الجريدة اليومية الأولى في البحرين


مقالات


الحصاران النفطي والمصرفي يؤثران في الاقتصاد الإيراني

تاريخ النشر : الثلاثاء ١٧ أبريل ٢٠١٢



بعد تشديد العقوبات المالية والنفطية على إيران من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي أملا في أن يشكل ذلك تهديدا لاقتصادها وقوة رادعة تثنيها عن طموحها النووي، بدأت التساؤلات تطفو على السطح حول مدى جدوى هذه العقوبات الاقتصادية في إقناع إيران بالتخلي عن برنامجها النووي، هي التي تمكنت حتى اليوم من ان تصمد في وجه الكثير من العقوبات وذلك عن طريق شبكات التهريب والتحالفات مع بعض الدول التي لا تستطيع الاستغناء عن الغاز والنفط الايرانيين.
على مدى عقود، اثبتت العقوبات النفطية انها معقدة جدا ولم يسبق لها أن أدت إلى نتائج كبيرة في الواقع، لكن من الواضح ان الجميع يتفق اليوم على ان العقوبات ستضر الاقتصاد الإيراني إلى حد كبير، لكن هناك شكوكا جدية حول ما اذا كانت ستستطيع إقناع إيران بالعدول عن مواقفها وخططها.
فكيف تؤثر هذه العقوبات في الاقتصاد والتجارة والقطاع المصرفي في ايران؟ وإلى متى سيستطيع النظام الإيراني مواجهة هذه العقوبات وتحملها؟
«اورينت برس» اعدت التقرير التالي:
لا شك ان الاجراءين الاخيرين في العقوبات الجديدة والقاضيين بفرض الحظر على مبيعات النفط الايراني وعلى تعاملات البنك المركزي الايراني، سيعقدان الامور بالنسبة إلى طهران ويدفعانها إلى تبني سياسات جديدة للالتفاف على العقوبات، لكنهما لا يغيران جوهريا الوضع الذي تواجهه إيران منذ العقوبات المالية التي فرضها الغربيون عام .2010
قدرة على التفاوض
بعد فرض الحظر النفطي على ايران، واعلان الكثير من الدول عزمها تطبيق هذا الحظر بمجرد انتهاء العقود المبرمة مع إيران خوفاً من ان تطولها العقوبات الامريكية، سارعت إيران التي لا تبيع سوى 20 في المائة من نفطها لاوروبا، إلى التأكيد ان الحظر النفطي لن يترك اي اثر في صادراتها النفطية في حين ان الطلب العالمي القوي يتيح لها «بيع نفطها لأي دولة في العالم». لكن هذه الحقيقة تحتمل التأويل، فصحيح ان إيران لديها تحالفات مع دول آسيوية عدة الا ان ذلك لا يحصنها على الاطلاق.
فرغم ان ابرز زبائن ايران: الصين والهند واليابان اعلنوا انهم لا ينوون الالتزام بالحظر الغربي رغم ضغوط واشنطون، وردت انباء عن استخدام المشترين الاجانب للعقوبات للتفاوض على اسعار افضل وبالتالي فإن العقوبات الجديدة لن تعمل على خفض العوائد الإيرانية فحسب، بل إنها ستضع الصين والهند واليابان أيضاً في موقف من الاحتكار، مع قدرة على التفاوض على عقود النفط والحصول على اسعار ارخص من إيران التي لن تتمكن من تصريف انتاجها الا عبر هذه الدول التي ستستغل الموقف الايراني الضعيف. ورغم ان بعض الدول ستستمر في شراء النفط الايراني عبر طرائق ملتوية للالتفاف على العقوبات الامريكية، فانه مع عزل إيران عن النظام المصرفي الدولي، لن تتمكن هذه الدول من دفع قيمة النفط الايراني المستورد الا على شكل ذهب او بضائع.
فكل من يتعامل مع إيران ومؤسساتها سيواجه العقوبات الامريكية التي ستطاله، وبالنظر إلى مكانة الولايات المتحدة الاقتصادية في العالم فإن الكثير من الدول والمؤسسات غير مستعدة للتضحية بواشنطون من أجل عيون طهران. وبحسب العقوبات المفروضة، ففي حال قامت اي شركة او مؤسسة او دولة بالتعامل مع إيران عندها ستمنع من العمل داخل الولايات المتحدة وهو امر يتجنبه الجميع.
يذكر انه حتى تموز/يوليو القادم، ستتوقف كل الاتفاقيات الاوروبية التي عقدت مع إيران وذلك بعد موافقة الاتحاد الاوروبي على العقوبات الجديدة ضد إيران وهو ما سيجعل الاخيرة في حيرة من امرها حول كيفية تصريف نفطها.
الحصار المصرفي
