رسائل
بين التحكمات الداخلية والخارجية: مصير العراق.. هل يحدده البعثيون؟
تاريخ النشر : الأربعاء ١١ أبريل ٢٠١٢
بات العراق اللعبة السياسية التي يتحكم فيها العديد من الأطراف الداخلية والخارجية ذات الأفكار والأيديولوجيات المختلفة بشتى طوائفها، وعلى الرغم من العديد من الاجتماعات التي تتم بينهم لتقسيم هذه الكعكة، فإنها تبوء دائمًا بالفشل، لذا يمكن القول بعد فشل الأطراف الرئيسية في معادلة الحكم الجديد إنه من الصعوبة بمكان إيجاد نموذج مقبول من قبل المحتل الأمريكي ومن دول إقليمية مؤثرة في العراق، كما أن أكبر خطأ استراتيجي يتحمل وزره العراقيون القبول بمشاركة أعضاء من حزب البعث تم اجتثاثهم، في السلطة والبرلمان.. والسؤال المهم الآن إلى أين يسير العراق ومتى ستنتهي معضلته؟
أصبح من الصعب التفكيك بين مكونات الشعب العراقي، إلا أنه بسبب ظهور ما يسمى الطائفية والمحاصصة والقتل على الهوية الذي شارك فيه البعثيون بقوة من خلال اختراق تنظيمات إسلامية كالقاعدة حتى الحزب الإسلامي وغيرهما، وإيجاد البعثيين منظمات إسلامية مقاتلة، صار صعبا جدا التفريق بين من هو بعثي وغيره، حيث إن البعث أخذ يروج بقوة من خلال شخصيات فُـرضت على العملية السياسية، أو دخلتها لتنسفها، انتقامًا لسقوط نظام صدام حسين.
فقد اتهم نواب إسلاميون بأنهم يسلكون مسلك صدام حسين خلال التهديد بالقتل كما حدث للهادي المهدي الصحفي الذي قتل بكاتم صوت بسبب دعواته إلى التظاهر السلمي ضد الفساد، كما يؤخذ على المالكي الاستعانة بجيش من المستشارين يوجدون له الأعداء، ويحولونه إلى ديكتاتور حتى قبل أن يتهمه بذلك أيضًا نائبه صالح المطلك على شاشات الفضائيات.
كذلك اتهم القضاء العراقي نائب الرئيس طارق الهاشمي بالتحريض على عمليات قتل وإرهاب منها التخطيط لقتل رئيس الوزراء نوري المالكي، وهي قضية تعود إلى نحو ثلاث سنوات.
فالعلاقة بين الأطياف والأحزاب السياسية في العراق قائمة على المصالح المتبادلة فحكومة الشراكة الوطنية أو الوفاق السياسي قائمة على غض الطرف عن كل ما يعتبر في السياسة من المحرمات وخصوصا فيما طرح من اجتثاث البعث، إذا كانت النتيجة أن يُصبح المالكي رئيسًا للوزراء ويجلس إلى جانبه ألد أعدائه الفكريين والسياسيين نائبًا له لشئون الخدمات صالح المطلك برغم كل ما قيل عن ماضيه البعثي، وكذا الحال مع طارق الهاشمي وظافر العاني الذي يدافع علنًا عن منظمة مجاهدي خلق الإيرانية، ويشارك في اجتماعاتها مع أنها مدرجة أمريكيا ولدى الاتحاد الأوروبي على قائمة المنظمات الإرهابية، كذلك غض الطرف عن دخول بعثيين مخلصين لصدام في لجنة الأمن والدفاع في مجلس النواب، التي نجح بموجبها طارق الهاشمي في تعيين المئات منهم في المواقع الأمنية والعسكرية الحساسة كما كشفت وثائق مراسلاته الرسمية مع وزارتي الدفاع والداخلية.
وتحت ذريعة عجز القائمة الفائزة في الانتخابات التشريعية الأخيرة عن تشكيل حكومة وحدها، لجأ الجميع إلى تحالفات لتكوين أغلبية برلمانية وتشكيل حكومة وفاق سياسي تجاوزت الدستور إلى ما أصبح يعرف باتفاق أربيل الذي تجاوز «اجتثاث» البعثيين من مفاصل الدولة ورفض دخولهم قبة البرلمان، ووفر بذلك غطاء لعودة البعثيين مجددًا إلى النظام بأشكال مختلفة، وصار من الطبيعي قبل خروج الاحتلال اندلاع أزمات بين المتصارعين على السلطة، إلا أن الراعي الأمريكي يتدخل لفض هذه النزاعات كما كان يحدث في عهد زلماي خليل زادة السفير الأمريكى السابق في العراق ومن سبقه ومن جاء بعده، كذلك حاول الراعي الأمريكي فرض التهدئة، وتجاهل بعض القضايا الشائكة مثل اغتيال أبناء السياسي السني مثال الألوسي زعيم حزب الأمة العراقي، واتهام وزير الثقافة آنذاك أسعد الهاشمي ابن شقيقة طارق الهاشمي بها وبغيرها من عمليات قتل لم تكشف تفاصيلها وتمت التغطية عليها رغم أن طارق الهاشمي اتهم أيضًا حينها بتهريب ابن شقيقة أسعد الهاشمي إلى الخارج.
