هوامش
إماراتية الجزر لا تغيرها الاستفزازات
تاريخ النشر : الأربعاء ١٨ أبريل ٢٠١٢
عبدالله الأيوبي
من حيث الشكل وليس الجوهر، فإن زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد الأسبوع الماضي لجزيرة أبوموسى الإماراتية التي احتلها الجيش الإيراني في عهد الشاه محمد رضا بهلوي عام 1971 إلى جانب جزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى، تشكل «استفزازاً واضحاً وتأجيجاً لمشاعر مواطني بلدان الخليج العربي»، كما جاء في بياني استنكار الزيارة الصادرين عن جمعيتي العمل الوطني الديمقراطي (وعد) والمنبر الديمقراطي التقدمي، فإن هذه الزيارة تحمل في أبعادها رسائل سياسية خاطئة بل خطرة، تتعدى الاستفزاز، حيث إن زيارة نجاد جاءت في وقت تسعى فيه دولة الإمارات العربية المتحدة إلى التهدئة والعمل بتأن من أجل تهيئة المناخ الملائم لبحث قضية احتلال الجزر من منطلق الجيرة بين الدولتين.
حين انتصرت الثورة الإسلامية في إيران في شهر فبراير عام 1979، أي بعد مضي ثماني سنوات على احتلال الجزر الإماراتية الثلاث من قبل قوات الشاه وإعلان القادة الإيرانيين الجدد تخليهم عن النهج السياسي لنظام محمد رضا بهلوي وغطرسة التعامل مع الجيران التي دأب نظام الشاه على اتباعها مع جيرانه مستغلا مكانته السياسية والعسكرية لدى الولايات المتحدة الأمريكية، وخاصة أن إيران الشاه كانت تمثل أهم قاعدة متقدمة للولايات المتحدة الأمريكية في مواجهة الاتحاد السوفيتي السابق، لكن القيادة الإيرانية الجديدة خذلت جيرانها فيما يتعلق بهذه القضية وغيرها من القضايا التي كانت تمثل هواجس بالنسبة إلى شعوب الخليج العربي إبان حكم الشاه.
فالقيادة الإيرانية الجديدة كان عليها أن ترفض الإرث الاستعماري لشاه إيران وأن تسعى بجد إلى ايجاد حل عادل لقضية الجزر الإماراتية الثلاث، لا أن تصد كل الدعوات والمحاولات التي سعت دولة الإمارات العربية المتحدة وغيرها من دول الجوار إلى تذليل أي صعوبات تعترض طريق هذا الحل، وبالتالي فإن القيادة الإيرانية التي أطاحت بالشاه، قبلت راضية أن تواصل مسيرته الاستعمارية وأصرت على تجاهل كل هذه الدعوات، بل سعت بشتى السبل والوسائل إلى تكريس احتلال الجزر الإماراتية الثلاث التي ستبقى بكل تأكيد واحدة من أهم العقبات على طريق تطبيع كامل للعلاقات بين إيران والدولة الشقيقة.
جاءت زيارة الرئيس الإيراني لجزيرة أبوموسى وفي هذا التوقيت حيث تتصاعد الهواجس الشعبية من السياسة الخارجية الإيرانية لتضيف إلى هذه الهواجس بعدا آخر بحيث تعطي الانطباع بأن إيران غير جادة وليست متحمسة لإبداء حسن النيات تجاه الدول المجاورة، مع أن إيران أحوج من غيرها في هذه الظروف إلى تعزيز علاقاتها مع دول الجوار وتأكيد مصداقيتها في حل الخلافات والنزاعات الجانبية بالطرائق السلمية وبما يلبي رغبات وتطلعات شعوب المنطقة التي ملت التوترات الإقليمية التي جلبت على المنطقة نزاعات مسلحة كثيرة دفعت الشعوب كلها أثمانا باهظة بسببها.
فليس هناك من مغزى أو سبب يدفع بالرئيس الإيراني إلى زيارة منطقة، أقل ما يمكن وصفها بأنها منطقة «متنازع» عليها بين دولتين جارتين، نقول ليس هناك مغزى سوى تأكيد التمسك الإيراني بالنهج الاستعماري الموروث عن نظام الشاه محمد رضا بهلوي، ومثل هذا السلوك لا يخدم المصالح الإقليمية الإيرانية ومن شأنه أن يؤثر في علاقاتها مع دول الجوار، فلا يمكن لإيران أن تطلب علاقات حسن جوار في الوقت الذي تصر على تنفيذ ما تراه صائبا وتتجاهل مواقف الآخرين، وأصحاب العلاقة المباشرة بقضية الجزر الثلاث.
ومهما تكن الحجج الإيرانية فيما يتعلق بقضية الجزر الثلاث في الخليج العربي، وتمسكها بهذه الحجج واعتبار هذه القضية في حكم المنتهية كون هذه الجزر أراضي «إيرانية»، بحسب الأدلة والوثائق التي تدعي إيران امتلاكها، فإن هذه الجزر تبقى محل نزاع مع دولة الإمارات العربية المتحدة التي بدورها تملك من الوثائق والبراهين ما يؤكد أحقيتها في السيادة على تلك الأراضي، وبالتالي فإن من يرد بصدق إيجاد حل عادل وشامل لهذا النزاع فعليه أن يتخلى عن منطق فرض الأمر الواقع بالقوة، وأن ينحو ناحية الحوار أو التحكيم لإيجاد مثل هذا الحل، وإلا فإن النزاع سيبقى قائما ما بقي الاحتلال.
فالإمارات العربية المتحدة، ومن منطلق حسن النيات وعلاقات الجوار، حافظت على علاقات طبيعية مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بل يمكن القول إن العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين تمثل عنوانا ساطعا لذلك حيث حافظت الدولة الشقيقة على تقوية علاقاتها مع إيران رغم تعرض الأخيرة لمختلف أشكال العقوبات الاقتصادية الدولية، بل ان دولة الإمارات شكلت ميناء مهما للبضائع العابرة إلى إيران، رغم ما تحمله الدولة الشقيقة من غصة في القلب نتيجة استمرار احتلال جزء غال من أراضيها من قبل الجار الإيراني، فهو المطالب بأن يعامل الدولة الشقيقة بالمثل لا بأسلوب الغطرسة ومنطق القوة.