الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٣٧ - الأربعاء ١١ أبريل ٢٠١٢ م، الموافق ١٩ جمادى الأولى ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

لآلى متناثرة


مي.. وما أدراك من مي؟!





يقال إن العارف لا يُعرَّف.. ولأنك لست بعارف أيها النائب سأعرفك أكثر على مي بنت محمد آل خليفة كإنسانة قبل أن تكون وزيرة للثقافة تم اختيارها واصطفاؤها لأنها تميزت بما يفتقر إليه الكثيرون.

فمن هي (الشيخة مي) في كلمات؟

المثقفة، النابهة، الأديبة، صاحبة العزيمة والإرادة.. أعرف أنك والآخرين تعرفون هذا كله.. (وأعرف أنك تعرف أنني أعرف أنك تعرف وتتجاهل).. ولذا سأفيدُ في مقالتي ببعض صفاتها التي غابت عنكم.

وإليك بعض الغيض من الفيض..

لم تعرفها في بساطتها وتواضعها وهي بيننا لا تتنافس في المجالس على الصفوف الأولى بل ولطالما جلست في مركز جدها الثقافي بين الصفوف تُعلم وتتعلم، تفيد وتستفيد، مي آل خليفة التي تحيي كتحايا السابقين بكل الود والاحترام وتنزل الناس منازلهم، لبست في قلبها أثواب الوقار والأدب وتشربت العلم، وليس كما يلبس البعض الدين (جلباباً)!

لماذا أفردت لها مقالتي؟

سأجيبك فلا تتعجل.. بينما أنتم تشنون حرباً عليها (وتلتقطون وتتصيدون عليها الزلة والهفوة) كنت أراقب من بعيد فلست في وسط دائرتكم (لأن كل من يقع في وسطها يراها باتجاه واتساع محدود) أما أنا وغيري خارجكم فنطالع بلا حدود كمن يراقب من الجو فيصغر كل ما تحته في عينه، بل يراه على حقيقته الخالصة.

ولأن النصيحة كالصدقة لا تكون إلا في السر..

فاتكم أن تعرفوا أن النصيحة التي تقدم في العلن هي نفاق تام! ولنعد في ذلك إلى النهج المحمدي، الذي لو كان صاحبه فظاً غليظ القلب لانفظوا من حوله! الذي ما انتهج إلا اللين والرحمة والحكمة «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة» يدعو بها الناس للهداية وسبل الرشاد.. الرشاد الذي دعوتم إليه في مجلسكم بالصراخ والاستهزاء والسخرية (والاستئساد) على امرأة وقفت تخاطب أربعين رجلاً!

ولأن معالي الشيخة الأديبة مي بنت محمد آل خليفة عزيزة..

لأن لها مكانتها الخاصة في عائلتنا كتبت مدافعة عنها لأنها تستحق.. ولأن الكلمات التي مستها مست كل فرد منا.. ولأنني اعتبرها قدوة.. ولأنها كافحت سنوات ووضعت بصمات على وجه البحرين ووَثقت لتراثها وتاريخها، كتبت لها ما يليق.. ومن باب أدب الحديث (أن أنزلوا الناس منازلهم) وهي حكمة بالغة ليت البعض يتنبه إليها.

مرّ بي فيما مضى.. أنْ عامل الناس بأخلاقك أنت.. وقد عاملتم هذه المرأة بأخلاقكم في ذلك اليوم، والمعادن ظهرت مكشوفة على حقيقتها.. فسرني أن كتبت عن معالي الوزيرة هذه المقالة، وأعرف أن المغفور له جدها الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة الذي أتيتم إلى ذكره في مجلسكم النيابي المحترم كان سيقول يومها (الرجال لا يخاطبون امرأة) وإذا خاطبوها (حشموها) وما أظنكم حشمتم أحداً! وربما هذا هو ما عنته في كلمتها الأخيرة أثناء خروجها.

تربينا في البحرين على أن (الريال ما يغلط ولو المره اغلطت) وتربينا (على أن الريال يثبت في كل المواقف) وأنه حين يخاطب المرأة (لا يخاطبها كخطاب الرجل للرجل) لكن ما رأينا منكم في ذلك الحوار الذي (استأسدتم) فيه كان بعيدا كل البعد عن عاداتنا البحرينية التي من الواضح أنها طمست عند البعض مع الزمن!

لماذا اسميتموه عناداً؟؟

العناد الذي وصفتموها به، لماذا لم تضعوا احتمالا واحدا (على الأقل) أن يكون ثباتا على المواقف؟ أن يكون شيئا سوى العناد، أن يكون إصراراً وليس تحديا.. قناعة وليس غروراً.. لا أدري بأي منطقٍ تعقلون.. وفي رأيي المتواضع أن النائب يفترض فيه أن يمتلك عدة أمور مع (مُلكهِ زمام نفسه) منها شهادات عليا مؤهلة.. خبرة وسيرة حافلة تسمح بمزاولة العمل البرلماني.. أن يكون ذا عقلية ومنطق يشرف البلد إعلاميا.. وأن يكون عارفا بالزراعة!

نعم بالزراعة..

فمن يعرف كيف يغرس لن يرضى بأن يقتلع وسيتعهد النبتة ويصبر عليها الشهور بل السنوات الطوال حتى تؤتي أُكُلها.. سيفرق بين الصالح والطالح من الأرض والبذور.. سيعرف بالمواسم وأسماء الرياح وأوقاتها والأمطار ومقاديرها ووصوفها.. سيغرس هنا وهناك ما سينتفع به الناس في أيامهم ومعايشهم.. وفي عمله (البرلماني) سيقدم الأهم قبل المهم.. سيعالج القضايا الأكبر قبل أن تشعل الشرارة الواحدة الأرض بمن عليها.. يُخيل إلى أن مناقشة قضايا (المرحلة الحاسمة الصعبة) التي يمر بها الوطن هذه الأيام أهم وأجدى.

ختاما.. معالي الشيخة مي آل خليفة هي الأديبة والمثقفة الراقية الخلوقة والوزيرة بعد ذلك.. وبالمناسبة هي قدوتي الوحيدة بين رجال اقتديت بهم.. إن كنت لا تعرف!



.

نسخة للطباعة

مقالات أخرى...

    الأعداد السابقة