الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٣٩ - الجمعة ١٣ أبريل ٢٠١٢ م، الموافق ٢١ جمادى الأولى ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

قضايا و آراء


المالكي وشيعة واشنطن وطهران يلمّعون (ابوالربابة) مشعان





عندما يقول رئيس اللجنة القانونية في مجلس النواب النائب بهاء الاعرجي في الثالث من الشهر الحالي ان محكمة الجنايات العليا أسقطت التهم الموجهة عن المدعو مشعان ركاض الملقب بـ (الجبوري) أو مشعان ابوربابة كما يسميه أهلنا في تكريت والشرقاط والحويجة، وعددها ست تهم من بينها تهمة (٤ ارهاب) التي شرعها نوري المالكي خصيصا لاهل السنة وعقوبتها الاعدام بلا نقاش، ووقف تنفيذ حكم قضائي سابق قضى بحبسه خمسة عشر عاما بعد ادانته بسرقة رواتب وإجور منتسبي وحراس افواج المنشئات النفطية من بلدة بيجي إلى العاصمة بغداد، فانه يدين نفسه مرتين، مرة لانه قطب في التحالف الشيعي الذي يتحكم بالقضاء والمحاكم والقوانين في العراق، ومرة ثانية باعتباره أحد قادة التيار الصدري الذي قاد ومازال حملة شيعية طائفية ضد طارق الهاشمي تنفيذا لارادة ايرانية عقابا له على رفضه استقبال هاشمي رفسنجاني خلال زيارته لبغداد نهاية عام .٢٠٠٩

وما ينطبق على النائب الاعرجي ينطبق ايضا على زميله في البرلمان ورفيقه في التيار حاكم الزاملي الذي اعلن هو الآخر ان عزة الشابندركبير مستشاري المالكي قد رافق مشعان من دمشق حيث يقيم إلى مطار بغداد ومن المطار مباشرة إلى مقر المحكمة في المنطقة الخضراء حيث مثل أمامها حضوريا واطلق سراحه فورا بعد جلسة استغرقت ١١ دقيقة و٣٤ ثانية في سابقة لم تشهدها المحاكم العراقية منذ إنشائها في بداية الحكم الوطني عام ١٩٢١، وكان يفترض بالنائب الزاملي وهو عضو في لجنة الامن والدفاع في مجلس النواب ان يسأل بصفته الرقابية والتشريعية رئيس القضاء الاعلى مدحت محمود النعل بند، كيف حدث هذا؟ ومن أصدر الامر؟ ولماذا نُفذ بهذه السرعة القياسية مع ان هناك الالاف من المعتقلين مضى على اعتقالهم ثمانية وتسعة اعوام من دون ان يقدموا إلى المحاكم وجميعهم سيقوا إلى السجون والمعتقلات بتهم كيدية لفقها لهم جيش الاحتلال الامريكي والميليشيات وفرق الموت الايرانية.

لاحظوا كيف يعمل وينسق القياديون الشيعة وكيف يوزعون الادوار والمهمات بينهم لابعاد الشبهات عن رئيس الحكومة وزعيم حزب الدعوة الشيعي الطائفي نوري المالكي وإغفال دوره في هذه الفضيحة المدوية، علما بان الاعرجي والزاملي يعلمان علم اليقين ان نوري المالكي هو من أمر المحكمة باصدار صك براءة مشعان ابوربابة (الجبوري) خلافا للقانون السائد واستجابة لرغبة النظامين الشيعيين الطائفيين، السوري العلوي النصيري والايراني الصفوي الفارسي اللذين رسما لمشعان دورا ومخططا لاحداث الفتنة في الصف السني ونشر الفرقة في محافظة صلاح الدين التي يزعم ابن ركاض انه ينتسب اليها وهو الطارىء عليها والغريب عنها اجتماعيا وسياسيا.

وعندما نقول ان القانون في العراق مغيب وان رئيس الحكومة صادر السلطة القضائية ووضعها في أدراج مكتبه واقفل عليها بمفتاح استقر في خزانة خامنئي او في جيب نجادي، فاننا لا نأتي بجديد وانما الوقائع والحقائق والوثائق تؤكد كل يوم ان حزب الدعوة العميل المزدوج لطهران وواشنطن يسرع في مخططه الجهنمي في القضاء على السنة العرب في العراق ويسعى إلى ابادتهم وتصفية رموزهم وشخصياتهم وهو يركز الان على محافظة صلاح الدين ومركزها تكريت انتقاما من صلاح الدين الايوبي الذي خرج منها وقاد جحافل النصر على الفرنجة الصليبيين والشيعة الفاطميين، وثأرا من صدام حسين الذي تتهمه إيران بانه أجبر خميني على تجرع السم واضطر مرغما على قبول وقف اطلاق النار في عام .١٩٨٨

