الجريدة اليومية الأولى في البحرين


هوامش


انتصار الثقافة والفسيفساء الجميلة

تاريخ النشر : الاثنين ١٦ أبريل ٢٠١٢

عبدالله الأيوبي



تصكان لسقوط المقترح النيابي بشأن استجواب وزيرة الثقافة الذي كان بداية على ما يبدو لطرح الثقة فيها، صدى إيجابي لدى أوساط مجتمعية كثيرة ومتعددة، ليس من منطلق تأييد الوزيرة أو التضامن مع الفعاليات الثقافية التي يقدمها مهرجان «ربيع الثقافة»، ولا من باب التشمت في النواب وفشلهم في الانتقام من الوزيرة التي وقفت لهم سدا منيعا في وجه محاولاتهم قطع ورد الربيع قبل تفتحه، تارة بحجة دماء الشعب السوري الشقيق وأخرى «تجاوز» هذه الفعاليات حدود العادات والتقاليد في مجتمعنا، فالارتياح الذي جلبه سقوط مقترح الاستجواب وسط مختلف الأمزجة مرده أن هذه النتيجة مثلت انتصارا للحريات الخاصة والعامة التي يفترض أن تكون مصونا ومحرمة بغض النظر عن الحجج التي يطلقها هذا الفريق أو ذاك.
فالجماعات المتطرفة فكريا والمتزمتة دينيا التي أشعلت النار في وجه فعاليات ربيع الثقافة، وهيجت أنصارها من أجل العمل على إبطال أنشطة تلك الفعاليات بشتى الوسائل والسبل، أثبتت من جديد أنها غير قادرة على العيش في محيط متعدد الثقافات السياسية والفكرية والاجتماعية، فلم تكترث بحقوق الآخرين في الاستمتاع بما يقدمه ربيع الثقافة من فعاليات فنية وثقافية وغنائية حرص البعض على دفع أموال من جيوبهم الخاصة لحضورها، فقامت هذه الجماعات باختلاق الذريعة تلو الأخرى لسلب حرية الآخرين بالاستمتاع بتلك الفعاليات حتى وصل بها الأمر إلى إحداث تلك الزوبعة الصبيانية في مجلس النواب وإطلاق المفردات اللغوية الرخيصة بحق الوزيرة على مسمع الحضور.
ربما بعض النواب أخذتهم الحماسة وانساقوا وراء الدعوات التي تبناها نواب التزمت الديني والتطرف الفكري من أجل استجواب وزيرة الثقافة، حين أيدوا طلب الاستجواب ووقعوه، لكن يبدو أن هؤلاء النواب وبعد زوال مسببات الانفعال، تراجعوا عن تأييد ذلك الطلب الدستوري غير العقلاني، ذلك أن الصدام بين ممثلي السلطتين التنفيذية والشرعية يحدث في جميع برلمانات العالم، بل يمكن أن يسمع النواب كلاما أكثر إيلاما من ذلك الذي سمعوه خلال زوبعة تخريب ربيع الثقافة من خلال مجلس النواب الذي يفترض أن يكون منبرا لتعزيز الحريات العامة وحماية حق الأفراد في الاستمتاع بخصوصياتهم من دون تعد فكري أو أيديولوجي أو ديني.
ما نعرفه أن الاستجواب أو سحب الثقة من الوزير أو الحكومة بشكل عام، كونهما من الأدوات الدستورية والحقوق التي كفلها الدستور لممثلي السلطة التشريعية، أو من يسمون ممثلي الشعب، يستخدمان عندما يكون هناك انتهاك صارخ وخطر من قبل أي من ممثلي السلطة التنفيذية، كالوزراء على سبيل المثال، للمسئولية والواجب الوطني الملقايين على عواتقهم بما يهدد مصالح الوطن والمواطنين، لا أن يستخدما لأن هذا الوزير أو ذاك لم يرضخ للأهواء العقدية أو الدينية والأيديولوجية لهذا النائب، أو أنه رفض التحول إلى أداة يحركها النواب وفق توجهاتهم الدينية والعقدية.
من المؤكد أن سقوط مقترح استجواب وزيرة الثقافة الشيخة مي بنت محمد آل خليفة، يشكل خطوة نوعية على طريق الدفاع عن الحريات العامة والخاصة التي تمثل فعاليات ربيع الثقافة إحدى محطاتها، فهذه الفعاليات لها جمهورها ومؤيدوها، وهؤلاء حين يستمتعون بفقرات تلك الفعاليات الغنائية والموسيقية وغيرها من أشكال الفنون فإنهم لا يتلذذون بها على حساب حريات الآخرين، وبالتالي من غير الجائز أو المقبول أن يأتي هذا أو ذاك ويصر على مصادرة حريات الآخرين وفقا لمعتقداته واجتهاداته الدينية أو بسبب نمط حياته الاجتماعي.
لكن سقوط مقترح الاستجواب، ليس نهاية الطريق أو هزيمة مطلقة لتوجهات الجماعات المتطرفة فكريا والمتزمتة دينيا، فإن كان باب استجواب الوزيرة قد أغلقه انهيار الأصوات المطلوبة للاستمرار فيه، فإن أبوابا أخرى من النار ستفتح في وجه العديد من الفعاليات ذات العلاقة بالحريات الخاصة والعامة، فلم تكن فعاليات ربيع الثقافة، هي الفعاليات الوحيدة التي تتعرض لهجوم الجماعات المتزمتة دينيا والمتطرفة فكريا، وليست وزيرة الثقافة هي الوحيدة التي تشمر هذه الجماعات سواعدها في وجه الأنشطة التي تنظمها الوزارة.
كان من المهم جدا رفع الصوت عاليا والخروج لنصرة حرية الاختيار والتعدد الفكري والاجتماعي في البحرين، فاستهداف وزيرة الثقافة، وإن كان جزء منه موجها لشخصها كونها تمثل الجرأة الحداثية بما تقدمه من أنشطة ثقافية وفنية متطورة وذات سمعة عالمية مرموقة، فإنه في مجمله استهداف لسمات التعدد الفكري والمجتمعي الذي يميز شعب البحرين وبما يمثله هذان التنوع والتعدد من شهادة نعتز بها وملزمون بالدفاع عنها لأن من شأن طغيان صوت اللون الواحد أن يسلب البحرين ميزتها الجميلة، وهذا ما لا يرضاه كل محب لأرض الحضارات.