلف الأمر كثيرا بالنسبة إلينا؛ فحال شيوخ الدين كما هو الحال في الدول العربية الأخرى تقاعسوا عن دورهم، معظمهم طواعية، وتركوا الأمة تتمرغ في خلافاتها بل اسهموا في اذكاء هذه الخلافات العقَدية التاريخية، بعضهم عن جهل، واسهموا في جعل هذا الاختلاف العقدي قضية مصيرية قسمت المجتمع إلى فئات متناحرة ترفض حتى الاتفاق على ما هو مصلحة وطنية مشتركة.

اليوم شيوخ الدين أكثر من غيرهم من فئات المجتمع مطالبون بأن يكونوا أكثر ايجابية في حل الأزمة السياسية. نطالبهم بذلك ليس تحاملا ولكن لانهم يمثلون قيادات سياسية في المجتمع. هذا يعني ان دور عالم الدين لم يعد مقصورا على ما يقوله في المنبر بل عليه ان يقدم حلولا سياسية وبرامج عملية تعكس خُطبه للناس أيام الجمعة، وتعالج القضايا التي يطرحها على منبر رسول الله من فساد واستباحة المال العام والمحسوبية وغيرها من أمراض المجتمع التي أسهم في نشوئها بسكوته المزمن.

الكثير من شيوخ الدين يتصدرون المشهد السياسي وتقع على عاتقهم مسئولية التحاور وإيجاد الحلول للأزمة الراهنة والمشاركة في التنمية. لذلك نناشدهم ألا يقتصر دورهم على منع الخمور والحفلات الغنائية والبرامج الثقافية والتدخل في أمور خاصة تركها الله للعباد «إِنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِللا عَلَيْهَا وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ» (الزمر ٤١).

ان تشبث شيوخ الدين بملاحقة شئون الناس الخاصة وترك ما هو أهم، وهو إصلاح المجتمعات وإقامة الحق الذي انزل الله الأديان لاحقاقه، هو تخل عن دورهم وخذلان للأمة والمساهمة في افسادها وخرابها.

اليوم على شيوخ الدين الذين اختاروا مقاعد السياسة والقيادة ان يدركوا ان مهمتهم هي إصلاح المجتمعات وتحقيق طموحاتها وتنميتها ورخائها وتقدمها، وهذه هي أولويتهم وهو عملهم الأساسي وليس متابعة سلوك الأفراد وتمزيق المجتمع مذهبيا والتمترس الطائفي الذي ينظر إلى مصلحة فئة من دون أخرى. عليهم ان يدركوا كذلك ان إصلاح المجتمعات لا يتم من خلال الوعظ والارشاد عن كيفية الحفاظ على المال العام من على المنابر، وبيان حرمته على الحاكم والمحكوم فهذا لا يحقق للمجتمع تطلعاته ولا يسهم في تنميته، بل من خلال إصلاحات دستورية وقانونية وإدارية، ومن خلال أدوات لتشديد الرقابة على المال العام ومتابعة اداء السلطات التنفيذية والقضائية والإعلامية وترشيد سلوكها بما يخدم المجتمع.

ان إصلاح المجتمع يبدأ بحرية الرأي وحرية التفكير، وليس بالحجر على المواطن في كيف يفكر وماذا يشاهد وماذا يقرأ، فهذه مخالفة صريحة لتعاليم ديننا الحنيف الذي حرر الإنسان لكي يُمتحن في هذه الحياة.

اليوم شيوخ الدين أكثر من غيرهم من فئات المجتمع مطالبون بالنهوض بالأمة ليس من خلال سن القوانين المكبلة للحريات الفردية والعودة بها إلى القرون الوسطى، بل باتباع الدين الحق الذي أتى لإقامة العدالة ونصرة المظلوم وتكريم الإنسان وحرية الكلمة ومحاربة الفساد ومن خلال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأخيرا نقول لهم: ان العمل السياسي يقوم على المحاسبة والمساءلة والرقابة من خلال مؤسسات دستورية، فأين مشاريعكم التي تمنع ذلك وأين نضالكم لتحقيhb.moc.ocletab@itiawukm



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة