يوميات سياسية
ما لم يقل عن محادثات اسطنبول
تاريخ النشر : الأربعاء ١٨ أبريل ٢٠١٢
السيد زهره
ما الذي جرى في محادثات اسطنبول بين إيران ومجموعة 5+1 حول أزمة الملف النووي الإيراني, وما الذي تحقق فيها بالضبط؟
الملاحظ بداية, انه بعد انتهاء المحادثات التي استمرت عشر ساعات, حرصت كل الاطراف تقريبا على الإشادة بها وبنتائجها.
أشتون, وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي وصفت المحادثات بأنها «بناءة ومفيدة وتعكس نص وروح الرسائل الاخيرة التي تبادلناها مع إيران». البيت الابيض الامريكي من جانبه اعتبر ان المحادثات «خطوة اولى ايجابية وان الإيرانيين جاءوا للتحدث بشأن برنامجهم النووي وهو ما كانت تريده مجموعة الست». بدوره, أشاد جليلي رئيس المفاوضين الإيرانيين بـ«الموقف الإيجابي لمجموعة 5+1, وبرغبتهم التي أبدوها في التحاور والتعاون».
إذن, ما هي النتائج الايجابية المحددة التي انتهت إليها المحادثات وجعلت كل الاطراف تقريبا تشيد بها على هذا النحو؟
حقيقة الامر ان النتيجة الوحيدة الملموسة المحددة هي الاتفاق على عقد جولة اخرى من المحادثات في العراق بعد نحو شهر. أما فيما عدا ذلك, ومن متابعة تفاصيل ما نشر عن المحادثات, فليس هناك أي شيء ايجابي محدد انتهت إليه او حتى تمت مناقشته.
بعبارة أدق, كل ما تم الاستناد إليه لاعتبار المحادثات ايجابية على نحو ما عبرت عنه مثل هذه التصريحات هو أمور عامة جدا لا علاقة لها بصلب القضية. نعني امورا من قبيل ان الاجواء العامة في المحادثات كانت ايجابية, وان الطرفين أبديا استعدادا لمناقشة القضية من دون فرض شروط مسبقة, وان هذ الاجواء تعتبر خطوة على طريق بناء الثقة بين الطرفين.
كما نرى, ليس في هذه الاجواء العامة شيء ايجابي ملموس تم تحقيقه او حتى تمت مناقشته فيما يتعلق بصلب قضية الملف النووي الإيراني. فما هو سر هذه الاشادات بالمحادثات إذن؟
أغلب الظن ان النتيجة المحددة, والانجاز الذي تحقق تمثل فيما لم يتم التطرق إليه في المحادثات اصلا.
نعني ان اغلب الظن ان الانجاز هو التوصل بطريقة ما الى شكل من اشكال التفاهم بين امريكا وإيران على «التهدئة» ووقف التصعيد, وابداء حسن النوايا طوال الاشهر القادمة, وتحديدا حتى تجري انتخابات الرئاسة الامريكية.
مثل هذا التفاهم هو حاجة ماسة إلى الطرفين.
أوباما بحاجة الى ترحيل الازمة إلى الامام, والى اعطاء الانطباع للناخب الامريكي بأن تقدما ما يتحقق في الازمة الإيرانية, وان امكانية احتواء الازمة سلميا مطروح بقوة, وبالتالي فهو ليس بحاجة الى اتخاذ أي اجراءات حازمة ضد إيران في الوقت الحاضر على نحو ما تطالب قوى كثيرة في امريكا تتهمه بالضعف والتراخي وعدم الحزم.
وإيران من جانبها بحاجة الى تخفيف الضغوط الدولية عليها, والى تحجيم الاصوات الكثيرة المطالبة في الغرب بعمل عسكري يستهدفها, وبتشديد العقوبات الدولية اكثر.
إذا صح هذا التقدير - والارجح انه صحيح - فسوف تشهد الاشهر القادمة ترحيلا للأزمة الى الامام خطوة بعد خطوة. وفي محادثات بغداد القادمة سوف يتم الاتفاق على عقد جولة اخرى بعد ذلك, وهكذا. وقد تتدخل امريكا وتضغط باتجاه قرار غربي بتأجيل البت في تنفيذ قرار فرض العقوبات النفطية على إيران المقرر ان يدخل حيز التنفيذ في يوليو القادم.
ومن الملاحظ ان اوباما, وكمن «على رأسه بطحة» كان حريصا بعد محادثات اسطنبول على انه «لم يتم تقديم أي تنازل الى إيران في المحادثات». وفي نفس الاتجاه, قالت وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون ان امريكا «ستواصل العقوبات والضغوط على إيران, في انتظار ما سيحدث في الجولة القادمة من المحادثات في بغداد». القراءة السياسية لمثل هذه التصريحات انها تؤكد ولا تنفي ان تنازلا ما تم تقديمه الى إيران بالفعل.
إذن, إن صح هذا التقدير الذي ذهبنا إليه من وجود هذا التفاهم بين امريكا وإيران, فما هي المشكلة بالضبط؟.. بعبارة أدق, هل في هذا مشكلة بالنسبة إلينا في دول الخليج العربية؟
نعم.. هناك مشكلة.. المشكلة ليست في ترحيل الازمة الإيرانية الغربية الى الأمام, فهذا شأن يخصهم. المشكلة انه في إطار مثل هذا التفاهم, وهذه الرغبة الامريكية في استرضاء إيران في الاشهر القادمة, من الممكن الاقدام على خطوات تمثل مباشرة خطرا او تهديدا للمصالح العربية.
نشير هنا بصفة خاصة الى احتمال أشار إليه بالفعل أحد المحللين بعد محادثات اسطنبول, وهو ان يتم إدراج بند «الأمن الاقليمي» أو «القضايا الإقليمية» في محادثات بغداد القادمة.
ولعل ما قد يعد مؤشرا على هذا ما ذكرته مصادر موثوقة من انه عشية محادثات اسطنبول, حضرت اشتون عشاء مع الوفد الإيراني استمر ثلاث ساعات كاملة, والغريب ان المحادثات في هذا العشاء لم تتطرق الى القضية النووية إطلاقا, وإنما تطرقت الى قضايا اخرى تماما وخصوصا «الربيع العربي».
على أية حال, لو حدث هذا, لو تم إدراج الامن الاقليمي او القضايا الاقليمية في المحادثات القادمة مع إيران, فسوف يمثل هذا رضوخا غربيا للمطلب الإيراني الاساسي والمتمثل في ان يتفاوض معها الغرب حول القضايا الاقليمية, التي هي كلها قضايا عربية لا دخل لإيران بها, وبما يعني اعترافا غربيا بدور اقليمي إيراني مهيمن.
هذا هو الخطر الذي يجب على الدول الخليجية العربية أن تتحسب له من الآن.