اما تعزيز الحصار على القطاع المصرفي عن طريق فرض العقوبات على البنوك الايرانية وعلى كل من يتعامل معها فمن شأنه أن يؤدي إلى ابطاء الواردات الايرانية وإلى تعقيد تحصيل طهران نحو مائة مليار دولار هي عوائد صادراتها النفطية في عام 2011، ما سيؤدي إلى نقص في العملات الصعبة اصبحت اثاره تظهر على الاقتصاد.
وقد انخفضت قيمة العملة الايرانية امام الدولار بنسبة 55 في المائة، ولم يعد لدى البنك المركزي الايراني عملات صعبة لكي يمد السوق بها، ويتزامن ذلك مع اعلان شبكة سويفت، التي تدير أغلب المعاملات والتحويلات المالية في العالم، قطع علاقاتها مع البنوك الإيرانية. مع الاشارة إلى ان كل التعاملات المصرفية التي تجرى في العالم تقريبا يجب ان تمر من خلال «شبكة سويفت»، ومقرها بلجيكا، التي توصف «بالصمغ» الذي يجعل النظام المصرفي العالمي متماسكا. وتستخدم نحو 40 مؤسسة ومصرفا إيرانيا شبكة «سويفت» في إجراء معاملاتها المالية، ومن شأن حرمانها منها أن يلحق أضرارا فادحة بالاقتصاد الإيراني الذي سيصبح مقصيا عن التدفقات المالية العالمية.
حيل مختلفة
تسعى إيران اليوم لتفادي الآثار السلبية الناجمة عن العقوبات الاخيرة عن طريق عدة حيل تلجأ اليها ليس اقلها شبكات التهريب الناشطة التي يمسك الحرس الثوري الايراني بخيوطها ويحركها كيفما شاء، فهناك شبكات تهريب عدة بين إيران وجاراتها، ولاسيما بينها وبين تركيا والعراق.
ومن المعروف أن إيران هي واحدة من أهم الشركاء الاقتصاديين للعراق في المنطقة، وتتراوح قيمة التجارة السنوية بين 8 و10 مليارات دولار، واليوم تحظى حدود العراق مع إيران على طول 910 أميال، وبالتالي موقعها الجغرافي المناسب لتهريب السلع الممنوعة، بالأهمية الكبرى بالنسبة إلى إيران في وجه العقوبات المتزايدة المفروضة عليها.
تجدر الاشارة إلى انه حتى عام 2010، كانت معظم السلع المهربة والمحظور بيعها إلى إيران تهرب من دبي. بعلم ودعمٍ من النظام الإيراني والحرس الثوري، كانت السلع الاستراتيجية «الصغيرة الحجم» منها قطع الطائرات والمعدات الإلكترونية المتطورة تدخل سرا إلى جزيرتي كيش وقشم الإيرانيتين من دبي ورأس الخيمة ومدحا، لكن منذ بداية عام 2010، فرضت الحكومة الأمريكية ضغوطاً هائلة لمنع عمليات التهريب، وهددت في حال عدم الانصياع للأوامر بمنع المخالفين من دخول الأسواق الأمريكية والحصول على التكنولوجيا المتطورة، ما ادى إلى وقف عمليات التهريب بين طرفَي الخليج الجنوبي والشمالي وبالتالي شل شبكات التهريب ومنعها من الاستمرار في عملياتها.
ردا على ذلك، حولت الحكومة الإيرانية تركيزها نحو العراق بهدف تجاوز العقوبات الغربية وفرضت ضوابط على الشركات الإيرانية الناشطة في الخليج. حتى الآن، تحدث معظم عمليات التهريب عن طريق العراق، وتحديداً عبر المناطق الكردية الجبلية.
الى ذلك، تدعم إيران نشاطات التهريب هذه من خلال فتح بنوك خاصة في العراق وشركات متعددة الاهتمامات يكون بعضها ملكاً لمواطنين لبنانيين وعراقيين وسوريين، كي تشتري هذه الأطراف سلعاً محظورة على إيران في السوق وتشحنها بطريقة قانونية من دول عدة إلى العراق قبل تهريبها عن طريق الممرات البرية الكثيرة إلى إيران.
لكن رغم هذه الالتفافات، يمكن للمرء تلمس تأثير العقوبات الذي بدأ يظهر على ايران. على سبيل المثال، كانت التجارة الثنائية بين تركيا وايران ترتفع باطراد خلال الـ15 عاما الاخيرة لكنها انخفضت بنسبة 25 في المائة في العام الماضي. اما العملة الايرانية فقد عانت بدورها التدهور الكبير، ناهيك عن تضرر القطاع المصرفي بتوقف تعاملاته مع الخارج. اما بالنسبة للشعب الايراني ولرجال الاعمال بشكل خاص فإن العقوبات المالية تقف حجر عثرة امام تحويلاتهم المالية وتكبلهم إلى حد كبير.