لقد بات معروفا وعلى نطاق واسع في الاوساط الرسمية والنيابية والشعبية ان عزة الشابندر النائب عن ائتلاف دولة القانون والمستشار السياسي لرئيس الحكومة الحالية نوري المالكي هو عراب صفقة مشعان ابوربابة وهو الذي جاء به من دمشق في التاسع عشر من الشهر الماضي ورافقه من مطار بغداد إلى مبنى المحكمة التي عقدت جلسة طارئة او استثنائية (لا فرق) واصدرت قرارا ببراءتة من حكم قضائي سابق صدرعليه من المحكمة نفسها قبل خمس سنوات وقضى بسجنه خمسة عشر عاما وتغريمه ثلاثين مليون دولار بعد ثبوت استيلائه على التخصيصات المالية ورواتب افواج حماية المنشآت والانابيب النفطية من خلال شركة وهمية أنشأها على الورق سجلها باسم ابنه كما جاء في قرار المحكمة الجنائية العليا السابق، واسقاط التهم الموجهة اليه ورفع الحجز عن امواله المنقولة وغير المنقولة واستعادة قصره في حي الجادرية الملحق بالمنطقة الخضراء والطلب من شاغله الحالي جواد بولاني وزير الداخلية السابق لتسليمه إلى صاحبه (صاغ سليم) وكل هذه القرارات والاحكام للمحكمة الموقرة صدرت في جلسة لم تستغرق غير ١١ دقيقة و٣٤ ثانية بالتمام والكمال باعتراف المحكمة ذاتها وعاش المالكي الذي هزم العدل في عقر داره مؤكدا ان الباطل حق وان الحق باطل والبقية في حياة رئيس السلطة القضائية سيادة القاضي مدحت النعل بند.

ولعل كثيرا من الناس وخصوصا في خارج العراق قد لا يعرفون شيئا عن بطل الفضيحة مشعان ابوربابة تلقب بـ (الجبوري) وفق المثل الشعبي (لو ضاع أصلك كول جبوري) وكول في اللهجة العراقية تعني قل، وجاء هذا المثل نتيجة طيبة واخلاق شيوخ واعيان قبيلة الجبور العربية الاصيلة الذين كانوا ومازالوا يغيثون الملهوف ويأوون المقطوع،وربما قد يدهش البعض عن كيفية تحول متهم محكوم عليه بالسجن وهارب عن وجه العدالة، إلى زائر لبغداد تفتح له صالة الشرف في مطار بغداد ويقتحم مبنى المحكمة في المنطقة الخضراء ويقف له قضاتها الاشاوس احتراما وتقديرا ويفرجون عنه ويخلون سبيله ويبيت ليلته في دار الضيافة الملاصق لقصر نوري المالكي في المنطقة نفسها وربما قضى الاثنان السهرة معا يستذكران اياما وليالي امضياها سوية في حواري دمشق وأزقة حي السيدة زينب يحلمان بالعودة إلى العراق ويتمنيان تدميره، وقد عادا فعلا ولكن بعد ان انتشلت قوات البيش ميركة الكردية مشعان من المستنقع الذي كان يعيش فيه ونصبته محافظا للموصل قلعة العروبة وسام أهلها الاباة مر العذاب واللصوصية، ورفعت الدبابات الامريكية المالكي من الحضيض ووضعته على قمة السلطة وهو لا يصدق ان كان في حلم او يقظة.

وقصة مشعان بن ركاض مع النظام السابق والسلطة الحالية تصلح كمادة فيلم روائي طويل يجمع بين الكوميديا والدراما، وهو نفسه سعى إلى انتاج مسلسل تلفزيوني بثلاثين حلقة عن حياته وعقد سلسلة اجتماعات مع مخرج عراقي ماركسي عدنان ابراهيم كان يعمل ويقيم في دمشق لقي مصرعه بتحريض من مسؤول كبير في المخابرات السورية لاسباب غير سياسية معروفة لا ندخل في تفاصيلها، ولكن مشعان انسحب من المشروع بعد ان طالبه المخرج الراحل بتخصيص نصف مليون دولار كحد ادنى لتغطية تكاليف انتاجه، فمشعان عاش حياته حتى اليوم يأخذ ولا يعطي، ينشل ولا يشتغل، هذا ديدنه منذ جاء إلى بغداد من (الشرقاط) في نهاية الستينيات وهو يحمل يتمه ولا شيء سواه، يتاجر به ويستدرعطف المسؤولين، فوالده قتل في مواجهة مسلحة مع المتمردين الاكراد كما زعم في حينه، ونجح في الوصول إلى خيرالله طلفاح عميد (التكارتة) في العاصمة الذي تولى منصب محافظ بغداد عقب ١٧ تموز ١٩٨٦ وهو خال الرئيس الراحل صدام حسين، وبوساطته تمكن من مقابلة صدام وكان يومئذ نائبا لرئيس مجلس قيادة الثورة ومسؤولا عن مكتب الثقافة والاعلام لحزب البعث، ولان مشعان لا يحمل تحصيلا دراسيا ولا يجيد مهنة او حرفة معينة فقد اوعز نائب الرئيس بتدريبه على سياقة الدرجات وتعيينه مستخدما في مكتب الاعلام بصفة (سائق دراجة) مهمته ايصال الكتب والمراسلات والتعليمات من المكتب إلى المؤسسات الاعلامية ودور الصحف، وفي هذه الفترة تعرف على المرحوم حسين كامل المجيد الذي اصبح مرافقا للرئيس صدام وزوجا لابنته الكبرى ومن ثم وزيرا ومسؤولا كبيرا في النظام السابق.

