الجريدة اليومية الأولى في البحرين


قضايا و آراء


دستور اليابان و«الربيع العربي»

تاريخ النشر : الأحد ١٥ أبريل ٢٠١٢



كتب الأخ الدكتور خليل حسن مقالا في صحيفة أخبار الخليج يوم السبت 8 جمادى الاولى 1433 هـ الموافق 31 مارس 2012 في صفحة قضايا بعنوان: دستور اليابان و«الربيع العربي» ولكن بعض ما ذكره في المقال يخالف بعض الحقائق وهي باختصار:
} لا يوجد تشابه او مقارنة بين تجربة اليابان مع الديمقراطية ودستور الميجي الذي وضع في سنة 1889 ودستورها الحالي الذي وضع بعد الحرب العالمية الثانية بأحداث الربيع العربي.
} هناك أقوال إن نظرية الثورة الخلاقة لعنة ونعمة وكانت نظرية فيزيائية لعالم الأرصاد الأمريكي ادوارد لورينتز في بداية ستينيات القرن الماضي عند محاولته التنبؤ بالأحوال الجوية وطورت للتنبؤ بالمضاربات المالية ودراسة سلوكات الحشرات والبشر مما أدى إلى ظهور نظرية احداث فوضى في مكان والتنبؤ برد فعل عقلاني اوغير عقلاني في مكان آخر، واستخدمت لإيجاد فوضى سياسية في دول أمريكا اللاتينية واوروبا الشرقية وغيرت مسمياتها إلى فوضى خلاقة وربيع عربى واستخدمت في العالم العربي بعد بروز عوامل عديدة اقليمية وعالمية مثل نهاية الحرب الايرانية العراقية، اختلاف الرؤية في القيادة السياسية السوفيتية، احتلال العراق دولة الكويت الشقيقة وتحريرها، انسحاب السوفيت من المانيا الشرقية بمقايضة مالية دفعتها المانيا الغربية، تفكك الاتحاد السوفيتي ويوغسلافيا ودول حلف وارسو عن طريق القوة المسلحة او الحركات الشعبية بطرائق مدروسة ومتسلسلة ولم تكن عفوية، ويتم اختيار الدول بعد توافر الدافع والهدف والفرصة بسبب الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والدينية والعرقية، ويتم قبل ذلك محاكاة وتكهن بدايتها ونهايتها، ونجاحها او فشلها او عدم حسمها.
} تم استخدام ظروف مشابهة لنظرية الفوضى في ثورات في دول مثل فرنسا الملكية في سنة 1789، الدولة العثمانية في سنة 1820، روسيا القيصرية وفارس القاجارية في سنة 1908، الانقلاب على حكومة محمد مصدق في سنة 1953، والانقلابات في الدول العربية الملكية رغم أن دساتيرها كانت مماثلة لدساتير الدول الغربية خلال خمسينيات وستينيات القرن الماضي.
} رغم توافر وسهولة استخدام تكنولوجيا الاتصالات والانترنت بطرائق عديدة فانه من السهولة ايقافها ومراقبتها وتوجيهها.
} نجاح معجزة اليابان الاقتصادية لأسباب عديدة منها تفاني الشعب الياباني في العمل وتوافق رجال الاعمال والصناعة مع نقابات العمال لادخال التقنية الحديثة، والاستثمار في الأيدي العاملة المدربة وتصنيع منتجات مطلوبة في العديد من الدول خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، وزيادة الطلب المحلي والاقليمي والعالمي للصناعات الأساسية والكمالية العصرية، مما أدى إلى تحسن أوضاع العمالة في اليابان ونشوء طبقة نامية.
