أفق
الفئاتُ الوسطى في حراكِها التداولي
تاريخ النشر : الاثنين ١٦ أبريل ٢٠١٢
عبدالله خليفة
الفئاتُ الوسطى الرّاهنةُ كأجنةٍ للطبقاتِ الوسطى العربيةِ القادمة هي في حراكٍ متسارعٍ مضطربٍ متعددِ الايقاعات والتداخلات، لأنها ذاتُ رساميل مالية، وأهلية في بلدانها، وذات صلات وثيقة ببعض الدول العربية الإسلامية والعالمية.
وكما يتشكل الإسلامُ المعاصرُ من نشاطٍ في العديد من الدول العربية والإسلامية عبرَ الدعوةِ والفقه وليس من خلال الفلسفة والعلوم، فكذلك يتشكل حاضرُ الفئاتِ الوسطى من رأس المال المالي.
مستوياتُ الدعوةِ الفقهية تتقاربُ ومستوياتُ الرساميل، ومن هنا غلبةَ البنوكِ على المصانع، وهي كذلك غلبةٌ للتفسيرات الفقهية الجزئية على التفسيراتِ الكلية الفلسفية، وهي حراكٌ آني متذبذب بين الماضي والحاضر، بين الشرق والغرب، بين النص والعقل، بين التقليدية والمعاصرة.
وكما أن الواقع هو تفككٌ للأسواق العربية هو كذلك تفكك للوعي وعدم قدرته على رؤية العمليات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية كافة.
التفككُ الرئيسي هو تفككُ الرأسماليةِ في كل بلد، عبر وجهيها العام والخاص، فالرأسمالياتُ الحكومياتُ سعتْ لتشكيلِ رأسماليات كلية من داخلها، ونقض تشكلها من خارجها، لكنها لم تستطع، لأن الرأسمالَ داخلها تآكل، وعجزَ عن الإحاطة بجميع حقول الاقتصاد وبُنى المقاولات والصناعات والبنوك الخاصة والتجارة، كما أنه تقلص بشكلٍ مستمر، وقد حاولت تجارب إزالةِ الرأسمالية الخاصة كلياً في مرحلةٍ فتعثرَ الاقتصادُ، وهُزم في مثل هذا الواقع في حروبٍ واحتاج ثانية إلى رأس المال الخاص والأجنبي، وتفجرت تناقضاتٌ اجتماعية داخلية لم يُحسبْ حسابها السياسي في تجارب أخرى، وهي كلها مظاهر للتعبير عن أزمةِ الرأسماليات الحكومية العاجزة عن التحكم في قوانين الرأسمالية المعتمدة على حرية السوق والديمقراطية والعلمانية.
محاولات الرأسمال العام لنقض الرأسماليات الخاصة كنظام متكامل جاءت على أساس أيديولوجي حداثي مستورد؛ قومي، وشيوعي، وبعثي، وطائفي تحديثي شكلي، وأطروحاته هي هدم الماضي والتراث والتخلف، عبر القفز عليه، فلم تستطع.
الآن ثمة عودةٌ للتراث، وللرأسمال الخاص، ولمشكلاتِ البُنى العربية العتيقة مجدداً من مواقع أيديولوجية مختلفة بتطرفٍ حيناً وباعتدالٍ حيناً آخر، لكنها ترفضُ كذلك قوانينَ الرأسمالية.
الفئات المعارضة الدينية القائدة للتحولات الراهنة هي نابعةٌ من أوساطٍ غير حكومية تتبادل المعرفةَ والفقه والدعايات السياسية فوق الحدود الوطنية، ففي كلِ دولةٍ هناك مشروعاتٌ تاريخية متباينة ومن الممكن أن تغذي تطوراتٍ في بلدان أخرى، مثلما هو رأس المال الديني عابر للحدود والدول والأزمان، ولكون طبيعة هذه الرساميل مالية تجارية.(راجع بهذا الصدد ما كتبه الأستاذ خليل علي حيدر عن خيرت الشاطر مرشح رئاسة الجمهورية في مصر وعلاقته بالبنوك وحركة الإخوان المسلمين معاً، الأيام 13 إبريل 2012).
إن دولةً سلفيةً ونصفَ ليبرالية من الممكن أن تغذي حركةً دينية ليبرالية في بلد آخر، والجسمان يرتبطان بطبيعة الأجسام الدينية المتراوحة بين الإقطاع والرأسمالية.
هذا يحدث أغلبه في بلدان الثورات ماعدا ليبيا التي هي جسمٌ جزيري خليجي في شمال إفريقيا.
ففي بلدان الثورات لعبتْ القطاعاتُ الخاصة بقياداتها الدينية دور تفكيك الرأسماليات الحكومية الشمولية بأفكارها السياسية، عائدة للماضي، مناوئةً للغرب بشكل من الأشكال.
ففيما كانت التجارب القومية واليسارية تهدف للقفز نحو الغرب، أي أن تقفز للمستقبل والحداثة، فإن التجارب الدينية الراهنة تقفز إلى الماضي، إلى الإقطاع، حسب تلونات ودرجات الفئات المؤثرة.
عند الإخوان والسلف تنشدلا الحركةُ التاريخية نحو الماضي.
عند الليبرالية والإخوان تنشد الحركة للحاضر وللرأسمالية.
غياب الطبقة الوسطى غير الموجودة التي يتشكلُ قلبُها من الصناعات، يجعل الحركة متذبذبة، الطبقة الوسطى المتجذرة في الصناعة وذات العلاقة الوطيدة بالعاملين التحديثيين، تجعل الحركة السياسية التاريخية قوية، أكثر رسوخاً، لا تندفع للماضي بحدة، ولا تقفز نحو المستقبل برعونة.
لكن علاقات أنظمة الثورات والتحولات بالعالم المحافظ كبيرة سواء من داخلها أو خارجها، من داخلها بوجود بُنى اجتماعية واقتصادية ما قبل رأسمالية، ومن خارجها عبر العلاقات مع دول الجزيرة العربية حيث لاتزال جذور المحافظة قوية، ومن هنا فإن شركات الأموال والبنوك والعقارات والمصانع الصغيرة المتداخلة عاشت بين مستهلكين ومنتجين ومدخرين يعيشون تقاليد ما قبل الحداثة، وتداخلت هذه مع العلاقات الاقتصادية الحديثة. حداثيون شكلاً يعيشون في الماضي وماضيون يعيشون في الحداثة.
إن كبريات التجارب التحولية تتباين بين مصر والعراق على سبيل المثال، ففيما تتأثر مصر بالسعودية يتأثر العراقُ بإيران، أي أن رأسماليات الدول المذهبية لاتزال تلعب دوراً مهماً في التأثير على دول التحول (الثوري)أي الدول المتجهة لسيادة المُلكية الخاصة في الإنتاج، ويتجسد هذا في المذهبية السياسية التي هي شكلٌ أيديولوجي للحيرة السياسية، وعدم الحسم التاريخي في اختيار طريق الحداثة، والتردد بين الماضي والحاضر، بين الإقطاع والرأسمالية، بين الشمولية والديمقراطية العلمانية، والتي هي ذات سببٍ موضوعي هي فقدانُ الطبقات الوسطى وحين تتشكل يتبدلُ البناءُ الفوقي