عالم يتغير
البحث عن «المؤامرة» ودور الإعلام البحريني
تاريخ النشر : الأحد ١٥ أبريل ٢٠١٢
فوزية رشيد
} أصبح واضحا للجميع الآن وعلى الاقل في البحرين وبعض دول الخليج العربي، أن المؤسسات والمراكز الدولية، التي انتشرت بشكل كبير في كل أرجاء الوطن العربي، وفي ظل ما أعلنته إدارة بوش السابقة حول نشر الديمقراطية، أن تلك المؤسسات والمراكز تعمل على ما يبدو في ظاهره نشرا للوعي الديمقراطي، الا انه الوعي الذي يحمل في طياته وباطنه خفايا كثيرة أولها التقاط عناصر من المتدربين ليتم فيما بعد تجنيدهم فكريا وسياسيا لقلب انظمة الحكم في بلدانهم، وبعضها يعمل على ذلك مباشرة، ويبدو أن عناصر التجنيد التي تم اطلاقها في البلاد العربية التزمت بتعاليم التدريب الذي كان قد نشط في السنوات الأخيرة في اتجاه مباشر للتغيير، وأسهمت بشكل واضح في تحريك الجماهير وتوجيهها في اتجاهات معينة، وتعبئتها بخطابات مدروسة، وتحشيدها تجاه سلوكات لم تكن معتادة لدى الغالبية العظمى من الشعوب العربية مثل تعمد اهانة الرؤساء والحكام ورموز الحكم بقصد النيل المتعمد ايضا من هيبة الدولة، وهو ما اعترف به عدد من المتدربين وعلى رأسهم الناشطة المصرية في قناة (الحوار) التي انتشر فيديو بخصوص اعترافاتها في اليوتيوب.
} ان مراكز التدريب واعداد الدراسات والبحوث والتوجيه الفكري والسياسي هي متعددة ومختلفة ومنتشرة وأغلبها تحت الرعاية الامريكية المباشرة وتمويلها، وقد ذكر كتاب (حرب اللاعنف في البحرين) عددا منها وأفرز من بينها أكثر تلك المنظمات اهتماما بالتغيير في البحرين مثل (أكاديمية التغيير) و(مؤسسة راند) و(مؤسسة كارينجي للسلام) و(مؤسسة بروكينجز) وغيرها.
ورغم ان الفيلم التوثيقي (البحث عن المؤامرة) الذي أنجزه الاعلامي المعروف محمد العرب لقناة العربية، ركز في البحث عن وجود (اكاديمية التغيير) وألقى الضوء على المتدربين البحرينيين في تلك الأكاديمية وهما الكاتب الصحفي (يوسف البنخليل) والرياضي والناشط الشبابي (عبدالعزيز مطر) فان الفيلم ورغم أهميته وشكرنا لقناة «العربية» والاعلامي «محمد العرب» لم يعط صورة بانورامية شاملة عن حقيقة دور المنظمات الدولية بشكل عام في الأحداث العربية الأخيرة المسماة الربيع العربي ودور بقية المنظمات في التدريب على تغيير الأنظمة في الخليج وفي مقدمتها البحرين.
} المسألة اليوم ليست خافية فأدوار ومشاريع وأفكار تلك المنظمات والمؤسسات مطروحة للعلن وموجودة في (النت)، هذا بما يخص ظاهر عملها، أما المخفي فليس من الصعوبة الالمام بخيوطه لأنه بدوره وبقليل من الربط وتتبع الممارسات التي يمارسها المتدربون في تلك الاكاديميات والمؤسسات تنبئ عن الدور الحقيقي لها وتشابه أدائهم، واصبح من السهولة الحدس بأن هذا متدرب وغيره ليس كذلك من نوع الخطاب وطريقة الأداء.
وفي نظرنا فان تجربة البحرينيين (البنخليل وعبدالعزيز) ولانها تحديدا تكشف الكثير بما له علاقة بمتغيرات البحرين الراهنة وليس فقط أزمة فبراير 2011 فانه بالامكان بسهولة للإعلام البحريني وخاصة التلفزيون أن يجري لقاءات متعددة ومطولة معهما، لتنوير الرأي العام البحريني والخليجي بما يتم الاعداد له بعد فشل الانقلاب الطائفي في العام الماضي، وان يترك الموضوع لتفاعل وعي الناس وخاصة (أهل السنة) الذين تستهدفهم تلك المؤسسات والدولة التي ترعاها لخلخلة العلاقة جذريا بينهم وبين نظام الحكم، وليتم تجنيدهم سياسيا كأدوات جديدة ترفد عناصر الحراك الانقلابي، وليتم تصوير ان الشعب البحريني بكل مكوناته الاساسية هو ضد النظام، ومع التغيير الذي للأسف تم التخطيط له مسبقا من جانب تلك المراكز، وهو ما استعرضنا العديد من جوانبه في تعليقنا على كتاب (حرب اللاعنف في البحرين) وعلى عدة مقالات، وحيث الكتاب نفسه تطرق إلى جوانب فيه.