وهناك عوامل أخرى أسهمت في أن تصبح اليابان والمانيا الغربية من أهم وأقوى اقتصادات دول العالم، وفي الحالة اليابانية كان تعيين الجنرال الشهير ماكارثر الحاكم العام لليابان وتفاديه وضع اليابان تحت ادارة مشتركة للحلفاء كما حدث في المانيا ـ التي قسمت اداريا بين الدول الاربع المنتصرة في الحرب العالمية الثانية ـ واكتسب الجنرال ماكارثر شعبية من قبل الشعب الياباني ومن الليبرالية والفلاحين والعمال لأنه طبق بعض الاحكام الاشتراكية واصدر أمرا بمنع اهانة اي ياباني من قبل قوات الحلفاء ووزع الطعام على الشعب الياباني بكفاءة وعدل ومنع وقوع مجاعة كارثية بعد نهاية الحرب، ومنع اليابان من الاحتفاظ بقوات عسكرية حسب الدستور الحالي، واعتمادها على الحماية العسكرية الامريكية مما وفر مبالغ هائلة وجهت إلى الصناعة والتدريب ورفع مستوى المعيشة للشعب الياباني، وفصلت حكومات اليابان المتعاقبة سياستها الاقتصادية عن السياسة فساعدها اقتصاديا ومعنويا على التعامل والتعاون مع دول العالم.
} عزلت اليابان نفسها عن العالم في القرن السادس عشر خوفا من احتلالها مثل ما حدث لدول أمريكا اللاتينية من قبل البعثات المسيحية القادمة من أوروبا، وعمل الإمبراطور اياسيو شوغن على منع انتشار المسيحية وطرد الاوروبيين وأجبر المسيحيين من اليابانيين على التخلي عنها وقتل من عارضه وقضى بذلك على المسيحيين في سنة 1640، واصبحت اليابان معزولة باستثناء زيارات من بعض مبعوثي الأسرة المالكة في الصين وكوريا وتجار هولنديين لعدم اهتمامهم بالتبشير المسيحي، وتمت ازالة جدار العزلة عن اليابان وانفتاحها على العالم الحديث قبل وضع دستور ميجي بوصول القائد الأمريكي ماثيو بيري في سنة 1853 بأربع سفن حربية لاجبار اليابان على فتح موانئها للتجارة وتقديم المساعدة للبحارة والسفن المنكوبة، وعند رجوعه في السنة التالية كانت هناك معارضة من اليابانيين فتم قصف بعض الأماكن بمدفعية السفن الأمريكية الحربية ووقعت اليابان معاهدة مع الولايات المتحدة الامريكية في سنة 1854 وتبعتها معاهدة أخرى في سنة 1858، ومعاهدات مع دول أخرى.
} اعتبرت المعارضة اليابانية هذه المعاهدات غير عادلة فأجبر حكام المقاطعات الغربية الحاكم شوغن على الاستقالة، وأعيدت السلطة إلى الإمبراطور في سنة 1867 وأصبح موتسوهيتو امبراطورا لليابان في سنة 1868 ونقلت العاصمة من كيوتو إلى إيدو التي سميت فيما بعد طوكيو، وعرفت الفترة التي حكم خلالها الإمبراطور موتسوهيتو بالعهد الميجي وتعني المتنور، وكان ترتيبه في الحكم 122، وتطورت اليابان في عهده لتصبح قوة صناعية وعسكرية وأصبح الإمبراطور رمزا للعهد الجديد فأصدر الميثاق الإمبراطوري الذي يضمن تحديث اليابان والتوجه للدول الغربية للحصول على التقنية والأفكار الحديثة، وحلت قوات الساموراي واستبدل أسطول بحري وجيش حديثان بها، وأنشئت شبكة البرق والسكك الحديدية وأرسي نظامان حديثان للمصارف المالية والضرائب وأرسل كثير من الطلاب إلى الخارج للدراسة وتعلم الصناعات وتم جلب كثير من الخبراء الأجانب وإنشاء مصانع وفتحت مدارس وادخلت اللغتان الانجليزية والفرنسية في مناهج التعليم.
