قضايا و آراء
الثروة السمكية... لتحقيق الأمن الغذائي وتعزيز اقتصاديات دول الخليج
تاريخ النشر : الجمعة ١٣ أبريل ٢٠١٢
يقولون ان الاسماك أفضل غذاء على وجه الأرض، نظير قيمته الغذائية، وفوائده الصحية الجمة وخصائصه العلاجية الكثيرة نظير احتوائها على الاحماض الدسمة المفيدة (اوميجا 3) والتي تسهم في الوقاية من امراض القلب وتصلب الشرايين وخفض السكر والضغط، وتعزيز الصحة النفسية والقدرات العقلية والحماية من السرطان إلى غيرها من الفوائد.
واكثر بلدان وطننا العربي الكبير يطل إما على المحيطات الكبرى وإما على بحار عظيمة وإما به أنهار عذبة وبحيرات، وهذا من نعم الله سبحانه وتعالى على عباده.
والأمر ليس بمختلف على بلدان حوض الخليج العربي فكل دوله مطلة عليه مما تعد الثروة البحرية والسمكية مصدرا للغذاء وللدخل القومي لهذه البلدان.
ويعد حوض الخليج كنزاً طبيعياً كبيراً، لغناه بمختلف اشكال الاحياء البحرية من الاسماك وغيرها، وقد لا تتوافر في غيره من البحار، فهو بشبه انعزاله، شكل بيئه بحرية غنية ومتميزة، وهو منتج من الناحية البيولوجية حيث تتوافر العوامل المساعدة وبخاصة الهائمات النباتية والحيوانية التي تعد من عوامل الإنتاج والتكاثر البحري.
لقد اشتهر اغلب سكان الخليج بمهنتي الصيد البحري واستخراج اللؤلؤ (الغوص) حيث كانت الثروة السمكية مع الزراعة والتجارة من اساسيات الاقتصاد الوطني لفترة ما قبل ظهور النفط (الثروة السمكية في الخليج، ابتسام الشاخوري).
ومع ظهور النفط قل الاهتمام بالزراعة والثروة السمكية إلى جانب ما حصل من اضرار نتيجة للتلوث البيئي البحري بفعل المخلفات وتسرب النفط، وكذا عمليات الدفان.
إن ما يحدث حقاً في البيئة البحرية الفطرية الخليجية من تدمير لهذه الحياة الفطرية ليدق ناقوس الخطر لإعلان حالة الطوارئ للحفاظ على هذه المقدرات الطبيعية.
ولعظم الثروة السمكية واستدامتها فإنها تشكل لكثير من الدول مصدراً للدخل لقومي، وركنا اصيلا لاقتصاديات هذه الدول فضلاً عن تأمينها كمصدر أساسي للموارد الحيوية الاقتصادية.
وتواجه الثروة البحرية في العالم تحديات مصيرية قد تهدد مستقبل هذه الثروة الطبيعية ان لم تعمل الاستراتيجيات العالمية على الحفاظ على هذا المورد الحيوي الطبيعي.
ففي احصائيات للأمم المتحدة، ومنظمات الاغذية والزراعة العالمية، تشير هذه الارقام إلى ان رصيد الاسماك في تراجع مستمر، وذلك لأسباب عدة اهمها الصيد الجائر وتدهور البيئة الحيوية البحرية، ومشكلات التلوث البحري.
دول الخليج العربي وللأسف قد أغفلت هذا القطاع المهم، من اقتصادياتها وبات الاهتمام به كمورد غذائي إلى جانب الحفاظ على الحياة الفطرية البحرية وتشجيع الصيد البحري الفردي.
وقد آن الأوان لأن تهتم دول الخليج العربي بهذا القطاع والمورد الاقتصادي وان توليه جُلَّ عنايتها.