وعلى الرغم من علم الجميع بأن الولايات المتحدة تعلم كل صغيرة وكبيرة في الأحداث وأنه لا يتم شيء بمنأى عنها فإن مع انسحابها أخذ القلق يتصاعد في المجتمع العراقي مع استمرار الفراغين السياسي والأمني حيث الوزارات الأمنية الدفاع والداخلية والأمن الوطني بلا وزير، وشهدت الأوضاع الاقتصادية ترديًا واضحًا، وتحول الاستياء الشعبي إلى غضب لدى الكثيرين، ووجد هذا تعبيره في حركات احتجاجية متنوعة، دفعت منذ وقت غير قريب، بالكثير من الناشطين إلى إطلاق دعوات لإسقاط العملية السياسية القائمة على نظام المحاصصة عبر المظاهرات السلمية، وتكثيفها في ساحة التحرير ببغداد رغم كل القمع الذي مارسته الحكومة مع سابقاتها، وقتل مهدي الهادي.
ويرى محللون أن العملية السياسية في العراق ولدت مولودًا مشوهًا كما أنها نمت وترعرعت في بيئة غير سليمة، وفي ظروف بعيدة كل البعد عن بيئتها العربية وبعدها الإسلامي الصحيح، بل جاءت هذه العملية بناءً على التحالف غير المقدس بين مصالح كل من الغرب المحتل وإسرائيل وبعض الجيران أصحاب المصالح الخاصة، إضافة إلى مخرجات ميتافيزيقية وخزعبلات عبدالله بن سبأ وبعده التلمودي من جهة أخرى. لذا لم يصبح العراق هو الدولة الآمنة المستقرة التي وعد بها جورج بوش الابن، قبل وأثناء الاحتلال، وأكده باراك أوباما بعد الانسحاب.
لأن ما يحدث اليوم بعد الخروج الأمريكى يمثل نذير شؤم على هذا الجزء العزيز من وطننا العربي، وإلا كيف نستطيع أن نستبشر خيرًا بالعملية السياسية في العراق، وبأمن واستقرار حاضر ومستقبل العراق، ونحن نرى مكونًا وحيدًا من مكونات الشعب العراقي، ينفرد بالسلطة مقصيًا- بلا وجل أو خوف أو حرمة للعقيدة والدم- شركاءه في العملية السياسية، وتحديدًا العرب السنة، معتمدًا على قوات الجيش والأمن ذات الهوية الطائفية المطلقة التي أسسها بريمر؟
ويضيف المحللون انه لابد للحكومة العراقية أن تكون مقيدة باعتبارات فقهية ودينية مستقلة عما يحدث في إيران الخاضعة لمبدأ ولاية الفقيه الذي يضع نفسه فوق القانون والدستور وهذا لا يمكن أن يحدث في العراق نظرًا إلى خصوصيته ولتجربته وطبيعة سكانه وتنوعهم الإثني والقومي والطائفي أو المذهبي، ومن الضروري أن تلعب المرجعية الشيعية والسنية دورا سياسيا مباشرا في واقع العراق السياسي المستقبلي بحياد تام وتفرغ للشأن الديني والتوجيه التربوي مع تأمين كامل الاحترام والتقدير والحرية لتلك المرجعيات الدينية للقيام بدورها الإرشادي والأخلاقي والفقهي الذي يتعامل مع المجتمع من مبدأ حرية الاعتقاد والاختيار العقدي لكل مواطن، وسعى الزعماء المعارضون لحكم صدام حسين منذ سنوات المنفى الطويلة، إلى تحرير العراق وتحقيق دولة القانون وتطبيق الديمقراطية الحقة واتباع مبدأ الكفاءة قبل الحسب والنسب ومبدأ تكافؤ الفرص والتعامل مع دول الجوار وفق مبدأ الاحترام المتبادل وتبادل الخبرات والتعاون في كل المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية والثقافية إلخ.. ولاسيما مع الجارة إيران التي تحاول أن تمارس تأثيرها في الشارع العراقي من خلال علاقاتها المميزة مع القوى السياسية الشيعية التي كانت تتمركز في طهران وتعتمد عليها في نشاطها وتمويلها وهذا لا يخدم واقع العراق ومستقبله وهم السد المانع أمام أي تغلغل إيراني حقيقي في صميم الحياة السياسية العراقية من دون الحاجة إلى سلوك طريق المواجهة والعداء.ر