الجريدة اليومية الأولى في البحرين


دراسات

ندوة بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن تناقش:

التحول الجيوسياسي في الشرق الأوسط.. وأمن إسرائيل

تاريخ النشر : السبت ١٤ أبريل ٢٠١٢



النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي، وأزمة الملف النووي الإيراني، و«ثورات الربيع العربي».. كلها قضايا تجد إسرائيل نفسها في مقدمة المعنيين بها، نظرًا للانعكاسات التي يمكن أن تترتب عليها، وتؤثر من وجهة نظرها في أمنها واستقرارها كدولة تعيش في محيط إقليمي معاد لها.
ولا شك في أن هذا المحيط الإقليمي يفرض على الدولة العبرية التعامل معه بقدر كبير من الحذر، ولاسيما أن تطوراته الأخيرة كثورات الربيع العربي كانت مفاجئة بالنسبة لها، وتتطلب منها التعاطي مع واقع جديد وبيئة استراتيجية مغايرة في ظلها تراجعت تحالفات وبرزت قوى جديدة تصدرت المشهد السياسي، وهو ما يتطلب من صانع القرار الإسرائيلي التحسب لتأثيرات هذه التطورات في إسرائيل.
ومن منطلق أهمية ما يجري في الشرق الأوسط من تطورات والحاجة إلى التعرف على رؤية إسرائيل لها وانعكاساتها عليها نظم المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية بلندن في 19/3/2012 ندوة تحت عنوان «التحول الجيوسياسي في الشرق الأوسط وأمن إسرائيل»، وكان المتحدث فيها هو «دان مريدور» نائب رئيس الوزراء ووزير الاستخبارات والطاقة النووية الإسرائيلي بحضور العديد من المهتمين بشؤون الشرق الأوسط من باحثين وعسكريين ودبلوماسيين وإعلاميين؛ حيث طرح المسؤول الإسرائيلي خلال الندوة رؤية إسرائيل ومواقفها حيال تطورات المنطقة، ولكنه بدا أكثر تركيزًا في «ثورات الربيع العربي» والملف النووي الإيراني.
ففيما يخص «ثورات الربيع العربي»، وصف مريدور هذه الثورات بأنها «درس للتواضع»، فواضعو السياسات ومسؤولو الاستخبارات وهم مستغرقون في التخطيط الاستراتيجي للمستقبل، قد يفاجأون بأحداث معينة مثل الربيع العربي يزيد من صعوبتها حالة عدم اليقين المحيط بها والمسار الذي اتخذته، حتى إن البعض بات يرى أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا محاصرة حاليا بــ «عاصفة عربية»، ولاسيما أن التطورات تتلاحق وتتردد أصداؤها في جميع أنحاء المنطقة، وبدلاً من أن تنحسر، فانها تتزايد بشدة.
وبالإشارة إلى بداية «الربيع العربي»، كان «مريدور» حريصًا على تسليط الضوء على ما وصفه بالتأثير الغربي على الأحداث؛ حيث ادعى أن جاذبية العولمة و«عصر التكنولوجيا» والتطور الهائل في وسائل الاتصال والتواصل (مثل الفضائيات والإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي... إلخ) أدت إلى انهيار «الحواجز» في الشرق الأوسط وشمال افريقيا.. وهو يرى أن عوامل التطور تلك انسجمت في نهاية المطاف مع قيم وأفكار غربية تم تصديرها بسهولة إلى المنطقة، مثل الحديث عن حقوق الإنسان، والإلحاح في المطالبة بالاعتراف بالحرية الفردية، ويذهب إلى أن تلك القيم والأفكار التي أثرت في تحديد معالم الحقبة المعاصرة، نجحت بدرجات متفاوتة في اختراق العالم العربي، ويدل على ذلك الانتفاضات العربية التي ظهرت على السطح في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خلال عام .2011
وفي معرض تقييمه لأحداث «الربيع العربي» كان نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي حذرًا في تناوله للتطورات التي شهدتها مصر؛ حيث حدد الخطوط العريضة لقلقه للاتجاه الذي يتجه إليه هذا البلد، فالثورة المصرية التي بدأت بدمج «شعارات من المفردات الغربية» كالحرية والعدالة الاجتماعية، أفضت ؟ بحسبه ؟ إلى التخلي عن المبادئ الأساسية للديمقراطية بعد وصول تيار الإسلام السياسي إلى السلطة.. وهذه النتيجة هي التي جعلته يقول بوجود حالة عدم يقين تحيط بمصر ما بعد «مبارك».
