الجريدة اليومية الأولى في البحرين


قضايا و آراء


مقاصد العمل النيابي السعي إلى التطوير والازدهار أم ماذا؟

تاريخ النشر : الثلاثاء ١٧ أبريل ٢٠١٢



إن ما جرى في مجلس النواب قبل فترة بسيطة من استنفار وفزعة لبعض الاخوة النواب كأنما هناك حالة طوارئ حاصلة للبلاد والعباد فإذا صح ما نقل عن وزيرة الثقافة الشيخة مي فان العقل والمنطق يحكمان بأن ما بدر لا يصدر عن أحد إلا لأنه عُرّض لما لا يطاق من محاولات استفزاز واستنفار مقصودة، والأصل أن العقلاء يجنحون في مثل أي تصرف يصدر عن إنسان وهو في حالة الغضب إلى الا يتصيدوا عليه لحظة الانفعال تلك، فإذا كانت النيات حسنة والقصد معالجة قضايا البلاد لتطويرها وإبرازها بأفضل الصور أمام العالم وهو الأصل المفترض في شخصية النائب فان يحصل ما دون ذلك من محاولات استفزاز للطرف الاخر ثم إبراز جانب «الشللية» والعنترية ضده فذلك أمر مرفوض كما انه مرصود وان حاول بعض النواب إخفاءه.
إن نواب الشعب رُشحوا ليتحاوروا مع الوزراء فيما يرفع من مستوى معيشة المواطن ويحسن من مستواه الفكري والثقافي وليس من اجل التحزب وتبييت النيات لاستثارة الطرف المسئول ومن ثم التصيد ضده فهذا النوع من المماحكات البرلمانية لا يُقدم للشعب شيئا بل يعطي انطباعا إذا ما طارت أخباره للخارج بأن البحرين قد تراجعت عن طبيعة انفتاحها على ثقافات الأمم وأنها ربما تخلت عن أريحيتها التي عُرفت بها عبر تاريخها.
ثانيا: فلنتساءل ما الذي يدفع بشخص يعمل في منصب مسئول ويتحمل كل ضغط العمل من اجل إبراز صورة وطنه في أجملها إلى أن يُستدرج إلى قول ما لا يرتضيه لنفسه لولا انه تعرّض لمحاولات استفزاز؟
ان جدية تيّقن المسئول لأهمية ما يقوم به من أعمال وهو يرصد بحكم متابعته الدولية المباشرة أهمية تلك الفعاليات وما تعود به من منافع على الوطن وسمعته فهي ما تجعله يستميت في ألا يفقد ما يحصل عليه من امتيازات تنافسية بين البلدان ليبني مثل تلك الفعاليات الدولية والإقليمية التي تعكس بنجاحها مؤشرا واضحا لمدى قابلية البلد المستضيف لاحتضان المشاريع الاقتصادية ورعاية حركة رؤوس الأموال وهو ما تتنافس عليه البلدان اليوم وتسعى إلى تحصيله للتغلب على مشاكل انحسار الاقتصاد العالمي وحل مشكلة البطالة الناتجة عنه.
إن المناكفات والمهاترات غير المسئولة واللاواعية بجوهر الاشياء من قبل بعض النواب هي التي تدفع المسئول المعني لمثل هكذا انفعالات، لأنه عُرّض لأسلوب ضحل من التعاطي تحت مسمى حق النائب تارة وحق الدين تارة أخرى ثم يطلب إليه أن يكون صخرة صماء لا تشعر ولا تتأثر ، إن من يُتاجرون في الدين من غير تفقه بجوهره هم اليوم وبعد أربعة عشر قرنا من صدر الإسلام الأول يسعون لفرض وصاية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الناس وكأنما الدين لم يتم ويكمل وان الأمة لم تمارسه بفطرتها السليمة عبر عقود طوال فتشربت بفهمه المجرد وتيقنت من انه بعد نبي الأمة لا وصاية دينية أو تبليغه لأحد على عامة إجماع المسلمين، فالحدود الحمراء ثبتت والحلال والحرام بانت معالمهما، حتى في هذين البابين فان فقهاء الأمة العدول النوابغ على اختلاف