} وبقدر ما هو مهم ما تم طرحه في قناة (العربية) وباعتبارات جماهيريتها الكبيرة على المستويين العربي والعالمي، فانه من المهم ايضا ان يتحرك إعلامنا وتلفزيوننا لطرح حوارات مفتوحة لما يتم اللعب به من خلال المؤسسات الخارجية لتغيير وضع بلادنا، والجديد فيه ضرب العلاقة بين (أهل السنة) والنظام السياسي، ليكونوا حطبا مجانيا فيما يتم الاعداد له من سيناريوهات تغيير ذات اتجاه محدد أو حسب الطلب الامريكي تحديدا لأنظمة الحكم في البحرين والسعودية وبقية دول الخليج العربي، باعتبارها معا على خريطة التغيير الذي رسمته الإدارة الامريكية في استراتيجيتها الراهنة.
وهذا يحتاج إلى وعي جماهيري حقيقي وخاصة عند أهل الفاتح وتحديدا المكون الرئيسي فيهم وهم أهل السنة ليدركوا أن نشر التذمر في أوساطهم بالامكان تصنيع الكثير من آلياته بتوجيه وبحرفية وقصدية ليخدم في النهاية خلخلة داخلية حقيقية تجتمع عناصرها الداخلية لتسهيل مهمة الاستراتيجية الخارجية لنمط أنظمة الحكم في الخليج.
} من المهم التوعية بأن النواقص أو بعض العيوب أو وجود الفساد أو البيروقراطية الادارية والسياسية أو غيرها من المطالب المعيشية هي احوال طبيعية في كل بلدان العالم، بل ان بلدانا تدعي التطور والتقدم تعانيها وبشكل كبير أيضا، والفرق هو ان نسعى في إطار طبيعي وسلمي إلى تحقيق المطالب، أو أن يتم اللعب عليها خارجيا لتحريض عناصر مختلفة من مكونات أي بلد ونتحدث هنا عن البحرين ليتم استغلالها في اشاعة الخلخلة والفوضى بشكل منهجي مدروس يؤدي إلى فصم العلاقة بين أهل السنة والنظام بما يخدم متغيرات في السلطة ذات أهداف معينة لن تؤدي نتائجها في الاخير لتكون لا في صالح الوطن ولا في صالح الشعب ولا في صالح من تم استغلالهم وتجنيدهم، فالفوضى هي نهاية الطريق، والمؤشرات واضحة جدا في الانجاز العبقري، حسب التسمية في العراق وفي العديد من بلدان ما يسمى الربيع العربي.
} مرارا قلنا ان اللعب أصبح على المكشوف ولذلك فان دور الاعلام والتلفزيون البحرينيين وبشكل صريح ايضا مهم في القاء الضوء على ما يدور حولنا من مخططات استهداف، بل القاء الضوء الساطع وتركه ليتفاعل مع الوعي البحريني، ومن المهم اليوم أيضا الاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي التي تدير بشكل غير مسبوق اتجاهات الوعي والرأي في البحرين ان يكون القائمون عليها واعين لما يتم التخطيط لبلدهم، وألا يسهم بعض القروبات او الوسائل الأخرى كالتويتر والفيس بوك وغيرهما في تغذية تلك المخططات التي تديرها المراكز الدولية المسيسة، فإذا خسر الشرفاء وطنهم وخسروا امنهم وسلامتهم فلن يعود بعدها لأي شيء آخر أهمية تذكر.
على شرفاء هذا الوطن وكما أفشلوا الحراك الانقلابي الطائفي أن يُفشلوا مخطط استهدافهم واستهداف وعيهم واستهداف وطنهم، فهم الحصان الذي تريد الجهات المعنية بالتغيير في البحرين والخليج، الرهان عليه لانجاح ما فشلوا فيه في العام الماضي.
وحفظ الله البحرين.