فمثلاً: تساءل عن الكيفية التي سيتم بها حكم مصر، وهل سيكون ذلك من خلال الشريعة الإسلامية أم من خلال المبادئ المرتبطة بالديمقراطية الغربية؟.. وهذا التساؤل يعكس قلق وضجر «مريدور»، وإسرائيل من صعود الإسلام السياسي داخل وخارج حدود مصر. ولكن رغم هذا القلق، أكد «مريدور» أن إسرائيل واثقة من أنه بصرف النظر عن تغيير القيادة في مصر، لن تعاني العلاقات المصرية - الإسرائيلية نتيجة لذلك، كما أصر على أن معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل ستبقى على حالها، وسيستمر البلدان في العمل على توفير أسس الاستقرار في المنطقة ككل.
ومع ذلك، ورغم تلك الثقة حذر المسؤول الإسرائيلي من أنه إذا رفضت النخبة السياسية المصرية الجديدة هذه الاتفاقية، فإن إسرائيل سترفض الدخول في أي اتفاقيات للسلام تقدمها أي جهة (سواء حكومية أو غير حكومية) في الشرق الأوسط، وهي فكرة أو توجه سيكون مقلقًا للفلسطينيين الذين يتعلق سعيهم من أجل الدولة المستقلة في نهاية المطاف (وهو ما عده غير ممكن في الوقت الراهن) باتفاق مع الجانب الإسرائيلي المطالب بإبداء قدر من التواضع بهذا الصدد.
وفيما يخص البرنامج النووي الإيراني، أشار دان مريدور إلى القلق الذي يسود في داخل إسرائيل تجاه هذا البرنامج، بسبب استمرار الخطاب المقلق من جانب الإيرانيين عندما أكدوا رغبتهم في محو إسرائيل من الخريطة، أو بحسب التعبير الذي ذكروه مؤخرًا «إزالة هذا الورم من منطقة الشرق الأوسط».
واللافت أن «مريدور» رفض أن يذكر حدودًا معينة أو خطوطًا حمراء إذا تخطاها الإيرانيون فستجد إسرائيل نفسها مجبرة على الرد عسكريا، وإن كان على المستوى الشخصي، ادعى أن اللجوء إلى تحديد مواعيد نهائية، بدلاً من «الخطوط الحمراء» للاشتباك، كان ذا نتائج عكسية.. وعوضًا عن ذلك، حدد الخطوط العريضة لثلاثة سيناريوهات ستضر البيئة الاستراتيجية للمنطقة كنتيجة لتطوير إيران أسلحة نووية؛ حيث جادل بأن هناك احتمالاً واضحًا أن يحدث ما يلي:
1) نشر سباق للتسلح النووي في الشرق الأوسط؛ ويستشهد في هذا الشأن بخطاب مصر والمملكة العربية السعودية الذي تردد كدليل على إمكانية حدوث مثل هذا السيناريو الخطر كنتيجة لتطوير إيران أسلحة نووية،تحول إيران إلى قوة إقليمية مسيطرة في الشرق الأوسط مستندة إلى تفوقها النووي، مما قد يضطر الدول العربية ـ ولاسيما الخليجية ـ إلى التطلع إلى الطموحات الإقليمية نفسها لإيران.
2) حدوث موجة من الأنشطة الإرهابية داخل منطقة الشرق الأوسط، فانتصار إيران يعني - بحسب تعبيره - انتصار (الجماعات الإرهابية) الموجودة بالمنطقة كحزب الله وحركة «حماس» وتنظيم «القاعدة» وغيرهم.. فتلك الجماعات ستجرؤ بفعل القوة النووية الإيرانية، وبالتالي قد تنفذ المزيد من الهجمات المتتالية، التي ستكون في كثير من الأحيان أكثر تدميرًا.
وفي حين شكك «مريدور» في الحاجة إلى تحديد «خطوط حمراء» للاشتباك، فقد أكد الآتي:
أ) ان إسرائيل وحلفاءها كانوا محقين في إعطاء الأولوية للتهديد الذي يفرضه البرنامج النووي الإيراني، على غيره من القضايا والملفات الأخرى كعملية السلام في الشرق الأوسط.
