هل من سبيل لتسريع النمو الاقتصادي بمملكة البحرين؟
 تاريخ النشر : الخميس ١٢ أبريل ٢٠١٢
بقلم: د. أسعد حمود السعدون *
تطالعنا الصحف اليومية بتصريحات متشائمة لعدد من الفاعليات الاقتصادية، أفرادا ومؤسسات، عن حالة النمو الاقتصادي في البلاد وما يمكن ان تؤول اليه اوضاع المؤسسات الاقتصادية المختلفة ولاسيما الصغيرة والمتوسطة وانعكاس ذلك على التشغيل والبطالة بفعل مجمل تداعيات الاوضاع السياسية والامنية والاقتصادية المحلية، علاوة على تأثيرات الازمات المالية والاقتصادية العالمية في اقتصادنا الوطني، وقد جاءت تلك التصريحات بعيد إعلان تقرير الحسابات القومية للربع الاخير من عام ٢٠١١ وما أظهره من تباطؤ في النمو الاقتصادي الحقيقي لقطاعات العقار والبناء والتشييد والوحدات المصرفية الخارجية والفنادق والأنشطة المرتبطة بالسياحة متأثرة بضعف الطلب المحلي والاقليمي والعالمي. فهل السياسات الاقتصادية في مملكتنا الحبيبة عاجزة عن مواكبة متطلبات تسريع النمو وانتشال الاقتصاد الوطني من الركود؟
إن المتابع لمجمل السياسات الاقتصادية وما رافقها من اجراءات ادارية وتشريعية ومبادرات سياسية التي شهدتها البلاد منذ ما يقارب العام، والتوجيهات السامية لجلالة الملك حمد بن عيسى ال خليفة عاهل البلاد المفدى، والقرارات الحكيمة لصاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس مجلس الوزراء رعاه الله، والنشاطات المتتابعة لصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد الأمين ورئيس مجلس التنمية، يدرك ان التحديات الخطرة التي واجهتها البلاد قد تم التصدي لأسوأ تداعياتها وامتصاصها بكفاءة عالية، وان قيادة البلاد رسمت معالم طريق تسريع خطوات الاصلاح ومعاودة النمو، وهي تحرص على متابعة الاجراءات التنفيذية ودعم المبادرات الخلاقة ولاسيما التي ترتبط بشكل مباشر بحاجات المواطنين وبما يخفف من وطأة الاوضاع الراهنة على متطلباتهم المعيشية.
الا ان ذلك لا يمنع من القول ان اغلب تلك القرارات والاجراءات والمبادرات تطلق بشكل منفرد ان لم يكن منعزلا بعضها عن بعض مما يفقدها ميزة الاحاطة التامة بالمشكلة المراد معالجتها، فيكون تأثيرها في افضل الاحوال وقتيا، ويذوب ويتلاشى عند اصطدامه بالحلقات التي يتأخر عنها مسار الاصلاح، كما ان مستوى استجابة واندفاع بعض الاجهزة التنفيذية لا يرتقي لمرئيات قيادة البلاد ولا يتناغم مع بعد نظرها ولاسيما في مجال اقتران التنفيذ بسقف زمني محدد.
وقد أكد سمو رئيس مجلس الوزراء اهمية تجاوز هذه الحالة وذلك لدى استقبال سموه عددا من المسئولين يوم ٢٥/مارس/٢٠١٢ بالقول «مرفوض رفضا باتا البطء في تنفيذ المشاريع، وغير مقبول البتة الأعذار في تأخرها، فالبيروقراطية يجب القضاء عليها، وعدم التنسيق بين الأجهزة المعنية مرفوض في حكومة متحفزة دائما نحو العمل والانجاز». فالمرحلة الراهنة تتطلب اهتماما بالغ الشدة باتساغ وترابط وتكامل السياسات والاجراءات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والامنية والتشريعية المستندة إلى سقوف زمنية محددة، من أجل تسريع وتفعيل حزمة السياسات الاقتصادية والمالية المحفزة للنمو الاقتصادي، التي سبق أن تعرضنا لها بمقال منشور في صحيفة اخبار الخليج بتاريخ ٢٦/ نوفمبر/٢٠١١بعنوان «مرئيات أولية لمحركات النمو الاقتصادي في المرحلة الراهنة» كتلك المتصلة بتشجيع ودعم الاستثمار الوطني وتوفيرالتمويل لمشاريع القطاع الخاص، ولاسيما تلك المولدة للوظائف التي تستقطب المواطنين وتلك التي تسهم في تنويع مصادر الدخل، واتخاذ خطوات تنموية جديدة من شأنها تنشيط حركة الاقتصاد الوطني وجذب المزيد من الاستثمار الاجنبي وتوطيد ثقة المستثمرين وطمأنتهم، وتوفيرالمزيد من الضمانات لهم بما يؤدي إلى تعزيز البيئة البحرينية الجاذبة للاستثمار، والتنفيذ الدقيق والمدروس للرؤية الاقتصادية للبحرين ٢٠٣٠ التي اكدت ان المرحلة القادمة من مسيرة الاصلاح الاقتصادي تتطلب السعي إلى تطوير النجاحات المتحققة وبما ينمي المنافسة والشفافية والعدالة في مختلف القطاعات الاقتصادية والارتقاء بالتصنيع وامتطاء صهوة اقتصاد المعرفة وتحقيق نقلة نوعية في انتاج السلع والخدمات ذات القيمة المضافة المرتفعة والمحتوى التقني المميز وتعزيز بناء القدرات العلمية والتقنية لزيادة الوزن النسبي للاقتصاد الوطني إقليميا وعالميا، وتوفير مقومات اقتصاد يعتمد الابتكار بأولوية وأهمية قصويين وبمنهجية علمية متنامية.
