رسائل
ما الذي يمنع التدخل العسكري في سوريا؟
تاريخ النشر : الأربعاء ١١ أبريل ٢٠١٢
في ظل استمرار النزيف الحاصل في سوريا، يبدو من الصعب جدا معرفة سبب وقوف المجتمع الدولي، ولاسيما الولايات المتحدة، متفرجاً أمام ما يحصل. ومع تزايد اعداد القتلى، يبدو ان الولايات المتحدة ليست متحمسة لشن حملة جوية ضد سوريا شبي
مع ذلك، هناك في واشنطون من يعتقد أن احتمال فشل التدخل العسكري في سوريا قوي جدا، إذ يملك نظام الأسد جيشاً قويا وتأييدا محليا ودوليا يفوق الدعم الذي حظي به نظام معمر القذافي في ليبيا، وإذا تصاعدت وتيرة القتال في سوريا فقد تنشب حرب أهلية مطولة تودي بالقوات الامريكية والدولية إلى التهلكة. كذلك لا شيء يضمن طبيعة النظام الذي سيخلف حكم الأسد. اذ لم تحصل قوى المعارضة السورية على دعم الولايات المتحدة فحسب بل «القاعدة» أيضاً، وهي سابقة خطرة قد تشير إلى ان عين «القاعدة» تتركز على غزو دمشق هذه المرة بالتحالف مع أي نظام جديد. وجميع هذه المبررات غير مقنعة، اذا ما نظرنا إلى تدخل الناتو في صربيا التي كانت تملك نظام دفاع جوي اقوى مما لدى الجيش السوري، من دون ان نغفل عن الغارة الشهيرة التي شنتها اسرائيل على موقع المفاعل النووي السوري المزعوم، يصبح من البدهي السؤال هل تريد الولايات المتحدة فعلاً اسقاط النظام السوري؟
التبرير الامريكي
فبحسب منطق ادارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، الذى يقدم للساسة في واشنطون لتبرير عدم القيام بأي تدخل عسكري في سوريا، انه رغم وجود بعض التشابه بين النظامين السوري والليبي والظروف التي رافقت توصلهما إلى السلطة وأسلوبهما في إدارة البلاد، فإن الخطوط الفاصلة في المجتمع السوري لا تتطابق مع التقسيم الجغرافي للبلاد، حيث لا توجد في سوريا منطقة مثل بنغازي الليبية، ليتمكن المعارضون من فرض سيطرتهم عليها واستخدامها كمعقل في حربهم مع النظام. كما ان الانشقاقات التي حصلت في الجيش السوري تقتصر في معظم الأحيان على عسكريين منخفضي المستوى لذا لا يمكن مقارنة الجيش السوري الحر بالانشقاقات الهائلة التي حصلت في الجيش الليبي ما أعطى للمعارضة الليبية قوة ملموسة في مواجهتها مع النظام».
ومن الفروقات بين الأزمتين الليبية والسورية، عدم وجود منابع نفط في سوريا كتلك المتوافرة في ليبيا. لذلك لا نرى ان الامريكيين يتجهون للتدخل في الشؤون السورية بحماسة تشبه ما أظهروه خلال الحرب في ليبيا.
إلى ذلك، تسوق الادارة الامريكية فكرة ان وحدات الجيش النظامي السوري قوية جدا، وبالدرجة الأولى قوة دفاعه الجوي، وانها ستجر القوات التي سوف تتدخل إلى حرب مكلفة جدا ماليا وانسانيا. وتضيف التقارير الامريكية «ان عديد القوات الجوية السورية 54 الف جندي وهو ضعف عدد القوات الجوية الليبية. ورغم ان القذافي كان حليفا لروسيا فانها لم تمده بأنظمة الصواريخ والاسلحة المتطورة كما فعلت مع دمشق. وبحسب تسريبات صحفية حول اجتماع عسكري امريكي فقد اعتبر بعض الجنرالات ان الحملة الجوية على سوريا صعبة جدا ولا يمكن مقارنتها مع ليبيا، فالدفاعات الجوية السورية أكثر قوة وأكثر كثافة، ولاسيما حول دمشق وعلى الحدود مع إسرائيل وتركيا». كما أنهم بدوا أكثر قلقا بشأن الدفاعات الجوية السورية المتحركة، ولاسيما بطاريات صواريخ 71-AS.
في هذا الاطار، حذر الجنرال ماتيس جيمس قائد القوات الامريكية في الشرق الاوسط وآسيا الوسطى، من أي تدخل عسكري في سوريا، معتبرا أنه سيكون «بالغ الحساسية». وقال ماتيس أمام لجنة الدفاع في مجلس الشيوخ إن «لدى النظام السوري إمكانات كبيرة في مجال التسلح الكيميائي والجرثومي، اضافة إلى امتلاكه نظاما دفاعيا كبيرا مضادا للطيران، وآلاف المضادات الجوية المحمولة، وقيادة سياسية مزعزعة الوضع».
