شرق و غرب
هل تكون المقاومة الشعبية بديلا عن الكفاح المسلح؟
تاريخ النشر : الثلاثاء ١٧ أبريل ٢٠١٢
لقد دونت هذه القصة بأحرف من ذهب في دفاتر تاريخ المقاومة الفلسطينية للاحتلال الإسرائيلي، ففي شهر فبراير الماضي نجح خضر عدنان، وهو خباز بسيط، في لي ذراع إسرائيل بعد أن أضرب عن الطعام على مدى 66 يوما في زنزانته في أحد السجون الإسرائيلية التي تعج جميعا بآلاف السجناء الفلسطينيين. في نهاية المطاف اضطرت الدولة العبرية إلى إطلاق سراحه بعد حبسه إداريا مدة أربعة أشهر. يعتبر الحبس الإداري من الإجراءات الطارئة التي تخول دولة الاحتلال، إسرائيل، اعتقال أي شخص يشتبه في أنه يشكل خطرا على أمن الدولة العبرية حتى من دون أي محاكمة مع تجديد هذا الحبس بشكل لا نهائي.
في خضم ذلك النصر الكبير الذي حققه خضر عدنان دخل عشرة معتقلين فلسطينيين آخرين في إضراب عن الطعام ومن بينهم هناء شلبي، البالغة ثلاثين سنة من عمرها وهي عضو في تنظيم الجهاد الإسلامي، تماما مثل خضر عدنان.
في بداية شهر ابريل 2012، بعد أن أصبحت منهكة في أعقاب إضرابها عن الطعام مدة 43 يوما قبلت الشابة الفلسطينية بإطلاق سراحها على أن يتم ترحيلها إلى قطاع غزة مدة ثلاثة أعوام.
إن المعركة، التي خاضها هذان السجينان الفلسطينيان: خضر عدنان وهناء شلبي، والتي ترددت كثيرا في شبكة التواصل الاجتماعي حتى تحولا إلى بطلين حقيقيين، قد أطلقت العنان للتكهنات حول احتمال اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة لتكون امتداد الانتفاضتين الفلسطينيتين الأولى (1987-1993) والثانية (2000-2005)، فالإصرار الكبير الذي تسلح به الشاب الفلسطيني واستعداده للموت مكبلا بالأصفاد في فراشه في المستشفى في تضحية سلمية ومن دون اللجوء إلى العنف أعطى صورة مغايرة تماما لتلك العمليات الانتحارية التي تعود تنظيم الجهاد الاسلامي من قبل تنفيذها في قلب إسرائيل. لقد جاءت الخطوة التي أقدم عليها خضر عدنان ثم هناء شلبي لتهز حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي الليكودي بنيامين نتنياهو.
إن هذا الانتصار المثالي يمثل انتصار الإرادة الصلبة على قوة الاحتلال. فهل يلهم خضر عدنان وهناء شلبي الشعب الفلسطيني الذي يعيش بملايينه تحت نير الاحتلال الاستيطاني الإسرائيلي؟ هل يعمد سكان المدن الفلسطينية إلى النسج على منوال أبناء عمومتهم في القرى والأرياف الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة، الذين انخرطوا منذ عدة سنوات في المقاومة الشعبية السلمية التي لم تجد معها إسرائيل أي حيلة؟ يتجسد هذا الأسلوب السلمي في المقاومة في المظاهرات التي تنظم كل أسبوع في بعلين ونعلين والنبي صالح وعدة قرى فلسطينية أخرى ترزح تحت الاحتلال.
إن الجواب هو لا.
يوم 30 مارس 2012 أحيا الشعب الفلسطيني ذكرى يوم الأرض غير أن المشاركة في المظاهرات جاءت ضعيفة، فبسبب غياب التأطير تحولت المسيرة التي كان يفترض أن تصل إلى نقطة التفتيش الأمنية في قلندية القريبة من القدس إلى مواجهات مع الجنود الإسرائيليين استخدمت فيها القنابل المسيلة للدموع والحجارة، بل إن بعض الخلافات حدثت بين الفلسطينيين حول التكتيك الذي يتعين اعتماده وضرورة الالتزام بالمقاومة الشعبية السلمية.
إن سياسة الاحتلال الإسرائيلي كانت دائما تسعى إلى تكريس العجز الفلسطيني، فقد عمدت الدولة اليهودية إلى تمزيق الأراضي الفلسطينية المحتلة بالاعتماد على الحواجز الأمنية والمستوطنات إضافة إلى الجدار الفاصل، الأمر الذي أعاق حركة الفلسطينيين.
في سنة 1967، عقب حرب الأيام الستة التي نشبت في شهر يونيو من ذلك العام بين إسرائيل والعرب فرضت إسرائيل الاحتلال على الضفة الغربية وقطاع غزة، اللذين كانا حتى تاريخ تلك النكسة العربية تحت إدارة الأردن ومصر. قبل فرض الاحتلال كان سكان الضفة الغربية وقطاع غزة يتنقلون ويتبادلون البضائع والزيارات.
في المقابل فإن السياسة الجائرة التي اعتمدتها إسرائيل منذ التسعينيات من القرن الماضي بتضييق الخناق على قطاع غزة أدت إلى إحداث القطيعة في نهاية الأمر ما بين حركة حماس ؟ التي تسيطر اليوم على قطاع غزة ؟ وغريمتها حركة فتح التي تتحكم بدورها في الضفة الغربية ؟ أو بالأحرى فيما تبقى من الضفة الغربية تحت مظلة الاحتلال الاستيطاني الإسرائيلي.
في الحقيقة فإن بعض القادة الفلسطينيين أصبحوا بحالة من اللامبالاة. فالضفة الغربية تحصل على ملايين الدولارات من الدول المانحة. يبدو أن حركة فتح بقيادة الرئيس محمود عباس مهتمة بالحفاظ على تدفق هذه الأموال أكثر من حرصها على الاستمرار في المقاومة والتضحيات. وفي الوقع فإن صناعة المساعدات الدولية أوجدت نخبة جديدة في المدن وهي تفضل التهدئة والإبقاء على الوضع الراهن من دون أي تصعيد قد يضر بمصالحها. هذه النخبة الجديدة في كبرى مدن الضفة الغربية تمتلك سيارات الدفع الرباعي الفاخرة وترتاد البارات الراقية في مدينة رام الله وتسكن في الفيلات الفخمة التي يحميها الحراس الشخصيون الذين يرابطون عند باب الدخول. في منطقة تعج بنقاط التفتيش الأمنية والحواجز العسكرية الإسرائيلية نجد هذه الصورة الشديدة التناقض في حياة الفلسطينيين.