مشاربهم ومذاهبهم تراجعوا بورع وبعلم غزير عن الاجتهادات التي لا تتماشى مع حاجات العصر وما فرضته القفزة العالمية للمواصلات وأساليب الاتصال بين البشر من تعزيز قواسم المشترك الإنساني المجرد قبل أي مفهوم ديني أو عقدي، فوعي الفقهاء بحاجة الأمم إلى تبادل المعارف مع بعضهم بعضا وبما يحقق مبدأ عمارة الأرض وهو المبدأ الأصل في جوهر نزول الخلقة الإنسانية على هذا الكوكب هو ما استدعاهم لإعادة مراجعة بعض النصوص، ثم ما مغزى قول العزيز الحكيم في محكم كتابه وما أجمله وابلغه من قول لكل طالب للحقيقة (ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا)؟ صدق عز من قائل.
وهنا نركز في كلمتي وهو محسن ثم ما هي ملة إبراهيم المعنية غير تلك الروح المتسائلة عن ذات الله عندما تصور القمر تارة والشمس تارة أخرى بأنهما المعبودان المنجيان لخلاص الإنسان من شقائه؟ والقصد من ذلك التساؤل في تقديرنا هو رسالة موجهة للبشرية من أن النبي نفسه معني بالبحث من دون الإصرار على امتلاك الحقيقة في مقاصده أن ملة إبراهيم البحثية توصي بعدم الادعاء بامتلاك الحقيقة وعدم التوقف عن البحث لمرضاة الله، فإذا كانت السماء تضرب الأمثال للناس برسولها فماذا عن البشر العوام من خلق الله؟ هل يجوز لهم التشدد والادعاء بامتلاك الحقيقة فيما يعتقدون من عقائد وعبادات ينشدون بها مرضاة الله؟
ويبدو واضحاً هنا من سياق الآيات اشتراطها وتأكيدها الواضح اقران المقاصد بالإحسان لكل خلق الله على بسيطته والإحسان في تقديرنا هو اسمى وأرقى درجات التعامل بين الفرد وكل المخلوقات من بشر وحجر في محيطه.
إن الدولة المدنية من ابرز صورها أن يكون الانفتاح سمة غالبة لتقبل الأخر واحترام توجهاته وقد يحصل بعد تقادمها وفي أصعب التقديرات أن ينشأ البار بجنب المسجد وبجنب الكنيسة والبشر متروكون كل لوجهته وخياراته فهل يعقل أن يذهب البعض إلى تجييش الشارع لإيقاف فعالية ثقافية يميل لتبنيها ومتابعة شؤونها الكثير من النخب والمثقفين ناهيك عن أن أمثال تلك الفعاليات التي تعكس السمعة المنفتحة على الآخر هي تؤسس لتشكل القناعات تجاه البحرين مما يجعلها تبني صورا لتعدد أفكار الروافد الخارجية العازمة للدخول وللعمل في السوق البحرينية؟ وعليه فبّدل أن يُشكر كل جهد من شأنه إبراز الوجه الأريحي للبحرين ورُقيها يُضايق ويهاجم ذلك الجهد بأساليب استفزازية تحت مظلة حق عضوية النائب، ذلك الحق الذي يستخدمه البعض بشكل منفلت العقال .
إن من ينشد الدولة المدنية التي تُعد آخر ما توصل إليه البشر من عقود اجتماعية ثبتت أفضليتها في مجال التعايش السلمي بين الجماعات عليه أن يكون واعياً لواقع التعاطي ضمن دائرة السلوك الدافع لتحقق تلك الحالة الإنسانية الراقية والمتفهمة لمشارب البشر وأحاسيسهم من دون تحجر لا أن يتصور أوهاما تُرجع صيرورة تتطور حياة البشر وبزعم حفظ الدين وهم في تقديرنا على تيقن بأن ما يتطيرون به إنما هو من عصبية الأنفس والميل للهوى وليس للدين في وجهته أي صلة أو فهم بحثي معمق، أما من يُتلفون المصالح العامة والخاصة فمن المؤكد بإجماع الديانات والملل ان فعلهم مجرم ومحرم تحت أي ظرف أو ذريعة.