الجريدة اليومية الأولى في البحرين


قضايا و آراء


مــــأزق جبــــروت الوصاية

تاريخ النشر : الخميس ١٢ أبريل ٢٠١٢



أكذوبة فرعون جعلت منه إلها يتعالى فنادى في الناس من ربكم الأعلى؟ لم يكن لصوت النداء جواب أو صدى لأن النداء كان نداء الفطرة من الداخل فخلا من رد فعلي، وتكبر لالتباس الحق والباطل في نفسه فقرر مصافحة الشيطان بأن يكون كما كان حين دُعي إلى السجود لآدم فجاءه جواب السلام بأنك الرب القوّام فصدّق نفسه واعتلى ،يقول علماء النفس المشتركات البشرية لا تختلف في مساراتها عن خط من خطين: إما يكون سالبا موجبا وإما سالبا سالبا، وإن وُجد اختلاف ما في مشتركٍ بشري كان بالضرورة اجتهادا شاذا مقلدا من السابقين،يعني أن حركة التفكير البشري دائرة حول قطبي السالب أو الموجب بردة فعل عالية أو دانية لا يمكن الاختلاف في نتائجها بالخصوص، وأن العقل البشري مرتبط بشقيه بالمنطقية والتحليل فيستحيل أن يخرج الناس عن إطار القواسم المشتركة أو إطار الفروقات المترابطة.
وحتى نفهم معنى الكلام بشيء من السلاسة نقول كما ذكر علماء النفس إن فرعون لا يتكرر في العالم إلا كل 10 قرون وفكره الفرعوني يتخلل كل القرون ،بذلك يتضح لنا الرابط بين فرعون وبين ابليس في اتحاد الرؤى وضرورة الموقف وصدور الموقع نفسه، وقد عبّر علماء الاجتماع عن الصور الفرعونية بأفكار تُقارب في علوها الهُوة وتتباعد عن مصادر الذات التي هي وحي السوية الإنسانية.
فرعون طغى في الأرض وعالج حرارة الإلحاحات الداخلية النفسية بمغالطة الفطرة وفرض الوصاية الجبروتية، لم يكن له بُد أو بديل من استمرار السؤال الداخلي وصمت الجواب إلا أن قرار التعلم في مدرسة إبليس ذلك العبد الصالح في زمن والشيطان المتمرد بعد زمن، فحباه التغطرس والخيلاء المتوافقان مع ذاته لأن يرسم معالم المملكة الإبليسية ويجسد التطرف فيها، ولغلبة الجهل والبساطة الفكرية في ذلك الزمن استجاب الناس لفكرة فرعون، ما كان لهم أن يفكروا في محورية القضية سوى الاستجابة المباشرة لكي يأتمنوا ويأمنوا على أنفسهم وأرزاقهم ومكانتهم.
جبروت الوصاية الفكرية لا يختلف عن جبروت فرعون وضلال إبليس من حيث المنحى والمنهج بالتقليد لوجود فاعل الربط وناقل القصد من فرع فرعونية القرار ،وليس للغير أن يقرر منهجه ومخرجه وإلا فإنه خائن وهذه العملية الدينية الصعبة في زمن تعقدت فيه القياسات شكلاً ومعنى وتناقضت فيه المعاني فصلاً وأصلاً ،هي الوصاية من غير لا.
أساليب الوصاية متعددة ومختلفة ومقاصدها مترادفة ،ولكنها في النهاية متحدة لضرورة رجوع الناس إليها لا على سبيل المشاركة والتعاون بل على سبيل العرض والفرض،وهكذا يتعامل ما يسمى المجلس الإسلامي العلمائي مع شعب البحرين الطيب المسالم البسيط في فرض املاءاته وتدخلاته ضد كل مقومات الإجماع والاجتماع والاتفاق الوطني.
أصدر المجلس الإسلامي العلمائي (غير المرخص) بياناً سماه (المكابرة لا تزيد الوضع إلا تأزيماً) في رده على كلمة حق قالها وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد آل خليفة وجهها للشيخ عيسى قاسم بقوله اتق الله، واستنكر المجلس (كيف يسمح لنفسه الوزير بأن يخاطب أكثر الناس ورعاً وتقوى ورعاية للحدود الالهية والشؤون الشرعية ومحافظة على الوحدة الإسلامية والوطنية؟)، نعم بيان فج بفارق بين الموقف وبين الوطنية وبين المطلوب وبين التوجيه والعنوان، بيان حزبي حتى النخاع يتقزز قارئه من محتواه المفضي لعبادة الشخوص وتقديسها، والتعتيم على الحقائق التي نشهدها.
عنوان لا دخل له بمضمون البيان، وبيان فاقد المصداقية وأبسط ما يقال عنه انه نصح يدعو إلى الالتفاف حول شخصية واحدة تحكم الناس كيفما شاءت وأرادت، وبعيداً عن مخالفات الشخصية المذكورة ما العيب في أن تقول لمن تُدرك خطأه بأن يتقي الله؟ وهل العصمة مقام لمن بلغ من العلم مبلغاً نال منه الرفعة والجاه؟ أي عقول تخاطب الجهل والحزبية المتربعة على مسار تفكير هذه الثلة المختلفة في أداء وطنيتها والمشكوك في ولائها لهذه الأرض الطيبة؟
إننا نثمن قول وزير الخارجية ونوجه ذات الخطاب لهذه الشخصية بالقول نصا (اتق الله ولتنظر إلى الشعب وما يجري له من تنكيل على يد فئة أعلنت دمار الوطن)، الأخبار الواردة تُشير إلى اجتماع سري دار بين الشخصية المذكورة وبين قوى التأزيم وصلت إلى نهاية الأمر في قرار الاستمرار على النهج السلبي نفسه، وردنا على ما وصلتم إليه ان البحرين أمانة في أعناقكم وأنتم محاسبون عليها، يكفي دمارا وما حل وقتل وما جرى، ويكفي تحميل الحكومة ما لا دخل لها فيه، فالشارع يتحرك بأمركم ويأتمر بقراركم فاتقوا الله في البحرين، اتقوا الله في شعب البحرين ولتتوقف حزبيتكم، ونوجه كلمة أخيرة للقيادة الرشيدة بأننا نقف في صف الحق الذي هو طريق صلاح كل شيء، فالفضل واجب والعدل أوجب، والعدل ضمان لاستمرار العملية الاصلاحية بأعلى المستويات، نُشجع قيادتنا على البذل والمزيد من العطاء لصالح هذا الوطن، ونشد على ولاة أمورنا بالدعاء لهم بدوام التوفيق لما يُصلح رعيتهم.
اللهم احفظ البحرين وأهلها وقيادتها ولم لحمتها وشملها على خير، آمين.