وقد تكون البحرين اكثر من غيرها في عدم الاهتمام بهذا النوع من مصادر الدخل ونظراً لاستفحال المشكلة فإنه قد بات يلوح في الأفق اشبه ما يكون بـ (كارثة انقراض الثروة السمكية) ان لم تأخذ السبل الكفيلة بالحفاظ على الكائنات والحياة البحرية.
ارتفاع أسعار السمك، وتضاؤل محصول بعض أنواع الاسماك البحرينية الأخرى إلى جانب اختفاء البعض منها كلها مؤشرات لأبعاد مشكلة، يجب أن تعالج فوراً.
وازاء هذه التحديات، السؤال الذي يطرح نفسه، ما السبل للنهوض بقطاع الثروة السمكية بدول الخليج العربية؟
ونحن في هذه العجالة السريعة نقدم حلولاً أو توصيات قد تفيد في هذا المقام.
(فمنها): انشاء مركز اقليمي خليجي يعنى بالابحاث السمكية، تحت مسمى (مركز ابحاث الثروة السمكية لدول الخليج العربية)، ويعمل هذا المركز على عمل الابحاث والدراسات المتصلة بالشأن السمكي، والطرق الكفيلة بزيادة المخزون السمكي.
(ومنها) انشاء مراكز للاستزراع السمكي في دول الخليج، وذلك من شأنه زيادة المخزون السمكي، وحماية بعض أنواع الاسماك من الانقراض.
(ومنها) انشاء مركز لضبط جودة الاسماك ويعمل هذا المركز للتأكد من سلامة الاسماك بغية محاصرة أي تهديد يهدد الحياة البحرية والقيام بأعمال التفتيش والمراقبة للاسماك والمنتجات السمكية واصدار نشرات وتعليمات للطرق الصحيحة لحفظ الاسماك.
(ومنها) تبني سياسات موحدة للحد من الصيد الجائر وتدهور البيئة البحرية والتنسيق المشترك في حالات الكوارث البحرية والتلوث البحري ومحاصرة تلك الكارثة ومنع تفاقمها.
(ومنها) الاستثمار الخليجي في بعض الاسماك المشتهرة بدول الخليج وخاصة (الصافي، الشعري، الكنعد، الهامور) والتي تمتاز بطعمها اللذيذ وقيمتها الغذائية، وكذلك فإنها يقبل عليها غير الخليجيين، وذلك عن طريق الصيد المشترك والانتاج المشترك وبالصناعة السمكية وبالتصدير والترويج العربي والعالمي.
(ومنها) الافادة من تجارب الدول الكبرى في حقل صناعة الثروة السمكية وبخاصة بريطانيا واليابان والاستفادة من خبرائهم، لتحسين القطاع السمكي انتاجاً واقتصاداً.
(ومنها) وضع سياسات ونظم وقوانين موحدة، بشأن الحقل السمكي، وبخاصة فيما يتعلق بالصيد الجائر وطرق الصيد وغيرها.
(ومنها) انشاء ودعم جمعيات صيادي الاسماك بالدول الخليجية، وكذا رابطة خليجية تجمع هذه الجمعيات، والهدف من ذلك تشجيع وتعزيز الصيد الأهلي وحماية الصيادين المحليين والعمل على إنماء هذه المهنة خليجياً.
جدير بالذكر أن تنمية هذا القطاع والنهوض به، وانعاشه وتطويره وإصلاحه بشكل جوهري سيسهم إلى حد كبير في تنويع مصادر الدخل والانعاش الاقتصادي للبلاد وخلق فرص وظيفية للمواطنين وبخاصة فيما لو استحدثت الصناعات السمكية وانشئت المراكز البحثية المتخصصة.
وكشفت دراسة ان قطاع الثروة السمكية في السعودية مثلاً، يمكن ان يوفر (400) ألف فرصة عمل للجنسين واكثر من (200) مليار ريال بحلول عام 2029م، على اعتباره من افضل القطاعات التنموية التي تحقق الأهداف الاقتصادية.