هوامش
صمت الأغلبية يخدم المتطرفين
تاريخ النشر : السبت ١٤ أبريل ٢٠١٢
عبدالله الأيوبي
رغم التصاعد النوعي في أعمال العنف في البلاد واستمرار خطاب التأجيج الطائفي في مسعى لضرب إسفين بين أبناء الطائفتين الكريمتين في بلادنا، فإن ذلك كله لا يغير من حقيقة أن مثل هذه التصرفات لا تقوم بها إلا فئة قليلة لا تمثل غالبية أبناء البحرين، فهناك شبه إجماع بين مختلف الفرقاء على موقفين ثابتين يمثلان ركيزة أساسية من ركائز الحفاظ على النسيج الوطني البحريني المميز: أولاهما: رفض أشكال العنف كافة وتحت أي مبرر أو مصدر كان، وثانيتهما: نبذ كل صوت أو توجه أو خطاب يستهدف ضرب ركائز الوحدة الوطنية والتداخل المجتمعي بين أبناء الطائفتين ومختلف مكونات شعب البحرين، وهو التداخل الذي أعطى لفسيفساء البحرين جمالها المميز في المنطقة.
الركيزتان الأساسيتان اللتان يلتف حولهما غالبية أبناء البحرين حتى إن لم يكن صوت هذه الأغلبية عاليا، ففي مجتمعنا البحريني يحضر الآن ويرتفع صوت التطرف والغلو، وهذا الصوت عادة ما يكون هو الأعلى نبرة في المحطات الشديدة والخطرة التي تمر بها المجتمعات كافة، ولكنه صوت غير دائم، رغم تأثيره الخطر في النسيج المجتمعي، إذ سرعان ما تعود الصحوة للغالبية وتعمل على إزاحة الصوت المتطرف وإبعاد تأثيره عن مسار الحراك المجتمعي كي يأخذ مجراه ومسيرته الطبيعية، وحدثت مثل هذه الصحوة في الكثير من المجتمعات.
في البحرين يبدو أن غفوة الأغلبية الرافضة للوضع غير الطبيعي الذي نمر به، قد طالت، رغم المحاولات التي جرت هنا وهناك لإيقاظها وتنبيهها إلى أن إطالة أمد هذه الغفوة لا يصب في صالح الوطن، بل على العكس من ذلك فإن هذه الإطالة تخدم المتطرفين الذين يجدون في غياب صوت الاعتدال والوسطية الفرصة السانحة لاصطناع البطولات والتباهي، الخادع بالطبع، بالوطنية والإخلاص، مع أن ما يقومون به من أعمال كلها تصب في خانة الإضرار بالوحدة الوطنية التي تمثل عمود الوطن الرئيسي ومرتكز بنيانه.
هناك بلا شك أصوات مختلفة وسط الأغلبية الصامتة تنادي برفض الوضع الراهن وتتبرأ من الممارسات المتطرفة التي تحدث هنا وهناك بأشكال مختلفة، ولكن صوتها ـ للأسف ـ لا يتعدى نطاق محيط الأماكن المغلقة التي تلتقي فيها الفعاليات والشخصيات الرافضة لتلك الممارسات، مع أن صوتها العالي مطلوب في هذه الظروف تحديدا، بحيث يمثل حضوره وارتفاع نبرته، ردا طبيعيا على خطاب التطرف الذي أساء واضر كثيرا بالنسيج الوطني البحريني، وليس لديه أي اكتراث بالنتائج المدمرة التي يمكن أن يتسبب فيها في حال استمراره على الوتيرة التي نشاهدها الآن.
فالعديد من التحركات الشعبية التي استهدفت لم الشمل الوطني ونبذ خطاب التطرف والعنف أيا كان مصدرهما وأهدافهما، ورغم أنها تعكس في جوهرها مطالب الأغلبية (الصامتة) فإنها بقيت تمثل أقلية من حيث الأداء حيث لم تلق ذينك الدعم والاحتضان بحيث تتمكن من محاصرة صوت التطرف وعزله عن التأثير في شرائح من المجتمع صدمتها قوة وهول الأحداث الأخيرة التي مرت بها البحرين وخاصة بعد أحداث الرابع عشر من فبراير من العام الماضي، والتداعيات التي أعقبتها ومازالت مستمرة بأشكال وممارسات مختلفة.
فالأحداث الأخيرة هي واحدة من نتائج الخطاب المتطرف لفئة تمثل الأقلية بين أبناء البحرين، والدليل على ذلك أن رفض هذا الخطاب والأعمال جاء من مختلف المصادر وعبر عنه العديد من الفعاليات السياسية، ولكن كل ذلك لا يكفي ما لم يكن هناك تفعيل حقيقي لصوت الأغلبية الصامتة التي في ـ اعتقادي ـ هي القادرة على عزل المتطرفين أيا كانت توجهاتهم وحججهم، فاستمرار صمت الأغلبية وتفرجها على العبث الذي يمارسه المتطرفون وتسببهم في إحداث شرخ مجتمعي خطر، سوف ينعكس سلبا على غالبية أبناء البحرين.
وبقدر ما يطول أمد غياب صوت الاعتدال وانكفاء الأغلبية الصامتة وتقوقعها بين جدران فعالياتها، بقدر ما سوف نشهد تصاعدا في خطاب التطرف، إذ يجد الواقفون وراء هذا الخطاب أنفسهم وحيدين في الساحة الوطنية يعيثون فيها أفعالا وأقوالا تخريبية ضارة بالغالبية العظمى من أبناء هذا الوطن الذين يرفضون تمزيق نسيجهم الوطني لتحقيق مآرب ذاتية ومصالح سياسية وطائفية ضيقة، أقل ما يمكن وصفها بالمصالح التخريبية على حساب المصلحة العليا للوطن وأبنائه.