الجريدة اليومية الأولى في البحرين


قضايا و آراء


أزمة الثقافة بين الدين والسياسة

تاريخ النشر : الخميس ١٢ أبريل ٢٠١٢



حقيقة لا اعرفها عن قرب، ولكن الذي اعرفه انها بنت شيخ الادباء، وغالبا ما ان يتم ذكر البحرين في أي محفل إعلامي او ثقافي خارج البلاد إلا ويسأل عن «مي المثقفة»، وما يبهرني ان السائل يعرف عن «مي» اكثر مما اعرفه كبحريني.
من دون مجاملة فـالشيخة «مي» هي مفخرة للبحرين، فلا جدل ولا جدال في ذلك، رغم ان المسيسين قد اثاروا شيئا من الجدل الذي أتوقع ان يقود الثقافة إلى منعطف خطر، وبعد ان أصبح التسييس يقود الثقافة بعيدا عن مبدأ «ثقافة السياسة» مما يلقي على شعب البحرين المثقف مسئولية تاريخية بعد ان تجاوزت الامور المعقول وابتعدت عن المقبول.
أول مرة انطوت السياسة على استدراج واغتصاب الثقافة من اجل وضعها تحت عباءة «الدين» والعمل على الخروج عن طبيعة المألوف، وكذلك تجاوزا في محاولة غريبة للوصول إلى جعل «الاسلام السياسي خصما عنيدا للديمقراطية».
لا يمكن ان نصل إلى حدود المقبول في نطاق معقول «التدمقرط» إلا إذا ابتعدنا عن السذاجة السياسية، بشكل يمكننا من ألا نقع في محظورات «تكفير الثقافة» وذلك من منطلق الرأي الشخصي العالق في أجندة القهر والدكتاتورية.
إن ما حصل في بيت الشعب لا يمكن التباكي عليه مثل اللبن المسكوب، او استغلاله من اجل الهاب العواطف وشحذ الهمم والمشاعر بشكل أو بآخر، او الانزلاق إلى فضاءات ذات نزقٍ وطيش، اعاذنا الله منها.
فالمحزن بالطبع، انه يبدو ان المعركة بين نظريات الثقافة والسياسة بدأت في البحرين منذ نيف وستين عاما بعد ان انتهت في الدول الديمقراطية العريقة منذ أكثر من مائة عام، وهذا دليل على اننا مازلنا لا نفقه السير على سلم التدرج الديمقراطي.
وبناء عليه، فان الوضع يحتم ايجاد حوار بين «الثقافة ودين السياسة» حتى يمكن ان تستكمل دعائم «الدولة الحضارية»، هذا إذا أردناها ان تكون دولتنا حضارية ذات رسالة وحرية.
استذكر قول الدكتور مصطفى محمود رحمه الله في كتابه «الاسلام السياسي والمعركة القادمة» عن دين السياسة عندما قال: «أي عقلية تلك العقلية الأصولية التي تريد ان تسود وتحكم وهي لا ترى من الدين إلا النقاب والجلباب واللحية وحرمة التماثيل والتصوير والرسوم والموسيقى والفنون الجميلة، ثم تنقلب هذه القضايا على جوهر الدين وروحه ولبابه، وعلى الهدف الذي جاء من أجله رسولنا محمد عليه الصلاة والسلام وهو التوحيد والتقوى ومكارم الأخلاق والعلم والبر والعدل وصيانة حرية المواطن وكرامته؟».
ونتذكر انه بعد المشروع الاصلاحي لجلالة الملك واثناء الانتخابات فان تلك العقلية أحلت ما حرمته على نفسها وعلى المجتمع سنوات طوالا من رفض الانتخابات والديمقراطية وقبول الرسوم والتصاوير وتهذيب اللحية وفي حالات اخرى بدت ناسية او متناسية ايديولوجياتها الاصولية.
نلاحظ لشديد الاسف ان الذهنية المتفتقة عن التعصب وممارسة «التقية السياسية» جعلت هؤلاء البشر يمارسون متعتهم في الوقوف على هامش من العدائية لكل من يخالفهم الرأي.
لكن من الاجدى لهم اليوم ترك هذه العدائية بعد ان تكشفت الحقيقة والانطلاق إلى افق اوسع بأيديولوجيا تتواكب مع جوهر الدين وروحه ولبابه، قريبا عن واقع ثقافي يصرخ قائلا «انه لن توجد ثقافة من دون مي آل خليفة».
* مستشار الهيئة الاستشارية للمجلس العالمي للصحافة