علاوة على مرئيات المحور الاقتصادي والمرئيات الاخرى المرتبطة بها من مرئيات حوار التوافق الوطني، ولاسيما تلك المتعلقة باستكمال وتحديث منظومة القوانين والتشريعات ونظم التجارة والاستثمار في البلاد باعتبارها مفصلا مهما من مفاصل البنية الاقتصادية.
ومما ينبغي تأكيده ان التنمية الاقتصادية في دولة كالبحرين، لابد ان تكون تنمية ذكية قادرة على التقاط العناصر الحاكمة والفاعلة والقائدة لمفاصل الاقتصاد الوطني بالوقت المناسب، ومستوعبة لحاجات البيئة الاقليمية فضلا عن الوطنية بدقة وحنكة وبعد نظر، لذا ندعو إلى ضرورة تقييم آليات تنفيذ مجمل المبادرات والسياسات التي تم اعتمادها وتحسينها وتنقيتها من الاختلالات واعادة اطلاقها بشكل جديد مع مجموعة اخرى من المبادرات المكملة والمفعلة لها وفي إطار ما اعتاد الاقتصاديون تسميته العلاج بالصدمة، اخذين بنظر الاعتبار تلك القطاعات التي تتسم بقوة ترابطها مع القطاعات الاقتصادية والاجتماعية بحيث تكون محركات حقيقية لغيرها من القطاعات، ولا ترهق ميزانية الحكومة، ويمكن للقطاع الخاص الوطني تنفيذها في إطار التشريعات والنظم المعتمدة في البلاد، كتحرير ودعم الاستثمار في القطاع الصحي والسماح بانشاء المزيد من المستشفيات والمدن والمراكز الطبية المتخصصة التي تستقطب الكفاءات الطبية الوطنية والعربية المتميزة والتوسع في انشاء الجامعات الاهلية المتميزة بتخصصاتها والمطلوبة وطنيا واقليميا وعالميا، ومراكز ومعاهد التدريب الخاصة ذات البرامج الديناميكية المواكبة والمستشرفة لحاجات السوق، وتوفير الاراضي لها بأسعار مناسبة اسوة بالمشروعات الصناعية، ووضع سقوف زمنية ملزمة للرد على طلبات الاستثمار، مع تحديد واضح وشفاف وقابل للقياس والتنفيذ لمعايير قبول او رفض الاستثمار في هذين القطاعين بالشكل الذي يؤدي إلى جعل المملكة مركزا اقليميا متميزا في المجالات العلاجية والصحية والتعليم العالي والتدريب النوعي، والعمل المنظم لتنويع مقومات السياحة بالمملكة ومعالجة مشكلاتها، مع تبسيط وتسريع اجراءات منح تأشيرة الزيارة للمواطنين العرب بمختلف جنسياتهم، الراغبين في زيارة المملكة للسياحة الترفيهية او العلاجية، او للاطلاع على الفرص التعليمية والتدريبية وكذلك تبسيط اجراءات الاقامة للطلبة واعضاء هيئات التدريس والاطباء وغيرهم بما يشجع السياحة العلاجية والتعليمية ويحرك مختلف قطاعات الاقتصاد البحريني وخاصة القطاع العقاري الذي يعاني تراجعا كبيرا، مما يحتم عليه البحث عن الفرص الاستثمارية البديلة للتعويض عن الفرص الاستثمارية التي تراجع الطلب عليها كالقيام بالاستثمار في مشروعات الابنية الجامعية والابنية المدرسية ومساكن الطلبة الوافدين للدراسة من الخارج، والمستشفيات والمراكز الطبية والاندية ومراكز التدريب الرياضي، ومباني وقوف السيارات المتعددة الطوابق، ومنشآت المزارع، والمزارع الطابقية، وحظائر الحيوانات النموذجية وغيرها من المشروعات التي ستؤدي إلى تحريك مفاصل متعددة من قطاعات الاقتصاد الوطني وبما يحقق استقرارا ووفورات اقتصادية ومالية كبيرة للمملكة، مع تأكيد اهمية تفعيل دور المصارف والمؤسسات المالية في توفير التمويل الملائم والطويل الاجل للمشروعات الاستثمارية الجديدة، مع دراسة امكانية تجميد القروض الشخصية المتراكمة على المواطنين وشراء الحكومة جزء منها، وكذلك الغاء او تخفيض رسوم البلدية على المساكن المستأجرة لما تمثله من عبء مضاف لعبء استئجار المسكن لمن لا يملك مسكنا من اصحاب الدخول المتوسطة والمنخفضة والغاء او تخفيض او على الاقل تأجيل سداد قروض بنك البحرين للتنمية على المشروعات الصغيرة والمتوسطة المتعثرة ومنح القطاع الخاص البحريني الاولوية في تنفيذ المقاولات والعقود والاستثمارات والمشتريات الحكومية المختلفة.
* أكاديمي وخبير اقتصادي
.