} ذهب هايتو هيروبومي أحد قادة العهد الميجي إلى اوروبا في سنة 1882 لدراسة أنظمة الحكم الدستورية وأسهم في اصدار أول دستور ياباني في سنة .1889
} بارك الامبراطور هيروهيتو ـ وكان ترتيبه في الحكم 124ـ توجه القوى اليمينية المحافظة والقادة العسكريين إلى السيطرة على البرلمان لتحقيق طموحاتهم الاستعمارية في بداية القرن العشرين.
} رغم ايجابيات دستور ميجي الذي ينص على حرية الكلمة والرأي والجمعيات العامة والحقوقية فانه كان مقيدا بقوانين وشروط مما أفقده قيمته وأهميته وفعاليته، واستخدم نظام المجلسين فمجلس النواب منتخب ومجلس النبلاء معين وكانت سلطات الامبراطور مطلقة مستمدة من كونه مفهوم الاله الحي وتعرف باللغة الانجليزية كونسبت أف ليفينج كاد مما حتم على الجنرال ماكارثر والمشرعين ازالة سلطات وقدسية الامبراطور وفصل الدين عن الحكم في الدستور الحالي الا ان الشعب والحكومات المنتخبة تكن للإمبراطور الكثير من الاحترام والمحبة وتسمح له القيام بأمور تشريفية.
} أجبر الجنرال ماكارثر الامبراطور هيروهيتو على اذاعة خطاب يعلن للشعب الياباني أنه شخص عادي وليس الها في 1 يناير .1946
} كانت هناك مقاومة من الامبراطور هيروهيتو والمستشارين لتغيير دستور ميجي مما أدى إلى طلب الجنرال ماكارثر إلى ميلو رميال وكارتيني ويتني ومعهما مجموعة أخرى اختارهم ماكارثر لمعاونة هذين الضابطين وهما يحملان شهادات في القانون صياغة دستور جديد يأخذ من دستور ميجي بعد حذف او تعديل البنود لجعل الدستور الجديد متماشيا مع نقل السلطة إلى الشعب والأخذ بالأمور الديمقراطية وسحب صلاحيات الامبراطور وازالة القدسية عنه، وقد ساعدتهما السيدة بينفي سيودتا على اعداد الدستور في أمور المرأة والسماح لها المرة الأولى بالمشاركة في الانتخابات والسماح للرجل والمرأة بحرية الزواج وانجاب الأطفال وأمور أخرى والفضل للجنرال ماكارثر في ذلك.
} كانت المهلة التي أعطاها ماكارثر لإعداد هذا الدستور هو أسبوع واحد وسلم إلى المسئولين اليابانيين بطريقة مفاجئة في 13 فبراير 1946 وفي 6 مارس 1946 نشر الدستور وفي 10 ابريل 1946 تمسك به ممثلو المجلس التشريعي، واعتبر دستور اليابان الرسمي والمقترح وصدق على الدستور وتمت الموافقة عليه ورفضه خمسة أشخاص.
} كانت هناك محاولات عديدة لاجراء بعض التغييرات في الدستور من قبل أحزاب يمينية ولكنها لم تنجح لأن النظام المعمول به في البرلمان يتطلب الحصول على ثلثي اعضاء مجلس النواب لأي تغيير يكاد ان يكون مستحيلا لأن أغلب الاحزاب ورجال الأعمال يعارضون المقترحات اليمينية، كما أن السلطة القضائية مستقلة بدرجة كبيرة، ورغم أن المادة التاسعة في الدستور تمنع اليابان من اعلان الحرب والاحتفاظ بقوات حربية جوية او بحرية او برية فقد تم اجراء بعض التعديلات لانشاء قوات الشرطة وتحويل بعض أفرادها إلى قوات عسكرية سميت قوة الدفاع الذاتية وسمح بعد ذلك بارسالها إلى خارج اليابان بعد أخذ موافقة من البرلمان، وكان بداية انشاء القوات العسكرية بعد نشوب الحرب الكورية في سنة 1950، وأجري بعض المحاولات للتغيير منذ سنوات عند تأخر ولادة ولي العهد الحالي.