واعتبر ان اتساع حملة القمع ضد السكان و«كفاح النظام من أجل بقائه» يدفعان إلى «توقع نشوب حرب أهلية»، مردفاً في مداخلته ان «شجاعة الشعب السوري جديرة بالاحترام، الا ان الخيارات المتوافرة لحل هذه المشكلة بالغة الحساسية والدقة».
تضارب الآراء
وردا على السيناتور جون ماكين الذي دعا إلى توجيه ضربات جوية لمساعدة المعارضة على الدفاع عن نفسها، قال الجنرال ماتيس انه على الرغم من تزايد اعداد الفارين من الجيش السوري، سيكون من الصعب على المعارضة قلب النظام من دون مساعدة خارجية.
وأوضح الجنرال الأمريكي، الذي يفترض ان يكون مسؤولا عن أي عمليات عسكرية ضد النظام السوري في حال اتخاذ قرار أمريكي بذلك كونه قائد القوات الامريكية في الشرق الاوسط وآسيا الوسطى، ان وزارة الدفاع لم تطلب إليه «وضع خطط تفصيلية» لإقامة مناطق آمنة في سوريا تستقبل اللاجئين، كما حصل مع الاكراد في شمال العراق في عام .1991 وختم قائلا «ان الوضع يختلف عن المناطق الجبلية في شمال العراق»، معتبرا انه لابد «من تأمين موارد كبيرة» في المجال العسكري لإنجاز مهمة من هذا النوع. وكان ماكين قد دعا منذ أيام إلى الى الاسراع في توجيه ضربات جوية ضد نظام الرئيس بشار الأسد لإجباره على التنحي عن السلطة، لافتا إلى ان العدد المقدر للقتلى في سوريا وهو 7500 شخص يتطلب تدخلاً من الولايات المتحدة للقيام بدورها القيادي.
من جهته، رفض وزير الدفاع الأمريكي ليون بانيتا دعوات بعض قيادات الحزب الجمهوري للقيام بعمل عسكري أمريكي ضد سوريا، معتبرا ان الاستقرار في منطقة الشرق الاوسط يخدم مصالح الولايات المتحدة الاستراتيجية. ونوه في شهادته أمام الكونجرس بأن التدخل الأجنبي في سوريا من شأنه ان يزيد مخاطر حرب أهلية فيها. لكنه أكد أن الادارة الأمريكية تراجع كل الخطوات الاضافية الممكنة التي يمكن اتخاذها بالتعاون مع شركائها الدوليين لدعم جهود حماية الشعب السوري وإنهاء العنف وإرساء الاستقرار في المنطقة.
وأكد بانيتا أن أي اجراء يجب أن يترافق مع بناء توافق دولي ودعم واضح من الجامعة العربية. وحول الأسباب التي تعوق التدخل العسكري في سوريا على غرار ما حدث في ليبيا، قال بانيتا إنه «في الحالة الليبية كان هناك إجماع في مجلس الأمن والجامعة العربية على استخدام الخيار العسكري فيما هذا الاجماع غير متوافر بالنسبة إلى سوريا». وأشار إلى أن «المعارضة السورية المسلحة غير واضحة المعالم ولا يوجد طرف فيها يمكن الاعتراف او الاتصال به». وأكد أن سياسة واشنطون تركز حاليا في عزل نظام الأسد دبلوماسيا وسياسيا. وأشار إلى أن إدارة الرئيس باراك أوباما تعيد تقييم الموقف باستمرار وستغير استراتيجيتها إذا اقتضت الضرورة.
أما رئيس الأركان الجنرال مارتن ديمبسي فقال إنه من ضمن الخيارات العسكرية المتاحة فرض منطقة حظر جوي فوق سوريا. لكنه اوضح أن توجيه ضربات جوية فترة زمنية طويلة يمثل تحدياً لأن الدفاعات الجوية السورية أكبر بخمس مرات وأكثر تعقيداً من تلك التي كانت في ليبيا. وأضاف أن مخزون الأسلحة الكيميائية والبيولوجية لدى سوريا أكبر مائة مرة مما كانت تمتلكه ليبيا.
وقال الجنرال ديمبسي إن القضاء على قدرات الدفاع الجوي السورية سيتطلب وقتاً وعدداً أكبر من الطائرات مقارنة بالحملة على ليبيا. وأشار إلى إمكانية حدوث خسائر بشرية نتيجة وجود انظمة دفاع جوي قرب مناطق سكنية.