الاختيار الصعب: حماية البيئة أم خلق الوظائف؟
 تاريخ النشر : الاثنين ١٦ أبريل ٢٠١٢
بقلم: د. إسماعيل محمد المدني
كَتبتْ صحيفة الكريستيان ساينس مونيتور )rotinoM ecneicS naitsirhC ehT( في أبريل ٢٠١٢ عن قصة مدينة أوروبية صغيرة وغير معروفة كثيراً، عليها الآن الاختيار بين أمرين كلاهما خير وبركة للسكان ولمستقبل المدينة، فعليهم اتخاذ القرار والاختيار بين البيئة وبين الوظيفة، بين حماية البيئة وثرواتها الطبيعية الجميلة والغنية وبين التنجيم عن اليورانيوم وخلق الوظائف وازدهار الاقتصاد ودفع عجلة التنمية.
هذه المدينة تقع في السويد واسمها أوفيكن )nekivO(، وتحيط بها جبال السكانديز العتيقة الشاهقة، وتشتهر ببيئتها العذراء البالغة في الحيوية والجمال، وتتميز بتنوع الحياة الفطرية التي تزخر بها المدينة، وتتمتع بأعدادٍ غير كبيرة من السواح الذين يزورونها.
هذه المدينة اكتشف في بطنها مخزون ضخم من اليورانيوم، فهي تسبح فوق كنزٍ كبير، وثروةٍ طائلة، وخيرٍ وفير ينتظر السكان، فقد أكدت التقارير أن هذه المدينة تعيش فوق أكبر مخزونٍ لليورانيوم في العالم.
فعندما شرعت الشركة المعنية باستخراج هذه الكنز في العمل وبدأت آليات الحفر والتنقيب القيام فعلياً بالعمل، وشاهد السكان التدمير الذي يحصل لبيئتهم الجميلة ومكوناتها الحية وغير الحية، ورأوا بأم أعينهم الخراب الذي يلحق بغاباتهم وأنهارهم وتربتهم الخضراء، بدأوا يفكرون ملياً في الأمر وبجدية شديدة.
فالسكان الآن في حيرة واضحة من أمرهم ولا يعرفون ما هو القرار الأصلح والأفضل لمدينتهم الصغيرة التي يبلغ سكانها ٧٠٠٠ نسمة فقط، ومعظمهم يعاني من البطالة المستدامة، وقلة سبل الرزق، وضعفٍ مدقع في الإمكانات المادية، حتى أن السكان يخشون أن مدينتهم مع الوقت ستكون خالية من الناس.
ولكن في المقابل فإن استخراج هذا الكنز المدفون يقدم لهم عملاً مجدياً، ورزقاً وفيراً، وحياة مرفهة ومزدهرة، وسعة في الرزق والعيش، وسيمنع سكان المدينة من الهجرة وترك مسقط رأسهم وأقاربهم بحثاً عن العمل خارج المدينة، وفي الوقت نفسه فإن التنقيب عن هذا الخير في باطن الأرض سيكلف البيئة وتنوعها وثرواتها الطبيعية الشيء الكثير، وسيؤثر على الحركة السياحية في المدينة والمعتمدة على الحياة الفطرية الجميلة.
إن قصة هذه المدينة تكررت في الكثير من دول العالم على مدار المائة سنة الماضية، سواء الدول النفطية كدول الخليج وغيرها التي استخرجت منذ الثلاثينيات النفط والغاز الطبيعي، أو الدول التي توجد فيها معادن ثمينة كالدول الأفريقية، أو الدول التي توجد فيها غابات كثيفة يستفاد من أخشابها، فهذه القصة تمثل صراعاً أزلياً لا ينتهي بين حماية البيئة من جهة، وإيجاد الوظائف وازدهار الاقتصاد وتحسين مستوى الدخل والعيش للمواطنين من جهةٍ أخرى.
والحل في تقديري يكمن في إتباع المنهج الوسطي والمعتدل المبني على الحكمة الإسلامية الشرعية التي تقول «أخف الضررين وأهون الشرين»، أي اختيار طرق الحفر والتنقيب الأقل تدميراً للبيئة ومواردها، والأخف وطئاً على عناصر وثروات البيئة الحية، بحيث نتجنب التدمير الشامل للبيئة، فنُلحق بجسم البيئة وشرايينها الحية وغير الحية تكاليف محسوبة علمياً وأقل ما يمكن من الخسائر التي لا تقضي عليها كلياً، فتتمكن مع الوقت من استيعابها وتحملها، ثم نقوم بتأهيل هذه البيئة بعد الانتهاء من عملية الاستخراج والتنقيب.
وهذه السياسة يُطلق عليها العالم الآن بالتنمية المستدامة التي تأخذ في الاعتبار عند القيام بأي عمل تنموي مهما كان حجمه أو نوعه، الجانب الاقتصادي جنباً إلى جنب مع الجانب البيئي والاجتماعي، ولكن تنفيذ هذه السياسة في الواقع يحتاج إلى الكثير من الإبداع في الفكر والتنفيذ، والصبر وعدم الاستعجال عند الشروع في أي مشروعٍ تنموي، واختيار الحل الأقل ضرراً على البيئة ولو كان أكثر كُلفة على المدى القريب.
.