ب) انه يتعين على إسرائيل والمجتمع الدولي متابعة ما اقترحه الرئيس الأمريكي «باراك أوباما» أمام مؤتمر إيباك مؤخرًا باللجوء إلى سياسة المنع لا الاحتواء.
ج) انه يجب أن يدرك الإيرانيون أن «جميع الخيارات مازالت مطروحة على الطاولة بما فيها الخيار العسكري».
ورغم أن التطورات في سوريا تدخل في سياق التطورات الخاصة بالربيع العربي فإن «مريدور» تناولها بصورة منفصلة؛ حيث حرص على الحديث عن التداعيات الاستراتيجية لاستمرار الصراع في هذا البلد.. مقترحًا سبلاً ثلاثة ممكنة من التحليل والتفسير يمكن للمرء أن يستكشفها؛ فمن ناحية يستطيع المرء أن يدرس الأنواع المختلفة من المعارضة، وكذلك الدوافع الاستراتيجية التي تدفع بعض الأطراف مثل إيران وحزب الله وروسيا إلى دعم نظام بشار الأسد. والسبيل الثاني يؤكد العنصر البشري في الصراع الثوري، وهنا يسلط الضوء على فشل المجتمع الدولي الملحوظ في منع هذا الصراع، أو وقف تصاعد مستويات تردي الأوضاع الإنسانية داخل سوريا.. أما السبيل الثالث فيتضمن تحليلاً لسوريا المحتملة بعد الأسد، فعلى سبيل المثال، زعم «مريدور» أنه إذا انتهى الأمر بالإطاحة «بالأسد» من السلطة، فقد يكون ذلك صفعة قوية للتحالف غير المقدس بين إيران وحزب الله وسوريا.
وحين تعرض «مريدور» للملف الفلسطيني لم يعط اهتمامًا لمسألة استقلال الفلسطينيين في إطار عملية السلام؛ حيث ألمح إلى أن عملية السلام في الشرق الأوسط قد تم تعطليها بسبب وقف المفاوضات، كنتيجة للجمود المستمر بين الإسرائيليين والفلسطينيين، كما نوه بأن الوضع الراهن كان له أثره في تعزيز «الهوية الدينية» غير المرغوبة على حساب «الهوية الوطنية»، وأنه من المرجح أن كلا الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني يعاني هذا الوضع.
ومع ذلك، مدح «مريدور» الجهود التي بذلت من أجل حل الصراع، فيما أدان الفلسطينيين لرفضهم التخلي عن مطالبهم التي وصفها بأنها «غير واقعية».. حيث أشار في هذا الصدد إلى ما جاء في كتاب السيرة الذاتية لـ«كونداليزا رايس» وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، حين تحدثت عن اجتماعها مع «إيهود أولمرت» رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق في عام 2008؛ الذي قدمت خلاله اقتراحًا «ممكنًا» لعملية السلام من خلال طاولة المفاوضات.. وكان من شأن هذا الاقتراح وفقًا لـ «مريدور» حل الصراع لولا إصرار الفلسطينيين على وجوب منح جميع اللاجئين (الذين يُقدر عددهم بنحو 6 ملايين لاجئ) حق العودة.
ومن منطلق كون سياسة البناء المستمر للمستعمرات في الضفة الغربية والقدس تعد من معوقات المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين زعم «مريدور» أن بناء المستعمرات الإسرائيلية لم يكن نتاج سياسة رسمية من قبل الحكومة.. وحتى يضفي شرعية على بناء تلك المستعمرات أكد تفضيله تبادل الأراضي بين الجانبين، الذي يراعي التغيرات في التركيبة السكانية التي حدثت منذ عام .1967
وختم المسؤول الإسرائيلي بقوله إن الطريق الوحيد الممكن لكلا الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي على حد سواء هو «حل الدولتين».