ولان مشعان شخص مغمور ولا يثير اهتمام أحد، فقد اختاره حسين كامل كواجهة لاعمال ومهمات وخاصة وعقود تجارية وسجل باسمه شركة لتصديرالكبريت والنفط والاسمنت والتمور إلى الهند والصين وتشيكوسلوفاكيا (السابقة) تحمل اسم (شركة الصقر للتجارة والنقل والمقاولات) درت عليه ارباحا خيالية ثم عمل وكيلا تجاريا مع المرحوم عدي صدام حسين ومخبرا في جهاز المخابرات الذي دفعه لاختراق مجموعة من الضباط الجبوريين كانت سلطات النظام السابق تشك في ولائهم لها، ونجح مشعان ابوربابة في مهمته وكانت النتيجة اعدام اللواء محمد بلال الجبوري ومعه اربعة من ضباط الحرس الجمهوري من ضمنهم النقيب هيجل الجبوري والد النائب عمر هيجل الذي مازالت المحاكم تتلكأ في تنفيذ دعوى قضائية كان قد رفعها منذ خمس سنوات طالب فيها بحسم قضية الوشاية التي اتهم مشعان بتدبيرها ضد والده وأعمامه وتسببت باعدامهم.

وسافر مشعان إلى الخارج وتنقل في باريس وبراغ وعاش ردحا من الزمن في عمان إلى ان استقر في دمشق يعمل تحت إمرة محمد ناصيف (ابو وائل) المشرف على اجهزة المخابرات السورية ومستشار الرئيس حافظ الاسد ومن ثم ابنه الرئيس الحالي. ومعروف عن ابي وائل انه شيعي علوي متعصب ورجل إيران في سوريا ولبنان وهو الذي كان يحتضن القياديين الشيعة الهاربين من العراق امثال جواد المالكي سابقا (نوري المالكي لاحقا) وغيره من المتآمرين على العراق.

وعندما فر مشعان إلى دمشق من جديد بعد افتضاح سرقاته المالية من افواج حماية المنشآت النفطية واصدار حكم قضائي بسجنه كان محمد ناصيف حاضنته التي عاد اليها ملاحقا من أهل الموصل الذين لن يغفروا له ما قام به ضدهم ايام نصبه الغزاة الامريكان محافظا لهذه الحاضرة العربية الاسلامية ومطاردا من المالكي الذي طالبه بنصف ما استولى عليه من المال الحرام، وقد ضغط ناصيف على اياد علاوي وصالح المطلك ايام كانا يترددان على دمشق طوال عام ٢٠١٠ لادراج اسم مشعان ضمن مرشحي القائمة العراقية في الانتخابات الاخيرة، غير ان الاثنين اعتذرا وكانت حجتهما ان مشعان محكوم عليه بالسجن غيابيا وقانون الانتخابات يحظر على المحكومين والهاربين من المشاركة فيها، رغم ان ابا وائل أبدى استعداده لتذليل المشاكل بين مشعان مع المالكي وحل ما كان يسميه بـ(سوء الفهم) بين الاثنين.

وقد وضح الان وبعد ان عاد مشعان إلى بغداد وحصل على (البراءة) من محاكم نوري المالكي، ان اجهزة النظام السوري كانت تعده للعب دور (باطني) في تخريب القائمة العراقية والحاق الاذى والاضرار بالسنة العرب واختراق المقاومة الوطنية التي تشهدها المناطق والمحافظات السنية العربية وتشويه مواقفها البطولية ضد مخلفات الاحتلال الامريكي والنفوذ الايراني وسبق لهذه الاجهزة الشيعية النصيرية الطائفية ان أعادت في وقت سابق إلى بغداد محكوما آخر يدعى مهدي الصميدعي الذي وقع تحالفا عقب عودته إلى العراق مباشرة مع عصابة قيس الخزعلي الذي في رقبته دماء الالاف من أهل السنة ببغداد وضواحيها. ان السنة العرب في العراق وخصوصا في محافظة صلاح الدين الصامدة وفي تكريت الثبات والمقاومة، باتوا على استعداد لمواجهة مؤامرة نوري المالكي الجديدة في زرع مشعان ابوربابة في صفوفهم بقصد تفريق كلمتهم ووحدة خطابهم، وعلى قبيلة الجبور التي قدمت الاف الشهداء في مواكب الفداء والتضحية دفاعا عن العراق وعروبة العراق ان تكون في مقدمة الحشود والتصدي والحزم لمشاريع المالكي العدوانية في مسح تكريت وشطب محافظة صلاح الدين وغسل عاركل من تسول له نفسه العمل مع اعداء السنة والعمالة للشيعة سواء كانوا في المنطقة الخضراء ببغداد او في طهران خامنئي او في قرداحة بشار.

{ كاتب و سياسي عراقي



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة