بين السطور
وجهان لعملة واحدة
تاريخ النشر : الأربعاء ١١ أبريل ٢٠١٢
صلاح عبيد
لا يفقه شيئا في السياسة من يظن أن ظاهرها كباطنها، أي أن ما يطفو على السطح منها ويظهر للعلن هو عين الحقيقة وأنه لا يوجد شيء مخفي عن عامة الناس، إذ أن السياسة هي فن التلاعب بكل الأطراف وخداعها لتحقيق الأهداف وجني الثمار. باختصار.. السياسة هي فن الكذب في أكمل صوره وأتم حالاته.
منذ اندلاع الحرب العراقية الإيرانية في بداية ثمانينيات القرن الميلادي المنصرم اعتقد العالم كله أن الولايات المتحدة الأمريكية تساند العراق ضد إيران في السر والعلن، حسبما زرعت وسائل الإعلام الصهيونية المهيمنة على الإعلام العالمي في عقول الناس جميعا واستطاعت انتزاع قناعة راسخة لدى الناس كافة أن إيران عدو الغرب الأول في المنطقة وأن هدف (تصدير الثورة) الذي جاء به الخميني بعد نجاحه في الإطاحة بنظام الشاه والاستيلاء على السلطة في إيران هو هدف عدواني على دول الغرب قبل دول الخليج العربية باعتبار المنطقة الخليجية إحدى أهم مناطق المصالح الغربية في العالم، لكن رغما عن أنف الساسة الأمريكان ووسائل إعلامهم الصهيونية انكشف النفاق الأمريكي للعالم حين ثبت بالدليل القاطع خلال عقد الثمانينيات أن حكومة الرئيس الأمريكي آنذاك (رونالد ريجان) كانت تزود إيران بالأسلحة سرا مثلما تزود العراق بالأسلحة علنا، وهو ما عرف باسم فضيحة (إيران جيت).
النفاق الأمريكي لم يتوقف أبدا عند حدود تلك الفضيحة، بل استمر التعاون الأمريكي الإيراني السري حتى احتلال أفغانستان ثم إسقاط النظام العراقي واحتلال أراضيه وتقاسم الأدوار فيها بين الأمريكان والإيرانيين، وما زال هذا التعاون مستمرا، فها هم الأمريكان يقدمون الدعم الغذائي الى نظام الملالي الذي يعلنون على الملأ تطبيق عقوبات اقتصادية خانقة عليه، بهدف إرغامه على التخلي عن برنامجه العسكري النووي، إذ نشرت وكالة أنباء (رويترز) يوم أمس خبرا جاء فيه أن «بيانات للحكومة الأمريكية أظهرت أن أول شحنة قمح أمريكي لإيران منذ نحو ثلاث سنوات على وشك الإبحار، في استئناف للتجارة الزراعية بين الدولتين المتنازعتين بشأن طموحات طهران النووية، وتم فحص الشحنة التي تزيد على 65 ألف طن للتصدير من ساحل الخليج الأمريكي الأسبوع الماضي، وهي الأولى ضمن ثلاث شحنات على الأقل تم التعاقد على شرائها منذ أواخر فبراير». وأضاف الخبر أن إيران «اشترت ما بين 2,5 مليون إلى ثلاثة ملايين طن من الحبوب من موردين من شتى أنحاء العالم على مدى الأشهر الماضية في محاولة لبناء مخزون غذائي في مواجهة عقوبات غربية مشددة تهدف إلى دفعها الى التخلي عن برنامجها النووي المثير للجدل». انتهى الخبر الذي لا أظنه بحاجة إلى أي تفسير أو تأويل، لأن معناه الواضح جدا هو أن الأمريكان يناصبون النظام الإيراني العداء في العلن، بينما هم يقدمون إليه كل الدعم في الخفاء، باعتباره الحليف الاستراتيجي لهم في مخططاتهم لتدمير المنطقة الخليجية بل والعربية بأسرها ونهب خيراتها والزج بها عنوة في أتون حروب أهلية وطائفية وعقائدية وقبلية وإثنية لا تنتهي.
إيران والولايات المتحدة الأمريكية وجهان لعملة واحدة مزيفة، ويجب على حكوماتنا وساستنا أن يتعاملوا معهما على هذا الأساس، ولا أظنني مخطئا لو قلت إن الواجب يحتم علينا فك ارتباط عملاتنا المحلية بالدولار الأمريكي، وفرض استخدام عملات أخرى في المعاملات النفطية والتجارية غير الدولار، وسحب كل استثمارات صناديقنا السيادية من الولايات المتحدة فورا لكسر اقتصادها والقضاء على قوتها الطاغية التي ستستخدمها ضدنا عاجلا أو آجلا، أما التهديدات الإيرانية لأمننا فمن الممكن مواجهتها بالتوجه نحو عقد تحالفات عسكرية واقتصادية مع دول كبرى متعددة مثل روسيا والصين والهند واليابان، فهي البديل الأكثر أمانا واستقرارا لدولنا وشعوبنا حاضرا ومستقبلا.
salah_fouad@hotmail.com