وبعد انتهاء «مريدور» من محاضرته قام بالإجابة عن أسئلة الحضور.. فمثلاً في معرض تعليقه على الهجوم الذي وقع على المدرسة اليهودية (أوزار هاتوراه) في مدينة تولوز الفرنسية، وصف هذا الهجوم بأنه حادث مأساوي صادم، ويحمل كل معاني الظلم، لأنه ترتبت عليه خسارة حياة أطفال أبرياء. وفي إجابته عن سؤال بشأن تهديد الحرب غير المتكافئة مع إيران، رد «مريدور» بقوله إن التهديد الذي تفرضه الحرب غير المتكافئة متعلق بشكل مباشر بالبرنامج النووي الإيراني (مذكرًا بكلامه السابق حول كيف أن انتصار إيران قد يكون انتصارًا لعملائها من الجماعات الإرهابية).. وهنا يؤكد الحاجة الماسة إلى إقناع العالم العربي بالخطر الذي ينبع من إيران وبرنامجها النووي، مُسلطًا الضوء على الأثر المترتب على امتلاك إيران للأسلحة النووية والمتمثل في «تغيير قواعد اللعبة»، وما قد يؤدي إليه ذلك من إعادة تشكيل جذري لميزان القوى في منطقة الشرق الأوسط.
وفي رده على سؤال آخر مرتبط بالملف نفسه، شدد نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي على شكه الأكيد فيما يتعلق بفاعلية الطرائق البديلة غير العنيفة (كالدبلوماسية والعقوبات) لردع الطموحات النووية الإيرانية.
وبنظرة عامة على ما جاء في ندوة «مريدور» يمكن الخروج بالملاحظات الآتية:
- الأولى: لم يتناول «مريدور» التداعيات الجيوسياسية التي يمكن أن تترتب على توجيه ضربة عسكرية لإيران، فالهجوم على هذا البلد قد تكون له نتائج عكسية على المصالح الأمنية الإسرائيلية، وقد لا يكون له أثر يذكر على إيران فيما يخص قدرتها على الحصول على الأسلحة النووية.
- الثانية: هي أنه إذا كانت إسرائيل جادة في هدفها المزعوم بمنع حدوث سباق للتسلح النووي في منطقة الشرق الأوسط ؟ مع الأخذ في الاعتبار أنها تمتلك ترسانة نووية هائلة - فيجب على إسرائيل إذًا:
(1) السماح لبعثات الوكالة الدولية للطاقة الذرية بتفتيش منشآتها النووية.
(2) التصديق على اتفاقية شاملة من شأنها تحويل منطقة الشرق الأوسط إلى منطقة خالية من الأسلحة النووية (وفي هذه النقطة ادعى «مريدور» بأن الأسلحة الإسرائيلية لا تثير العداء في المنطقة، على عكس إيران). - الثالثة: ما أشار إليه «مريدور» بأنه في حالة قيام مصر بإنهاء اتفاقية السلام مع إسرائيل، فإن الأخيرة ستعارض أي عروض أخرى لإبرام أي اتفاقيات سلام مماثلة، ومثل هذا الموقف يفتقر إلى الحكمة، لأن مثل هذه المعاهدات، بما فيها معاهدة السلام بين إسرائيل ومصر، وبين إسرائيل والأردن واتفاقات أوسلو وغيرها، هي التي تتيح لإسرائيل الشكل الوحيد للشرعية السياسية داخل العالم العربي.
- الرابعة: حديثه الذي يزعم فيه أن سياسة بناء المستعمرات في الضفة الغربية والقدس لم تكن نتاج سياسة رسمية إسرائيلية يبدو غير مفهوم ويوحي بأن بناء هذه المستعمرات يتم بعيدًا عن أعين الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، فالمؤكد هو أن سياسة الاستيطان سياسة رسمية لكل هذه الحكومات ويتم أغلبها بمقتضى خطط وتمويل حكوميين رسميين.
- خامسًا: رغم أن الاعتداء على حياة أطفال أبرياء أمر لا يقره كل صاحب ضمير حي، فإن إبداء مريدور الأسف وحديثه عن الظلم الذي تعرض له أطفال يهود سقطوا ضحايا الهجوم على المدرسة اليهودية في تولوز.. يدعو إلى التساؤل: هل يشعر «مريدور» وحكوماته المتعاقبة بالأسف والظلم أيضًا حين يسقط الأطفال الفلسطينيون ضحايا آلة القتل الإسرائيلية وهم بالآلاف منذ الاحتلال عام 1967 إلى جانب المئات المعتقلين في سجون الاحتلال؟